علي مر زمان يندر أن يقع خلاف أو صراع ساخن أمريكي سعودي مثل الذي بدأ بإصدار الكونجرس لقانون جاستا الذي يهدف إلي مقاضاة المملكة السعودية لمطالبتها بتعويضات لقضايا نتجت عن هجمات 11 سبتمبر. وكان من الطبيعي أن تدين الخارجية السعودية موافقة مجلس النواب والشيوخ الأمريكيين لمشروع القانون المسمي بجاستا وأعتبرته إجراء مصدر قلق كبير. ورغم أن الرئيس الأمريكي باراك أوباما أصدر فيتو ضد هذا التشريع إلا أن السلطة التشريعية الأمريكية قد تحدت موقف الرئيس الأمريكي وصوتت لصالح هذا التشريع الغريب والمقلق بأغلبية ساحقة، وتحدي هذا القانون ليس رفض المملكة السعودية وحدها بل أيضا التحذير حاسم اللهجة من جانب دولة الإمارات العربية من العواقب الوخيمة طويلة الأجل لإصرار الكونجرس علي قراره الخطير. أما الغريب في الأمر أن طرفا مسئولا أمريكيا يعتبر أن مشاركة عدد محدود لا يتجاوز 15 مواطنا سعوديا يتعاون مع تنظيم القاعدة في أحداث 11 سبتمبر يعني مسئولية الدولة بأكملها بوضعها تحت طائلة هذا القانون المدمر لمستقبل العلاقات الأمريكية السعودية والإماراتية. ورغم أن رد فعل وزير الدولة للشئون الخارجية للإمارات بقوله :»إن قرار الكونجرس يعتبر سابقة خطيرة في القانون الدولي ويقوض مبدأ الحصانة السيادية، وناهيك عن مستقبل الاستثمار في الولاياتالمتحدة » ولكن قرقاش الوزير الإماراتي كان حذرا عندما أضاف إلي تصريحه »يجب أن تكون ردود أفعالنا علي المستوي القانوني والاستثماري بعيدة عن التسرع، وأن تفكيك الضرر يتطلب عملا مركزا ومشتركا وأن الغلبة يجب أن تكون دائما للعقل والمنطق». ووضحت السعودية أنها ترفض أي تلميح أنها دعمت خمسة عشر سعوديا شاركوا في هجوم »سبتمبر» علما بأن الذين جندهم هو تنظيم القاعدة وليس دولة السعودية». ماذا يمكن لدولة السعودية والإمارات وأيضا الدول العربية عمله للتصدي »للجبروت» الأمريكي الذي تعود أن يتحدي حقوق الدول وحتي الدول الصديقة التي تربطها علاقات اقتصادية واستثمارية وسياسية متعددة الجوانب وبالغة الأهمية. هل بلغ الغرور الأمريكي أن يتحدي إرادة ومصالح دول أودعت علي أرض أمريكا وفي بنوكها ومؤسساتها الاقتصادية مليارات ومليارات من الدولارات. وماذا سيكون موقف الإدارة الأمريكية إذا قررت السعودية والإمارات مثلا سحب بعض استثماراتها وأموالها في الولاياتالمتحدة؟. هل ستختار أمريكا أن تستعمل لغة القوة التي ستكون نوعا من »البلطجة» برفض سحب هذه الدول لبعض أموالها في أمريكا كرد علي قانون »جاستا» الظالم والذي رفض حتي فيتو الرئيس الأمريكي. وبلغة العلاقات السياسية والدبلوماسية بين الدول العربية والخليجية كيف ستتحدي واشنطن علاقات استراتيجية ربطت هذه الدول بأمريكا علي مدي أعوام طويلة. وهل فكر العقل الأمريكي كيف يمكن للدول العربية التصدي لردود فعل الرأي العام في بلادها أمام استهانة أمريكا بإرادة وكرامة هذه الدول. ومن الطبيعي أن تتوقع المملكة السعودية والإمارات من بقية الدول العربية والإسلاميه أن تقف بجانبها وأن رسالتهم لأمريكا يجب أن تكون بلغة صريحة، قوية وحاسمة لأن ما سيطبق اليوم علي السعودية من قوانين ظالمة ومستبدة سيطبق علي الآخرين غدا. إلي أي حد ستذهب أمريكا إلي لغة التحدي والقوة في تعاملها مع الآخرين حتي لو كانوا من أصدقائها، إلا إذا كانت تشعر أنها ليست في حاجة إليهم ولا إلي أموالهم واستثماراتهم في بلادها. وفي الحسابات السياسية والاستراتيجية هل وضعت أمريكا في حساباتها أنها الدولة الكبري الوحيدة علي الساحة العالمية ولا يوجد شيء اسمه روسيا أو الصين أو أوروبا قد يكون لديها الطموح أن تلعب دور البديل ولو جزئيا التي سيفيدها الموقف الأمريكي المتشدد إذا أصرت علي تطبيق قانون جاستا الذي يريد أن يلعب دور »بلطجة» فرض الضرائب الظالمة. أقول لصانعي القرار في واشنطن أود أن تذهبوا إلي لغة العقل والحسابات الدقيقة لتفادي الخسارة علي المستوي طويل الأجل.