ما هذا المكان المظلم البارد، و هؤلاء الأشخاص الغرباء الذين ينظرون إليّ من طرف أعينهم، وكأنني من كوكب آخر. أنا لا أعرف في هذه الدنيا سوي أختي و أخي و دراجتي،التي أتنقل بها إلي عملي. أخرج في الصباح الباكر من البيت متجها في خط مستقيم علي دراجتي، حتي أصل إلي أكداس من الحجارة، فأتناول مطرقتي، وأشرع في تفتيت هذه الحجارة، عندما أجوع وأتعب، أتناول الطعام الذي تتركه لي أختي في خرج الدراجة. ثم أواصل عملي إلي مغيب الشمس، عندها أعود إلي البيت منهكا لأتعشي و أنام. بعد عدة أيام يأتيني رجل مبتسم إلي عملي فينقدني بعض المال و يرحل، دون أن يقول شيئا. و عندما أعود إلي البيت أقدّم بدوري هذا المال إلي أخي، فيأخذه دون اكتراث و يعطي القليل منه إلي أختي. بعد عدة أيام أستيقظ باكرا كعادتي لأذهب إلي عملي، فتقول لي أختي لاتذهب، اليوم راحتك الأسبوعية، فأبقي في البيت أستحم وأقضي بقية اليوم أساعد أختي في شؤون المنزل. في يوم من أيام هذه الراحة الأسبوعية، طلبت مني أختي أن أرتدي ملابس العيد فاستغربت لذلك،-: فقالت لي سنذهب لنخطب لك عروسا.-: ولماذا عروس ؟ ماذا أفعل بها ؟، -: سأخبرك بعد ذلك. امتطينا ثلاثتنا سيارة أجرة واتجهنا إلي منزل العروس، في الطريق قال أخي إنها تعمل براتب محترم، ردت أختي إنها كبيرة في السن و تشبه.. أستغفر الله...ثم نظرت إليّ بعطف، وقالت الله يكون في عونك. نزلنا من سيارة الأجرة، وقف أخي أمامي و أخذ رأسي بين راحتيه قائلا في حزم إياك إياك أن تتكلم و إذا تركتك تقول شيئا قل فقط إن شاء الله، واصمت. قلت في نفسي أخي ينصحني، فأنا أتلكأ في النطق والأحرف تخرج من فمي ملتوية. دخلنا البيت، رحب بنا أهل العروس بشئ من المبالغة، أجلسني أخي بينه و بين أختي، تكلم أخي و أختي مع بالإجابة، و في بعض المرات،يتركانني لأقول إن شاء الله. وفي يوم من الأيام، ظننته للوهلة الأولي يوم عيد،أتاني أخي ببدله جديدة قائلا: ارتد هذه البدلة فاليوم يوم عرسك مبروك. لم أتبين مقصده غير أني وجدت نفسي في مكان فسيح يعج بالناس، أجلسوني بجانب امرأة، فوق مصطبة مرتفعة قليلا عن الأرض أشرف منه علي جمع غفير من الناس، يجلسون علي كراسي مصفوفة،غير بعيد مني موسيقي و صخب وهرج ومرج. آخر النهار رجعت إلي البيت وامرأة ممسكة بذراعي لا أدري لماذا؟ دخلت غرفتي فوجدتها تغيرت أصبحت مرتبة بها سرير كبير، سجاد جميل علي الأرض، وخزانة فخمة. كنت متعبا خلعت ثيابي،و بسرعة نمت، فنامت تلك المرأة بجانبي. يا إلهي أكره أن ينام أحد بجانبي، أو يلمسني أحد أثناء النوم. في الليلة التالية طلبت من المرأة أن تترك الغرفة ولا تنام بجانبي،فرفضت وبشدة. في الليلة الثالثة أخذت المرأة تلاطفني، وتداعبني، فتركت لها الغرفة و نمت في قاعة الجلوس. كلّمني أخي في الموضوع و حاولت أختي أن تقنعني بالنوم في غرفتي مع تلك المرأة، فأبيت وأصررت علي النوم في غرفة الجلوس أو تترك تلك المرأة غرفتي. بعد عدة أيام لم أعد أري تلك المرأة في بيتنا،فاطمأن قلبي ورجعت للنوم في غرفتي وحدي.بعد مدة قدم أخي إلي غرفتي باكرا وقال في ضيق وتبرّم واضحين : أهل بسرعة ارتد ملابس العيد لنذهب إلي المحكمة. قلت : ماذا يعني محكمة؟. ردّ بحزم أصمت سأفهمك عندما نصل. وصلنا، دخلنا إلي قاعة فسيحة بها العديد من المقاعد المصفوفة والمنظمة، جلسنا، فقال لي أخي ذهل رأيت ذلك الرجل الذي يجلس في الوسط في صدر القاعة،إنه القاضي كلما سألك سؤال،قل له أريد زوجتي و لا أريد التطليق،أردت الاستنكار، فعاجلني بنظرة قاسية، قائلا أعد ما قلته لك حرفيا فقلت باستسلام وكالببغاء " أريد زوجتي و لا أريد التطليق ". انتظرنا وقتا غير قليل وأنا أردد دون اقتناع الجملة التي لقنني إياها أخي، خوفا أن أنساها، فيغضب أخي، ثم نادي مناد بإسمي، فدفعني أخي لأذهب إلي ذلك الرجل الذي يدعي قاض وقفت أمامه، فأمطرني بعدة أسئلة،اسمك، عمرك، ماذا تعمل؟ ثم سألني السؤال المنتظر هل تريد أن تطلق زوجتك. فقلت " أريد زوجتي و لا أريد التطليق ". فقال: طيب لماذا لا تنام معها في نفس الغرفة. فقلت "أريد زوجتي و لا أريد التطليق " ثم تعتعت وقلت- ولكن لاأريد أي أحد أن ينام بجانبي. ضحك القاضي وأمر بالتفريق بيننا مع تحميلي جميع المصاريف ودفع مؤخر الصداق علي أن أدفع ذلك في أجل معلوم وإلا..... كنت مسرورا جدا لأني تخلصت من تلك المرأة و أصبحت أنام وحدي.. وفي يوم جاءت سيارة غريبة الشكل إلي مكان عملي بها شخصان أخذاني عنوة ثم ألقي بي في مكان بارد مظلم يقال له سجن. يبدو أن أخي لم يدفع ما كان عليّ من ديون لذلك الرجل ( القاضي ). تونس