هناك نوع من الترف البحثي يقول بأن الإقليمية الأدبية في مصر لا تمثّل أي عائق لتطور الأديب وتأثيره وفاعليته وتحققه، فالشاعر في القاهرة مثله مثل أي شاعر في الأسكندرية أو أسيوط أو قنا، وفي المقابل فالأديب في القاهرة "المركز والعاصمة"، لا تقدّم أي إضافات تذكر للشاعر أو الروائي أو كاتب القصة أو المسرحي أو الناقد، لذلك فقضية الأديب الإقليمي _ حسبما ينتهي الباحثون المترفون_ أي قضية المركز والأقاليم أو الأطراف، قضية مفتعلة، وكأنها نوع من الابتزاز الذي يمارسه الأديب الذي يقطن خارج المركز ليزيد مكاسبه يوما بعد يوم. وبالطبع هناك جانب من ذلك يحدث من بعض الأدباء، ولكن هؤلاء يعرفهم القاصي والداني، ويدركهم ابن إقليمه، قبل أن تنخدع فيه مؤسسات العاصمة، ولذلك جاء مؤتمر أدباء الأقاليم، والذي انعقد في دورته الأولي عام 1969، وهو مازال مستمرا حتي الآن، ولكننا نري أن توجهاته قد أصيبت بمرض الشيزوفر ينيا، وأقل مايقال أن لجان أمانته المتكررة عبر عقود فائتة، كانت تختار رؤساء هذا المؤتمر في كثير من دوراته من الشخصيات اللامعة والمرموقة،والتي تنتمي إلي العاصمة، وكذلك تتسمي الدورات باسم أدباء من العاصمة، بل حدث أن البعض كانوا يخجلون من أن المؤتمر اسمه "مؤتمر أدباء الأقاليم"، فتغيّر إلي "مؤتمر أدباء مصر"، وهكذا وهكذا. لا أريد أن أستفيض في تلك النقطة، ولكنني أريد التنويه علي أن كتّابا كثيرين خارج العاصمة، منهم من رحلوا، ومنهم من يعيشون بيننا، قد آذتهم تلك الإقليمية، خاصة أن ذلك الأديب لا بد أن يتواصل مع مؤسسات القاهرة الثقافية بنفسه، حتي يستطيع أن يحصل علي بعض حقوق الكتّاب، وكذلك لا يستطيع أن يحضر تلك الفعاليات المهمة، تلك الفعاليات التي تمكن الأدباء عموما من التواصل الذي يتيح التعارف والحوارات المثمرة. والأسماء التي عرفت العاصمة، وعرفها أدباء العاصمة ومسئولو مؤسساتها، ومنهم الشعراء محمد عفيفي مطر ومحمد الشهاوي وفتحي عبد السميع_علي سبيل المثال_،ومنهم روائيون وقاصون مثل جار النبي الحلو ومصطفي نصر وسعيد سالم وقاسم مسعد عليوة، وغيرهم لا يجعلنا نقول بأن هؤلاء حصلوا علي الحقوق المتاحة لأدباء العاصمة، وهذه قضية شائكة يكثر فيها الجدل والحديث، وهناك كتابان مهمان للأديبين الكبيرين محمد جبريل ومحمد الراوي طرحا هذه القضية باستفاضة وعمق، وناشدت المسئولين في الهيئة العامة لقصور الثقافة لإعادة نشرهما وتوزيعهما في المؤتمر القادم، وبالفعل حدث اتصال تليفوني من مدير عام النشر الأستاذ عبد الحافظ متولي منذ شهر تقريبا، ولكن لم تأت - أو أسمع - بأي مبادرات فعلية في هذا المجال. ولكي لا أسرد مقدمات كثيرة في تلك القضية، أود أن أشير إلي الشاعر الراحل محمد يوسف، وهو واحد من الذين أضيروا لأسباب عديدة، وأول تلك الأسباب إقليميته الي أبعدته عن مراكز الوجود والتأثير،وهو أحد الشعراء اللافتين والمهمين، ومن الذين قدموا جهدا أدبيا واضحا وملموسا منذ حصوله علي الجائزة الثانية ل"مؤتمر الأدباء الشبان"،والذي عقد بمدينة الزقازيق عام 1969 عن ديوانه "عزف منفرد أمام مدخل الحديقة"، ذلك المؤتمر الذي كانت له أصداء كبيرة ظلّت تتردد لعقود بعد ذلك، كذلك له نصوص إبداعية ذات ملامح حداثية وتجديدية مهمة وعميقة، تلك الملامح والقسمات التي أضافت وأثرت الحركة الشعرية علي مدي مشاركته في الحياة الثقافية حتي رحيله الفاجع. محمد يوسف من مواليد مايو 1943،ويقول عن بواكيره الأولي :"في طفولتي ..كان يأخذني أبي _رحمه الله_ إلي ضفة النهر بعد الغروب، وهناك يقول لي : استقبل هواء النهر الذي يليق بكم..ومنذ ذلك الحين ..وأنا والنهر علي موعد.." لذلك فمحمد يوسف، انتقلت إليه نسائم الحرية والهواء النقي، وسماحة الأب الريفي والطيب والمتدين المعتدل، ذلك الأب الذي كان حريصا علي تعليم ابنه، حتي حصل علي ليسانس الآداب، قسم الللغة الانجليزية، ومارس الابن طموحاته العديدة، تلك الطموحات التي تحلم بوطن نظيف ومستقل، ويعيش أبناؤه في مناخ ديمقراطي عادل، ويكتب محمد يوسف في شهادة جاءت في الكتاب الذي أعدّه الناقد علي عبد الفتاح :"في البداية أقول إنني أنتمي إلي جيل ربط طموحاته وتطلعاته بالحقبة التاريخية التي ظهر فيها عبد الناصر بهالته التاريخية، والتي حاول فيها إحياء المشروع القومي،أي أنني شاهد وشهيد علي صعود وأفول النجم الناصري..". وبمعني آخر، فمحمد يوسف يعتبر من الشريحة الأكبر عمرا في جيل السبعينيات، تلك الشريحة التي ينتمي لها شعراء مثل محمد سليمان، وحسن طلب، وأحمد طه، وصلاح اللقاني، وصلاح والي _قبل أن يكون روائيا_،ومفرح كريم وأحمد عنتر مصطفي وحسن النجار،وغيرهم، ولكنه كذلك ينتمي لذلك الجيل السبعيني الذي عاش علي حافة مرحلتين، أعاش شاهدا علي المرحلة الأولي كما تعني شهادته، وكذلك أصبح شهيدا لها بعد الانكسار الذي حدث في عام 1967، ولذلك راح محمد يوسف يضرب في ذلك التيه شاعرا ومشاركا في الندوات والمؤتمرات، صارخا في أهله لإنهاضهم من أجل انتصار ذلك الوطن، عندما كان الشعر يحمل تلك الرسالة البريئة التي تسعي لتحرير الناس من الظلم والعبودية والانكسار والهزيمة،وكان عنوان ديوانه الأول لافتا، وهو "قراءة صامتة من كراسة الدم"، ولا تخفي الدلالة التي يشي بها العنوان اللافت، لديوان _كذلك_ جاء لافتا، وهو أحد الدواوين المهمة التي كتبت في أدب الحرب بأدوات فنية ذات أبعاد جمالية جديدة، وذلك علي مستوي الصورة والجملة والبنية الكلية للقصيدة، ففي قصيدته الأولي في الديوان "هبط نسر البرق في شدوان"، يقول يوسف: (صوت منفرد: أيتها الجزيرة الصغيرة وجهك كان مصحفا عليه أقسم الجنود في الظهيرة أن يحرسوا رايتك المنيعة وأن يذودوا الموت عنك والفجيعة واللغة التي تضاجع الصواعق بالدم،والرؤي، العقيمة المثلجة. الجوقة: شدوان بندقية تحرس أرض مصر وتحرس القضية بالموت أو بالنصر..) ويظل يوسف يورد الأصوات المختلفة والمتشابكة في القصيدة، ليقول ما يشعر به ويستطيع تصويره، ورغم أن تلك التقنية ابتدعها أمل دنقل من قبل، ولكننا نستطيع أن نلمس اجتهادا ظل يتطور عند محمد يوسف، ذلك الاجتهاد الذي يخصه، وقدّم فيه نصوصا بديعة فيما بعد. أصدر محمد يوسف دواوينه الأولي علي نفقته الخاصة، وعن سلسلة "أدب الجماهير" التي يشرف عليها القاص والروائي الكبير فؤاد حجازي، وكانت مسألة الاستقلال هذه ليست ترفة يمارسها الشعراء والأدباء في السبعينيات، ولكنه كان ضرورة حتمية، عندما أغلقت المؤسسات الثقافية الرسمية الكبري أبوابها أمام هؤلاء المارقين، ورغم أن شعر محمد يوسف كان في طليعة شعر أبناء جيل السبعينيات، إلا أن المتحدثين باسم جيل السبعينيات ظلّوا حريصين علي استبعاد كثير من زملائهم من الشعراء المجايلين لهم، والذين يشاركونهم في الهمّ الإبداعي والوطني والفكري،إن لم يتفوقوا عنهم، ولكن من تحدثوا باسم الجيل، ظلّوا مهيمنين علي أقفال التاريخ المؤقت،وحريصين علي استبعاد هذا، وتكريس ذاك، ذلك التاريخ الذي سرعان ماتتغير أحواله وأموره وأحكامه. ورغم أن محمد يوسف كان شابا يافعا في الرابعة والعشرين من عمره عندما وقعت كارثة 1967، إلا أنه كان يحملها علي عاتقه كوزر خاص به، فظل يكتب قصائد مفعمة بالتحريض العام، وجاءت دواوينه الأولي كلها مشتبكة مع الهم الوطني العام، وكان يراسل بعض الشعراء الكبار مثل فاروق شوشة،والذي كتب عنه مقالا مؤثرا للغاية بعد رحيله، وكان يراسل الشاعر صلاح عبد الصبور الذي قدمه في مجلة الكاتب بعد توليه رئاسة تحريرها في سبتمبر 1974،وكانت قصائد محمد تنضح بالحميمية الانسانية، والمضفورة بروح التجديد والجماليات المغامرة. وحدث في ديسمبر 1974،وبالضبط في يوم 23 منه،أن كان محمد يوسف مدعوا لمشاهدة مسرحية "رواية النديم عن هوجة الزعيم"، وذلك في قصر ثقافة "بور سعيد"، وكان مؤلف المسرحية محمد أبو العلا السلاموني _بالطبع حاضرا_، وكانت هناك حركة احتجاجية واسعة من الكتّاب والمثقفين والمبدعين علي مستوي مصر كلها،وذلك علي السياسات الساداتية التي بدأت تغلّظ من إجراءات غير ديمقراطية، ولحق ذلك بالحركة الثقافية، وكانت أصداء تلك الحركة تتردد بقوة في بورسعيد،واستطاع أعضاء نادي أدب بور سعيد أن يثيروا نقاشا واسعا حول الأمور الثقافية العامة، تلك الأمور التي جعلتهم يطالبون باتحاد وطني ديمقراطي مستقل للأدباء والفنانين. وهنا لا بد أن أفتح قوسا، لأشير إلي مخطوطة في غاية الأهمية والجمال، كتبها محمد يوسف تحت عنوان "محاكمة طائر الحب"، تلك المخطوطة التي كتبها في السجن بعد القبض عليه بعد عودتهم من عرض المسرحية الذي لم يتم، وأنا أستقي معلوماتي _هنا_ من تلك المخطوطة، ومن شهادة وثائقية كان قد أرسلها لي الصديق الراحل قاسم مسعد عليوة_رحمة الله عليه_ في 17 مايو 2013، ووثق في هذه الشهادة الوافية المعلومات الخاصة بتلك القضية، حيث أنه قبض عليه في فجر 24 ديسمبر 1974، وكان قاسم قد مر علي زواجه أسبوعان فقط، وكان قد حاول أن يخبئ في منزله محمد يوسف وفؤاد حجازي ومحمد أبو العلا السلاموني ومحمد سعيد، وتم القبض عليهم واقتيادهم بملابس النوم، دون تمكينهم من تغيير ملابسهم. يقول قاسم عليوة بأن القضية كانت مقيدة تحت رقم 1974 _738، حصر نيابة أمن دولة عليا، وكان ضمن المقبوض عليهم،بالإضافة لهم، الفنان زكريا ابراهيم مؤسس فرقة الطنبورة، والبدري فرغلي عامل بقناةالسويس، مجيد سكرانة، منير مراد، أحمد زحام، سمير حسني وشقيقه صالح حسني،وسمير كراوية،وسامي البلعطي وغيرهم، وكان هؤلاء وزملاؤهم قد اجتمعوا في نادي أدب قصر ثقافة بور سعيد، ليناقشوا أمورا عاجلة في الشأن الثقافي المصري، واعتبروا أنفسهم بأنهم جزء من جمعية "كتاب الغد" في القاهرة، وهم هنا _في بور سعيد_ يتضامنون مع كافة المطالب التي يرفعها أدباء جمعية كتاب الغد، ولخّص مسعد ماتم مناقشته في ذلك الاجتماع العاصف في عدد من النقاط وهي : (1)الدعوة إلي اتحاد وطني ديمقراطي مستقل للأدباء والفنانين (2)الاحتجاج علي أشكال الثقافة المهترئة من نوع "سها هانم رقصت علي السلالم"، و"شنبوا في المصيدة"، (3)الدعوة إلي إنشاء فروع لجمعية كتاب الغد ببور سعيد والمحافظات (4)المطالبة بالإفراج عن المعتقلين السياسيين بسجن الحضرة بالأسكندرية، خليل كلفت ورفاقه. تلك كانت أبرز النقاط التي نوقشت في ذلك الاجتماع، وتبعا لذلك تم القبض علي 23 شخصا من الشعراء والأدباء والمثقفين، بالإضافة إلي ماجدة رزق سكرانة _طالبة جامعية_ وشقيقتها رضا رزق سكرانة_طالبة ثانوي_، وتم ترحيل الجميع إلي سجن الزقازيق،أما الروائي فؤاد حجازي، والشاعر محسن الخياط،والمخرج عباس أحمد والفنان أحمد سخسوخ والشاعر محمد الشهاوي،ظلا لوقت ما قيد قسم بور سعيد. ويكتب عليوة _ ضمن شهادته_عن محمد يوسف رؤيته عنه في السجن، نقتبس هنا بعضا منها: "..في السجن كان هادئا، غير متطرف في آرائه ومواقفه، وطالما تمسك بكرامة الأديب، وذات مرة تسبب في حرماننا من "طابور الشمس"، لأن مأمور القسم شاهده واضعا يده في جيب سرواله عند دخوله إلي فناء السجن، وبعد تخطيه لباب الوسط،ولم يهتم به علي الرغم من ترديد حارس باب الوسط علي الموجودين بالفناء من الموجودين بالسجن ...انتباه، وكانت قريحته متوهجة، ويكيّفه أن يجلس أو يرقد مغطيا وجهه بالبطانية لينتج لنا واحدة من قصائده....". هذه فقرات من شهادة قاسم مسعد عليوة عن الشاعر محمد يوسف، وعن ملابسات الحبسة التي قضي يوسف فيها ثلاثة أشهر ونصف الشهر، وكتب فيها مخطوطته المجهولة البديعة، والتي سجّل فيها أحوال أصدقائه ورفاقه، وإيمانه العميق بدور الشاعر في إنهاض أمته والتأثير علي شعبه، هذه المخطوطة التي ترقي إلي مستوي الوثيقة، والتي كتبها بعناية فائقة في لحظة عبقرية من تاريخ مصر، وهي وثيقة تعتبر شهادة حيّة علي نضال شباب المثقفين لمواجهة الاستبداد في مرحلة ما من مراحل النضال الوطني الديمقراطي والطليعي. يكتب يوسف في مطلع شهادته الوثائقية المخطوطة :"بين قوس الملهاة، وقوس المأساة كان الحصار، كيف يتصور المرء أن يساق علي طريقة التراجيديا الإغريقية من خشبة المسرح حيث تندغم الأشياء في هارمونية العطاء الإنساني إلي غيّابة الجب، حيث الزنزانة،والحرّاس الغلاظ القلوب،والأكباد ..؟؟، بل كيف يتصور المرء أن يلغي الزمن، ويتلاشي فكأن غيّابة الجب هي الأبدية .. ثم كيف يتصور المرء أن يكون طرفا أساسيا في هذه الكوميديا السوداء وإن كانت الأطراف _الرسمية_ الأخري ترتدي الأقنعة أو هي الأقنعة ذاتها..؟". تلك المقدمة التي تفتتح مارش الولوج إلي أحداث كثيرة ومكثفة داخل السجن، تلك الأحداث التي تتجلي فيها سمات الأصدقاء والرفاق الثابتين علي المبدأ، وعلي حب الوطن، هؤلاء الأصدقاء الذين تذرعّوا بالفن والجمال والثقافة، لكي تنهض بلادهم، وتتجه نحو المستقبل، هؤلاء الذين كانوا يغنّون وينشدون أغنيات حميمية بصوت عال ورقيق في الوقت نفسه، فالأغاني في السجن هي إكسير المقاومة، وبطاقة الاستمرار، لذلك فالأغنيات التي تنشد كانت دوما تناسب الروح الوثابة لكل مسجون منهم، فهاهو الفنان مراد منير ميخائيل، الشهير _فيما بعد_ بمنير مراد، يغني : (ياشمس ياللي هالّه يارزقنا الحلال يامدهبّه لنا الغلّه يامكبره العيال يامخضره الحديق يامحمره الحرايق يامسيّبه الشعور لنا وللخلايق نشوفك بالطابور نشوفك بالدقايق) ويقول يوسف :"الغناء في السجن صلاة، وممارسة للعشق، واستغراق في العزف الجماعي، رفيقي نحيل الجسد، لكن صوته عريض، قوي شامخ لحظة الإنشاد الفردي والجماعي معا، حين نغنّي يزورنا النهر، والضفة ووجوه الفقراء، وحين يغني رفيقي، تزوره حبيبته س من كوة الزنزانة.." مخطوطة محمد يوسف هي بمثابة شهادة حيّة وناطقة علي عصر السبعينيات، وعصر التحولات، شهادة تنطق بألف لسان، أن مناضلين شبابا حلموا يوما ما بوطن عظيم، ولكن الأزمنة لم تسمح بذلك، فبعد خروجه من السجن، تم تعقبه، وممارسة كافة أشكال التنكيل به في مهنته "التدريس"، فتم ترحيله من مدينة إلي أخري، وحتي علي مستوي أبناء جيله، لم يحظ بمكانته الحقيقية، فسافر باحثا عن ملاذ إلي الكويت، وهناك قضي بقيّة حياته كلها، حتي رحل، وكان قد أصدر عددا كبيرا من الدواوين، وتطورت قصيدته إلي أشكال عديدة، بعضها كان مغرقا في الرومانسية اللغوية، وبعضها كان عنوانا للتجديد الجمالي في القصيدة الحديثة، ورغم كل جهوده الشعرية والنثرية، إلا أنه يندرج علي القائمة الثابتة والخالدة التي ثبّتها ماسكو مفاتيح التاريخ، ولم نجد أحد النقاد المتابعين للشأن الثقافي قد خصّه بدراسة، ماعدا بعض المقالات السيّارة لحسن فقتح الباب وكمال نشأت وغيرهم من ذلك الطراز المجامل، ويكتب فاروق شوشة بجريدة الأهرام بتاريخ 2 يونيو 2002 قائلا :"..وصدر عن تجربته كتاب _العصفور والسنبلة_لعلي عبد الفتاح، لكن هذا كله لم يخفف من إحساس محمد يوسف باحتجاب صوته وابتعاده عن مركز الدائرة، كما أتيح لغيره من أبناء جيله،لعل أشد ما يؤلمه أن كل من يقابله يصارحه بافتقاده إنسانا جميلا أولا، ثم مبدعا شعريا ثانيا،وهو الذي كان يظن بأن ما أنجزه كفيل بأن يحقق له الحضور اللافت والوجود المؤثر..". ظلّ محمد يوسف متأثرا بذلك الاستبعاد الظالم، حتي رحل في نوفمبر عام 2003، بعد أن ترك عددا كبيرا من الدواوين المنشورة، والدواوين التي مازالت مخطوطة، وكذلك الرؤي والمقالات، ونأمل في القريب، أن يعود ميزان العدل، وبوصلة التاريخ الصائبة، حتي نتعرف علي إبداع واحد من أنبل وأجمل شعراء السبعينيات.