يدخل عمرو العادلي في مجموعته القصصية الجديدة "عالم فرانشي" الصادرة عن دار "الرواق" للنشر والتوزيع، عالماً جديداً مغايراً لكل ما كتب، فيعود إلي فترة طفولته ويستعيد الذكريات عبر الطفل "أيمن" الذي يراه "الوحيد الذي يحمل براءة العالم" داخل إطار ليس هو بالرواية ولا بالقصة! في تحدٍ لصديقه أشرف العشماوي، كي يثبت العادلي فكرته: "الكاتب سابق علي التصنيفات الأدبية". عمرو العادلي، روائي وقاص، فازت مجموعته "حكاية يوسف إدريس" بجائزة ساويرس الأدبية في دورتها الأخيرة فرع كبار الكتاب، كما حصلت رواية "الزيارة" علي جائزة الدولة التشجيعية لهذا العام. صدر له من قبل: "خبز أسود" مجموعة قصصية، "جوابات للسما" مجموعة قصصية، "صباح الخير يا أنا" ديوان شعر "إغواء يوسف" رواية، "كتالوج شندلر" رواية، "رحلة العائلة غير المقدسة" رواية. يبدو العمل مربكاً في بنائه فلا هو بالرواية ولا القصة.. ماذا أردت من ذلك؟ لقد قصدت أن يخرج العمل بهذا الشكل، بدأت في كتابة المجموعة منذ عام ونصف العام، وكنت في رهان مع أصدقائي أشرف العشماوي وهدي أبو زيد علي أن أكتب شيئاً خارجا عن التصنيفات فلا هو بالمجموعة القصصية ولا هو رواية واضحة المعالم والأركان، ذلك لأن التصنيف يصنعه الكاتب، والأصل هو أن يجلس الكاتب ليكتب ثم يأتي دور النقد ليحلل ويصنف، لأنهما كانا علي قناعة بأن القصة قصة والرواية رواية ولا يجوز للكاتب أن يخلط هذه بتلك، ولكني رأيت أن القصة، بقليل من الصبر، يمكن أن نخلق لها عوالم سردية ومسارات فتصبح رواية والعكس صحيح. ما أريد قوله هو أن البناء السردي من اختصاص الكاتب وصميم عمله. بعد أن انتهيت وذهبت بها إلي دار النشر، اقترحت الدار تسميتها مجموعة روائية أو رواية قصصية، ولكني رفضت. لماذا؟ لأني وجدت الأمر غريباً علي القاريء الذي لم يألف هذه التسميات، فاخترت أن يكتب عليها "قصص" لأني لم يمكن أن أقول إنها رواية. هي مجرد مجموعة من القصص التي ترتبط فيما بينها بوحدة الشخصية والزمان والمكان، ولكن تختلف المواقف، لا توجد حبكة روائية ولذلك فهي قصص، قصص بطعم الرواية. يبدو العمل كمشروع سردي متكامل، بخلاف مجموعتك السابقة "حكاية يوسف إدريس" التي حوت قصصاً متباينة بدرجة كبيرة؟ أنا أحاسب نفسي دائماً قبل أن يحاسبني القاريء. ما أخذته علي قصص حكاية يوسف إدريس هو تباين القصص واختلافها فتجد قصة عن رجل عجوز وقصة عن الماضي ثم أخري عن الحاضر، هكذا تمنيت أن أكتب مجموعة عندما يقرأها القاريء يستطيع الربط بينها في يسر، وتمنيت هذا لنفسي كقاريء، وقد حدث هذا في "عالم فرانشي". حدثني عن فرانشي.. لماذا استدعاء ذكريات الطفولة عبر الطفل "أيمن" الذي يعيش في فترة السبعينات؟ كانت هذه هي الفترة التي شهدت طفولتي، كي أستطيع أن أتذكر أشياء تضخ الحياة في القصص، لا أن تكون مجرد تخيلات وهمية قد تعصف بالحقيقة ولا تجعلك تشعر بها بشكل حقيقي. تريد أن تقول أن هناك "ذاتية" في هذه القصص؟ أردت أن تكون هناك شفافية وحقيقية أكثر منها ذاتية، فلم يكن مقصوداً أن تكون هناك ذاتية أو أن يقترب العمل من السيرة، ولكن كان المقصود هو أن يضفي الكاتب عليها جزءاً من روحه كي يشعر بها القاريء وتنفذ إلي أعماقه ببساطة. ولماذا جاءت القصص علي لسان طفل؟ لأن الطفل هو الوحيد الذي يحمل براءة العالم كما هي، بدون التلوثات التي تضاف إليه بعد الكبر. كنت أريد أن أعود بالزمن إلي الوراء وأقول أشياءً لا يمكن لغير طفل أن يرويها كما أردت وبالشكل الذي خططت له، فكان أيمن مناسباً تماماً. هل فكرت أن تتتبع أيمن في مرحلة شبابه وتكتب جزءاً ثانياً من المجموعة؟ طلب مني عدد من القراء أن أفعل ذلك، يريدون أن يشاهدوا أيمن في شبابه، ولكني أري أن الأمر يثقل كثيراً علي القصة كفكرة، فلو كانت رواية لكان الأمر أسهل. الفكرة في كتابة عالم فرانشي علي هيئة قصص هي أن تقدم إلي القاريء مثل "بونبوناية" دون ربط بين الأحداث وبناء سردي وعوالم ومسارات، ولكني قد أتبعها بجزء ثاني، لا أعرف. هل فكرت في دخول عالم أدب الأطفال؟ كتبت بالفعل رواية للأطفال اسمها "المصباح والزجاجة" وتخص الفئة العمرية من سن التاسعة وحتي الخامسة عشرة. الجديد فيها أنها رواية وليست قصص أو تعريب. بحثت خلال الثلاثة أعوام الماضية عن رواية مصرية غير مترجمة، مكتوبة بالعربية وموجهة للأطفال في هذا السن، لم أجد. الرواية في حدود 140 صفحة وتدور في عوالم خيالية وواقعية، وهي مكتوبة بلغة سهلة تخلو من أي تعقيد، وسوف تصدر عن دار الرواق وبمجرد أن ننتهي من الرسومات الخاصة بها، ستصدر فوراً، فقد كان بإمكاني إصدارها الصيف الماضي ولكن بدون رسومات وهو ما رفضناه كي تخرج الرواية كما يجب أن تكون رواية الأطفال، وأتوقع أن تصدر خلال معرض القاهرة الدولي للكتاب 2017. تسيطر علي كتاباتك العلاقات الاجتماعية ويحضر الأقارب والجيران كثيراً.. هل لدراستك علم الاجتماع أثر في ذلك؟ بالتأكيد. أري أن علم الاجتماع مهم لكل أديب، كما هي مهمة الفلسفة لكل شاعر. علم الاجتماع يجعلك تري المجتمع من فوق. أكثر ما يضايقني في عمل أدبي جديد هو الرؤية السطحية المعتادة للمجتمع فأنت لم تقدم جديداً ولم تضف شيئاً وتقرأ المشهد كرجل عادي فلماذا تكتب إذن وماذا تقدم؟ مهمة الأديب الذي يدرس علم الاجتماع هي إزالة القشور والغوص في الأعماق للكشف عن بواطن شخصياته الأدبية من خلال رجوعهم إلي فطرتهم. عندما تصور لنا رجلاً شريراً علي أنه شيطان له قرنين فإن هذه هي الصورة النمطية في مخيلة الناس، ولكن المطلوب منك كأديب أن تفاجئني، أن تكشف لي مثلاً عن الأعماق الطيبة للشرير والأعماق الخبيثة للطيب. أعكف علي رسالة الماجستير في علم الاجتماع وقد قرأت ما يزيد علي 100 كتاب بخلاف ما درسته. حصلت خلال العام الماضي علي جائزة ساويرس الأدبية في القصة القصيرة ثم جائزة الدولة في الرواية.. ماذا أضافت لك الجوائز؟ أكثر ما أسعدني في فوزي بالجائزتين هو أن كل جائزة جاءت في فرع مختلف، فلم أفز في القصة فقط أو الرواية فقط، ولكن فازت مجموعة "حكاية يوسف إدريس" بجائزة ساويرس فرع كبار الكتاب، ثم فازت رواية "الزيارة" بجائزة الدولة التشجيعية، وهذا يعتبر اعترافاً بنجاح فكرتي، أن القصة والرواية عالم واحد والفيصل هو جودة العمل، والكاتب هو القادر علي تحويل القصة إلي رواية والعكس. الجوائز مثلت اعترافاً بالتميز، لم أكن في حاجة إليه لأني لا أكتب من أجل جائزة وأري كتاباتي بعيدة الصلة عن الجوائز، هذا الاعتراف الخارجي انعكس وجلب اعترافات داخلية وصلت إلي بيتي نفسه فكانت زوجتي تعاملني وكأني نصف مجنون وتتركني "مع دماغي" ولكن بعد الاعتراف بدأت تتحقق لديها بعض الطموحات ووجدت في الأمر بعض الجدية. الحصول علي جائزة حصل عليها نجيب محفوظ وخيري شلبي وصبري موسي والمنسي قنديل ذلك يعني أني علي المسار، كما أن حصولي علي ساويرس التي حصل عليها محمود الورداني ومحمد المخزنجي وأحمد صبري أبو الفتوح، فإن هذا يمثل حدثاً كبيراً بالنسبة لي. أنا أكتب كقاريء لا ككاتب، وأنا هاوٍ حتي أموت، لا أحترف الكتابة ولن أحترفها، حتي لو حصلت علي كل الجوائز وتم تكريمي كل يوم في مكان، ذلك أن احتراف الكتابة يعطيها شيء من التصنع ويضفي عليها رائحة من البلاستيك. ما الجديد عندك؟ عندي رواية بعنوان "اسمي فاطمة" أعمل عليها منذ عامين، وتصدر خلال العام الجديد عن الدار المصرية اللبنانية، ولأول مرة في عمل أدبي أتتبع حياة ومشاعر إنسان بهذه الدقة، سعيد جداً لإتمام هذا العمل لأنه سيحقق معني جديداً لم يتحقق عندي من قبل، معني وقيمة ورؤية مختلفة للعالم، محاولة جادة لفهم شخصية فرضت عليها الأحداث أن تتصرف عكس ما كانت تريد وتحلم. فاطمة إنسانة مصرية جداً، لها ما للمصريين وعليها ما عليهم، ولكن ظروف المجتمع الحديث تجعل الفرد يفكر بشكل يحيد عن الرؤية السليمة والمنطقية ويحاول أن يرضي الجميع بأن يتصرف مثلهم فتنجم عن ذلك الكوارث الكبيرة.