لغسيل وتطهير الخزانات.. وقف ضخ مياه الشرب للوحدات السكنية بطور سيناء مساء لمدة 7 أيام اعتبارا من الغد    الأمم المتحدة: لا نستطيع إدخال المساعدات إلى غزة    بدء امتحانات نهاية العام الدراسي لصفوف النقل    أسعار اللحوم والفراخ في أسواق أسيوط اليوم الأربعاء    اليوم.. الليلة الختامية لمولد القطب الصوفي أبو الحسن الشاذلي    تأجيل محاكمة ترامب في قضية الاحتفاظ بوثائق سرية حتى إشعار آخر    عقب الإقصاء المهين.. سان جيرمان يتطلع لحقبة ما بعد مبابي    تفاصيل حالة الطقس ودرجات الحرارة المتوقعة اليوم الأربعاء    الحالة المرورية بالطرق والمحاور الرئيسية.. كثافات على كوبري أكتوبر «فيديو»    توقعات الأبراج اليوم الأربعاء 8 مايو 2024.. مكاسب مالية ل«العقرب» ونصيحة مهمة ل«الميزان»    يوم مفتوح بثقافة حاجر العديسات بالأقصر    بعد رفض قضاة تعيينهم، كلية حقوق كولومبيا تدعم خريجيها الداعمين لغزة    للمقبلين على الزواج.. تعرف على سعر الذهب اليوم    لسبب غريب.. أم تلقي طفلها في نهر مليء بالتماسيح    شاهد.. انتشار لافتات "ممنوع الموبايل والتدخين" في لجان امتحانات الترم الثاني بالمدارس    مظاهرات في إسرائيل تطالب بالتوصل إلى صفقة أسرى مع حماس    تعرف على المواعيد الجديدة لتخفيف أحمال الكهرباء    ياسمين عبد العزيز: فترة مرضي جعلتني أتقرب إلى الله    "كفارة اليمين الغموس".. بين الكبيرة والتوبة الصادقة    حكم حج للحامل والمرضع.. الإفتاء تجيب    6 مقالب .. ملخص تصريحات ياسمين عبدالعزيز في الجزء الثاني من حلقة إسعاد يونس    حسن الرداد: مبعرفش اتخانق مع إيمي.. ردودها كوميدية    المدرج نضف|«ميدو» عن عودة الجماهير: مكسب الأهلي والزمالك سيصل ل4 ملايين جنيه    مقالب بطفاية الحريق.. ياسمين عبدالعزيز تكشف موقف لها مع أحمد السقا في كواليس مسرحة «كده اوكيه» (فيديو)    اليوم.. دار الإفتاء تستطلع هلال شهر ذي القعدة    أخبار السيارات| أرخص موديل زيرو في مصر.. أول عربية من البلاستيك.. وأشياء احذر تركها في السيارة بالصيف    سحب لقاح أسترازينيكا المضاد لكوفيد- 19 من جميع أنحاء العالم    مكاسب الأهلي من الفوز على الاتحاد السكندري في الدوري المصري    مفيد شهاب: ما قامت به إسرائيل يخالف اتفاقية السلام وتهديد غير مباشر باستخدام القوة    محمد رمضان: فرق كبير بين الفنان والنجم.. واحد صادق والتاني مادي    عزت إبراهيم: تصفية الوجود الفلسطيني في الأراضي المحتلة عملية مخطط لها    القاهرة الإخبارية: تعرض رجل أعمال كندي يقيم بالبلاد لحادث إطلاق نار في الإسكندرية    عاجل.. أول رد من صالح جمعة على إيقافه 6 أشهر    «إنت مبقتش حاجة كبيرة».. رسالة نارية من مجدي طلبة ل محمد عبد المنعم    واشنطن: القوات المسلحة المصرية محترفة ومسئولة ونثق في تعاملها مع الموقف    بالمفتاح المصطنع.. محاكمة تشكيل عصابي تخصص في سرقة السيارات    المقاومة الإسلامية في العراق تعلن استهداف إيلات الإسرائيلية    ياسمين عبد العزيز: محنة المرض التي تعرضت لها جعلتني أتقرب لله    ماذا يحدث لجسمك عند تناول الجمبرى؟.. فوائد مذهلة    5 فئات محظورة من تناول البامية رغم فوائدها.. هل انت منهم؟    الداخلية تصدر بيانا بشأن مقتل أجنبي في الإسكندرية    «العمل»: تمكين المرأة أهم خطط الوزارة في «الجمهورية الجديدة»    مغامرة مجنونة.. ضياء رشوان: إسرائيل لن تكون حمقاء لإضاعة 46 سنة سلام مع مصر    رئيس البورصة السابق: الاستثمار الأجنبي المباشر يتعلق بتنفيذ مشروعات في مصر    تحت أي مسمى.. «أوقاف الإسكندرية» تحذر من الدعوة لجمع تبرعات على منابر المساجد    قبل مواجهة الزمالك.. نهضة بركان يهزم التطواني بثلاثية في الدوري المغربي    متحدث الزمالك: هناك مفاجآت كارثية في ملف بوطيب.. ولا يمكننا الصمت على الأخطاء التحكيمية المتكررة    عاجل - "بين استقرار وتراجع" تحديث أسعار الدواجن.. بكم الفراخ والبيض اليوم؟    فوز توجيه الصحافة بقنا بالمركز الرابع جمهورياً في "معرض صحف التربية الخاصة"    رئيس جامعة الإسكندرية يشهد الندوة التثقيفية عن الأمن القومي    موقع «نيوز لوك» يسلط الضوء على دور إبراهيم العرجاني وأبناء سيناء في دحر الإرهاب    رئيس إنبي: نحن الأحق بالمشاركة في الكونفدرالية من المصري البورسعيدي    بعد تصريح ياسمين عبد العزيز عن أكياس الرحم.. تعرف على أسبابها وأعراضها    انتداب المعمل الجنائي لمعاينة حريق شقة سكنية بالعمرانية    اليوم.. دار الإفتاء تستطلع هلال شهر ذي القعدة لعام 1445 هجرية    أختار أمي ولا زوجي؟.. أسامة الحديدي: المقارنات تفسد العلاقات    دعاء في جوف الليل: اللهم امنحني من سَعة القلب وإشراق الروح وقوة النفس    طريقة عمل تشيز كيك البنجر والشوكولاتة في البيت.. خلي أولادك يفرحوا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



يوميات الأخبار
ساعات في طائرة الرئيس حافظ الأسد
نشر في أخبار الحوادث يوم 18 - 10 - 2016

الحج متعة ومشقة، موسم عبادات، وطاعات، وهذه حصيلة مرات ومرات من الله عليّ بالحج، عشت خلالها تجارب »حج العوام»‬ مثلي مثل مئات الآلاف الذين جاءوا من كل فج عميق،» وحج الخمس نجوم» مدعوا من جهات سعودية..
منّ الله علي بالحج مرات عديدة، منذ حوالي عشرين عاما، فالبداية كانت في عام 1995، عشت اياما من المتعة الروحية الخالصة،حالة من السكينة والاستقرار والهدوء النفسي، تجتاح النفس البشرية للحجيج، هي مواسم للطاعات والعبادات، أقرب مايكون العبد إلي ربه في رحاب الأماكن المقدسة، ترجمة فعلية للآية الكريمة» وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون»، وهل هناك ما يشغلك في ايام الحج عن العبادة الصلاة والذكر والدعاء والتقرب إلي الله. لي ذكريات مختلفة متباينة في كل مرة كتب لي الله زيارة البيت الحرام والسلام علي رسول الله حاجا ومعتمرا، مثلي مثل ملايين الحجاج، فلست في هدا المجال استثناء من القاعدة، فلنبحث في حكاية كل حاج ؟ كيف يسر الله له الاستجابة إلي دعوة سيدنا ابراهيم؟ كيف سعي ووفر الأموال اللازمة لتلك الرحلة الإيمانية؟ كم من المصاعب قد تكون واجهته؟ وكيف تغلب عليها ؟ إنها لذة وحلاوة لايشعر بها سوي المشتاقين، والذين استجاب الله لدعائهم.
وبالنسبة لي فهناك ذكريات لاتنسي مع كل مرة انعم الله علي بالحج، فقد جربت كل انواع الحج،وبجميع مستوياته من الحج الفاخر، او مايطلق عليه» خمسة نجوم» علي سبيل المبالغة، وهي بدعوات كريمة من جهات عديدة في السعودية، في مقدمتها وزارة الثقافة والإعلام صاحبة الفضل بعد الله في قيامي بأول حجة، وأتذكر يومها انني ذهبت إلي اكثر من شيخ من الشيوخ الثقات، لمعرفة حكم الحج بدعوة، فأفتوا لي بصحته وسقوط الفريضة عني، ويومها عاهدت الله علي ان تكون حجتي القادمة، وكلما تيسر لي الأمر علي نفقتي الخاصة، وهو ما فعلته بفضل من الله ومعي رفيقة عمري زوجتي، والتي رافقتني في كل الرحلات إلا واحدة، لقد جربت معاناة حج الداخل، اثناء عملي لعامين مديرا لمكتب دار اخبار اليوم، وهو ما يقوم به السعوديون والمقيمون من العاملين في المملكة، ويستلزم الأمر الاشتراك مع حملة لحجاج الداخل، والسفر بالطائرة، او بالأتوبيس في رحلة قد تستغرق اكثر من عشر ساعات كاملة، من الرياض حيث إقامتي إلي مكة،ومنها إلي المشاعر المقدسة في مني وعرفات، مع التوقف في استراحات علي الطريق الطويل لالتقاط الأنفاس او بعض الراحة.
تباينت ظروف كل رحلة، مرة يستغرق إنهاء الإجراءات في مدينة الحجاج عدة ساعات بطولها، حتي تستطيع الخروج، ومرة وكنت مدعوا، وجدت نفسي في فندق الإقامة في جدة بعد اقل من نصف ساعة من هبوط الطائرة، فما إن انفتح الباب حتي وجدت من ينادي علي اسمي، من أشخاص صعدوا إليها بعد توقفها، وطلبوا مني النزول حيث وجدت سيارة في انتظاري تحت سلم الطائرة، مثلما يجري مع كبار القوم، ومنها إلي صالة كبار الزوار، وعندما سألت عن حقائبي، كانت الإجابة »‬لا تقلق الترتيبات كاملة والحقائب ستلحق بنا في الفندق» وهو ماتم بالفعل، وعلي النقيض من ذلك جاءني أبنائي ابني وابنتي وكانا في الدراسة، وأتممت لهما إجراءات الاستقدام بمعجزة، وتدخل العديد من الأصدقاء في المملكة والسفارة السعودية في القاهرة، ولكني فوجئت بتأشيرة ابني طارق مختوما علي جواز سفره غير مسموح له بالحج، لم ادر ماأ فعله وكنت قد اشتركت له ولأخته وزوجتي في احدي رحلات حج الداخل، وتوكلت علي الله، ومع ذلك تملكني القلق والخوف من منعه من دخول الأماكن المقدسة، طوال رحلة الحافلة التي أقلتنا من الرياض إلي مكة، ومعني ذلك حرماننا جميعا من أداء الفريضة، وجاءت اللحظة الحاسمة عند احدي نقاط المراقبة علي مداخل مكة،التي تقوم بالتأكد من حصول الجميع علي إذن حج، فلم يستغرق الأمر سوي لحظات، حيث صعد احد رجال الأمن إلي الأتوبيس، وبدلا من ان يدقق في جوازات سفر او إقامات الركاب، سأل عن العدد، فرد عليه السائق، وسمح لنا بالمرور، دون تدقيق، وكانت إرادة الله التي سمحت لي ولأسرتي بالحج في ذلك العام.
قضيت ايام التشريق في مني في أماكن مختلفة، ومستويات متعددة، في غرف بسيطة ولكنها تتميز بالنظافة الشديدة كما هو الحال في مبني تابع لوزارة الإعلام والدفاع، ومرة علي أسرة مريحة،ومرات علي الأرض في مخيمات مخصصة لحجاج الداخل، ومرة في المخيمات المخصصة لحجاج امريكا وأوروبا، حيث كانت رحلتي مع إحدي شركات السياحة في نيويورك، التحقت بها في مطار القاهرة ومعظم زبائنها من الحجاج الأمريكان، من جنسيات مصرية تحرص علي ان تكون القاهرة محطة ترانزيت في الذهاب والعودة.ولن أنسي حج عام 2005 عندما شهدت مني سيولا شديدة، وكان معسكر الإقامة علي منحدر احد الجبال، حيث أغرقت الأمطار المخيمات، يومها طلب ابني طارق الخروج لمساعدة الحجيج خارج المعسكر، عندما عرف ان هناك من يخرج لذلك من الخيام الأخري، فوافقت له وكلي فخر برغبته تلك، ليتملكني الشيطان بعد مرور بعض الوقت، وسط مخاوف من تأخره في العودة، مع استمرار المطر والسيول، وعندما عاد حمدت الله كثيراً، وهو يحكي عن مشاركته في مساعدة الحجيج علي تجاوز توابع السيول.
حتي في رمي الجمرات، عشت كل المواقف حيث دخلت في مشادة بسيطة مع احد المنظمين، لصعود جسر الجمرات قبل التطوير المذهل الذي دخل علي المنظومة، وكان يسمح سابقا لمجموعة بالصعود، وينتظر بعض الوقت للمجموعة التي تليها، بعد ان منعني من الالتحاق بهم، وكنت في آخرها، ومرة ثانية وجدت نفسي وكنت مدعوا إلي رمي الجمرات من النفق تحت الجسر، وهو المتاح للضيوف الرسميين وكبار الشخصيات، يومها دخلنا النفق بأتوبيس خاص، وكنا كمن انفصل عن العالم والحشود فوق النفق، لتجد نفسك وحولك عدد محدود من الأشخاص، وكان يمكنني ان ارمي الجمرات وأنا في الباص،ولكني خجلت من نفسي، ونزلت لتجد نفسك ملاصقا لعمود الجمرات.
وفي احدي الحجات دخلت في مناقشة حول سعر كيلو تفاح مع احد البائعين، وكنا في مني قلت له »‬الأسعار هنا أغلي من مكة والمدينة»، وفي نهاية الأمر قال لي »‬خذها بدون ان تدفع شيئا »‬فغضبت وقلت »‬لست هنا لا اتسول »‬ فرد عليّ وبهدوء شديد، »‬لدينا كميات يدفع أهل الخير ثمنها كهبة لمن يريد من الحجاج »‬ فشكرته وأنا اشعر بالخجل من نفسي وتهوري واندفاعي، وأخذت التفاح بعد ان دفعت ثمنه كما قال أولا، وقلت »‬هناك من يستحق الهبة غيري ».
وعلي الجانب الآخر وفي اكثر من حجة،وجدت نفسي بين ضيوف خادم الحرمين الشريفين الملك فهد والملك عبدالله، علي الغداء او العشاء مع كبار الضيوف في قصر الملك في مني، وهو الحفل الذي يقام ثاني ايام العيد، ويحضره رؤساء البعثات الرسمية وكبار الشخصيات من القادة والزعماء، وكبار المسئولين من دول العالم،الذين يؤدون فريضة الحج كل عام.
المتعة واحدة في حجات النجوم الخمس او حج العوام، وإن كنت علي يقين بأن الثواب علي قدر المشقة، فعندما تسير عدة كيلومترات من العزيزية حتي رمي الجمرات ذهابا وإيابا، لايمكن ان يكون نفس الثواب لمن منّ الله عليه بأن يكون احد ضيوف المملكة، والجهات الداعية كثيرة، تتيح لك دخول منطقة المشاعر بالأتوبيسات، والأمر يختلف لمن يقضي ايام التشريق في مني، عن أولئك الذين التزموا بفتاوي البقاء جزء من الليل،والعودة من جديد إلي فندقه الفاخر في مكة.... والله أعلي وأعلم.
منظمات انتهي دورها..!
هل دفعت المنظمات العربية المهنية ثمن الربيع العربي ؟ سؤال طرح نفسه بعد ان خبا بريق تلك المنظمات في السنوات الأخيرة،وبعضها كان ملء السمع والبصر، مثل اتحاد المحامين العرب، وكذلك الصحفيين أو الأطباء العرب، لقد كانت المؤتمرات العامة لتلك الاتحادات عيدا، مناسبة لتحرك يجمع بين الاهتمام بالشأن المهني، وتحديد مواقفها من القضايا السياسية المطروحة، كانت تلك المؤتمرات بوتقة لعمل سياسي من الطراز الأول، خاصة أن طريقة تشكيل تلك الاتحادات من كافة الدول العربية، تسمح بوجود كافة التيارات السياسية من أقصي اليسار إلي أقصي اليمين، اهتمامي بتلك المنظمات دفعني للمشاركة في أعمال مؤتمراتها العامة، سواء تلك التي استضافتها القاهرة، كاتحاد الصحفيين العرب في اكثر من دورة، ايام رئاسة ابراهيم نافع، الذي نجح في اعادة الأمانة العامة للقاهرة، او تلك التي عقدت في مدن أخري، مثلما عليه الأمر مع اتحاد المحامين العرب، حيث شاركت في نهاية ثمانينيات القرن الماضي في مؤتمر عام في دمشق، وآخر في الدار البيضاء.
ومن المرات التي لن أنساها حضوري في عام 1988 المؤتمر العام لاتحاد المحامين العرب في دمشق، وكالعادة كان الوفد المصري هو الأضخم، من حيث العدد، وكان الأفضل في الإعداد للمؤتمر، من حيث المشاركين في اللجان وبأوراق بحثية متميزة. وكانت هذه هي المرة الاولي التي أزور فيها دمشق، كما كان الوفد هو الأهم منذ قطع العلاقات بين البلدين منذ عام 1977، بعد زيارة الرئيس الأسبق أنور السادات للقدس، ولم يكن هناك خط طيران مباشر بين القاهرة ودمشق، فاضطر الوفد المصري وكان برئاسة المغفور له احمد الخواجة نقيب المحامين المصريين ورئيس اتحاد المحامين العرب،الي ركوب الطائرة إلي العاصمة الأردنية عمان، ومنها بالأتوبيسات إلي العاصمة دمشق، التي وصلناها في ساعات الصباح الأولي،وأدينا صلاة الفجر في النقطة الحدودية ببن البلدين، كانت الحفاوة بالوفد المصري فوق الوصف والتخيل علي كافة المستويات، مع رجل الشارع العادي والتاجر، الذي غاب عنه المصريون لسنوات طويلة،ولم يعتد علي ان الخلاف السياسي يمكن أن يكون سببا لقطيعة بين شعوب، فمابالك اذا كان الشعبان المصري والسوري بكل مابينهما من وشائج وعلاقات تاريخية،وعلاقات نسب منذ سنوات الوحدة في الستينيات، اما علي المستوي الرسمي فحدث ولاحرج، وقد طلبت اجراء مقابلات مع عدد من كبار المسئولين السوريين، فكانت الاستجابة الفورية، مع إشارة إلي ان اللقاء سيكون مع مجموعة الإعلاميين، وكنا تركيبة عجيبة وأنا الوحيد من المهتمين بالشئون العربية، ومجموعة أخري تنتمي إلي مركز الدراسات الاستراتيجية بالأهرام، هم اقرب للباحثين منهم للصحفيين، ومجموعة ثالثة من المسئولين عن تغطية نقابة المحامين المصرية والاتحاد العام، ومقره القاهرة وكان امينه العام فاروق ابو عيسي، احد رموز الحركة الوطنية السودانية، وعمل فترة وزيرا للخارجية، وبالفعل التقي الوفد الصحفي علي هامش اعمال المؤتمر، مع عبدالحليم خدام نائب الرئيس حافظ الأسد، ومحمد سلمان وزير الإعلام، الذي رتب لنا زيارة إلي شمال لبنان، عندما ذكرت له ان سوريا مسئولة عن ادخال قوات إيرانية من الحرس الثوري إلي مدينة بعلبك اللبنانية، وهناك التقينا مع غازي كنعان المسئول الأول عن الملف اللبناني في المخابرات السورية، وكان هو الآمر الناهي هناك.
استطاع السوريون استثمار وجود الوفد الصحفي المصري، لأول مرة في سوريا، في توصيل رسائل إيجابية إلي المسئولين في مصر، وكنا قد دخلنا في مرحلة اعادة العلاقات العربية المصرية، بعد قرار قمة عمان في عام 1987، باعتبار قرار استئناف العلاقات مع مصر مرهونا برغبة كل دولة علي حدة، وبعدها أعادت دول الخليج علاقاتها مع مصر، وكان لقاء خدام قصيدة مدح في نظام حسني مبارك، وصياغته للعلاقات مع اسرائيل، بصورة مختلفة عما كان في زمن السادات، وقال خدام: نحن نرصد حجم التغيير علي كافة المستويات طوال السنوات السبع التي تولي فيها مبارك الحكم، ناهيك عن استعادة اجواء العلاقات التاريخية بين البلدين، وشراكة الدم في كل الحروب، وآخرها حرب أكتوبر 1973، حتي انه اعتبر ان إذاعة مسلسل »‬رأفت الهجان» احد المؤشرات علي المزاج الشعبي والرسمي الرافض للعلاقات مع اسرائيل واعتبارها عدوا، ولو في حده الأدني، وكان الخطوة الأهم في اللقاء الذي تم بين المرحوم احمد الخواجة باعتباره رئيس الاتحاد وأعضاء الأمانة،مع الرئيس حافظ الأسد،والذي تناول العديد من القضايا، ولكن الخواجة طلب من الرئيس توفير طائرة للوفد المصري،والذي تجاوز عدده اكثر من مائتين من دمشق إلي العاصمة الأردنية،تفاديا للصعوبات التي واجهت الوفد في رحلة الذهاب، علي ان يستقل الطائرة المصرية من عمان إلي القاهرة، وكانت المفاجأة السارة في إصدار الأسد تعليماته بتخصيص طائرته الخاصة،من دمشق إلي القاهرة، وكانت الرحلة الأولي لطائرة سورية إلي القاهرة، والتي استقبلت الإشارات الواردة من دمشق بأحسن منها،حيث كان الاهتمام الإعلامي بما جري كبيرا، وجرت مياه في قنوات العلاقات بين القاهرة ودمشق، والتي لم تمر سوي أشهر قليلة حتي تم استئنافها بعد قطيعة دامت اكثر من 12 عاما.
هكذا كان دور المنظمات الشعبية والمهنية العربية، والذي للأسف تقلص بصورة ملحوظة، وغابت تلك المؤتمرات، ولم تعد تغري احدا، بالمتابعة او المشاركة في حالة انتظام عقدها، وهو ماأشك فيه.
في مرمي النيران
أعادني إصدار السفير نبيل نجم وكتابه الجديد »‬في مرمي النيران»، ذكريات ايام صعبة في تاريخ الأمة العربية، وهي فترة الغزو العراقي للكويت، وحتي سقوط العاصمة العراقية بغداد في ابريل 2003، الكتاب يقدم وجبة دسمة من المعلومات والوثائق والرسائل المتبادلة، وكواليس عشرات الاجتماعات في الجامعة العربية ومنظمات أخري، خاصة أن الدكتور نبيل نجم من شهود العيان عن تلك الفترة، من خلال عمله كسفير للعراق في مصر، في فترة ماقبل الغزو وهي السنوات الذهبية في العلاقات، التي شهدت تكوين الاتحاد العربي بين مصر والعراق والأردن واليمن، والذي لم يصمد بعد الغزو، فانتهي حتي دون اعلان، بعد الموقف المصري الذي رفض الغزو، وبقية الدول الثلاثة التي أيدته، ودفعت لذلك ثمنا غاليا، وعاد إليها مندوبا لبلاده في الجامعة، بعد الغزو وقطع العلاقات ببن القاهرة وبغداد، ومنها إلي مهمة وكيل وزارة الخارجية مع طارق عزيز، وكذلك المستشار السياسي لنائب الرئيس العراقي طه ياسين رمضان،فكان من خلال تلك المواقع في المطبخ السياسي والدبلوماسي للعراق، في اصعب فترة مرت به.
ألزم الدكتور نبيل نجم نفسه ليس بالحياد فقط، ولكن بترك الوثائق تتكلم، من الكتاب يمكنك ان تتعرف علي لغة التخاطب بين رؤساء مختلفين علي قضايا هم طرف فيها، ومن النماذج العديدة لذلك، الرسائل المتبادلة بين الرئيس الأسبق حسني مبارك وصدام حسين،والتي تميزت بالرقي الشديد، واختيار العبارات التي تكشف الوقائع، وترصد المواقف من وجهة نظر كل منهما، ومن ذلك رد الرئيس مبارك علي اتهامات ومحاولات وقيعة بين الطرفين من واشنطن، التي ادعت ان مبارك كان من بين زعامات عربية، شجعت واشنطن علي التشدد في قضية أسلحة الدمار الشامل، التي اتخذتها ادارة بوش ذريعة لإسقاط النظام العراقي، وإنهاء حكم صدام، وكان هذا هو هدف البيت الأبيض ومجموعة المحافظين الجدد، وكيف كان مبارك يدعو صدام إلي إنهاء ذرائع واشنطن بمزيد من التعاون العراقي مع لجان التفتيش الدولية، الكتاب كشف عن »‬الكذبة الكبيرة» التي نسجها بوش الابن وإدارته، وتوني بلير رئيس الوزراء البريطاني، حول تعاون صدام مع القاعدة، وامتلاك العراق لأسلحة دمار شامل، واستخدموا لذلك وثائق مزورة، وأدلة مفبركة، والهدف إسقاط النظام، والذي مازلت الأمة العربية تدفع ثمنه حتي الآن، صحيح أنه لا أحد يستطيع فهم واستيعاب فمابالك بتأييد فعل الغزو العراقي للكويت، ولكن الكتاب ترك الإجابة عن سؤال هل كان هناك اي خط رجعة امام النظام العراقي، ام انه أعطي لأعدائه »‬الحبل »‬ الذي سيتم خنقه به.
معرفتي بالدكتور نبيل نجم بدأت منذ اليوم الأول لوصوله إلي القاهرة، خلفا للسفير سمير النجم، الذي عين بعدها وزيرا للداخلية، وأشهد للرجل انه من المؤمنين بالعلاقات التاريخية بين مصر والعراق،وألزم نفسه بكل مايمكن تطوير تلك العلاقات،وحظي »‬بثقة »‬مطلقة من القيادة العراقية، »‬وبحب »‬ من كل المصريين الذين تعاملوا معه علي كافة المستويات، من الرئيس الأسبق حسني مبارك والعاملين في الرئاسة والجامعة العربية، ومن النخب الثقافية والإعلامية، وكان من الطبيعي بعد ان تعرض إلي استجواب من القوات الأمريكية بعد سقوط بغداد، وعدم وجود اي ملاحظات او اتهامات او شبهات علي مسيرة عمله، رغم ان بعض فتراته كانت في دوائر صنع القرار، اختار القاهرة لتكون مقر إقامته منذ ذلك التاريخ في عام 2003 وحتي الآن، متعه الله بالصحة والعافية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.