كالعادة أصبحنا جميعا خبراء في الاقتصاد وأسعار الصرف ولسان حال الجميع ينطق بعبارة واحدة »هو بكام النهاردة» يقصدون الدولار تلك الورقة الخضراء التي حيرتنا ورفعت أسعار كل شيء حتي حزمة الجرجير. الحكومة هي المسئول الأول عما يحدث في السوق من توقعات مبالغ فيها لسعر الدولار بعد التعويم أو التحريك الجزئي لسعر الصرف الذي يؤكد الكثيرون أنه بات وشيكا أو قاب قوسين مع تصريحات مسئولي صندق النقد الدولي في واشنطن بأن اتفاق مصر المبدئي مع الصندوق علي برنامج الإصلاح الاقتصادي وقرض ال 12 مليار دولار لن يكون جاهزا للعرض علي مجلس إدارة الصندوق المنتظر نهاية أكتوبر الجاري أو نوفمبر المقبل سوي بتقدم مصر في الاجراءات الخاصة بدعم الطاقة وإجراءات تحرير سعر الصرف. ما يزيد الأمر غرابة الصمت الرهيب للحكومة تجاه توضيح هذه الشروط للشعب وكيفية تحقيقها ببرامج محددة ومحسوب تكلفتها اقتصاديا واجتماعيا لكن للأسف كل تصريحات وزراء المجموعة الاقتصادية تنصب علي شرط الحصول علي تمويلات إضافية ب 6 مليارات دولار قبل صرف الشريحة الأولي من قرض الصندوق البالغة 2،5 مليار دولار. لماذا لا تستجيب الحكومة لتوجيهات الرئيس المتكررة وفي أكثر من مناسبة للمسئولين بمصارحة الشعب بالحقائق وبالأرقام فالشعب يريد أن يفهم أولا قبل أن نطالبه بالتحمل والصبر.. فهل حقا يشترط الصندوق تعويم الجنيه أو بالأدق تحرير سعره مقابل الدولار ليكون أكثر واقعية وقريبا من السعر المتداول في السوق الموازية أو السوداء وهل هناك بالفعل نية لرفع الدعم عن الطاقة. إذا كان الجواب بلا ، فخير وبركة ويادار مادخلك شر، فهنا يطمئن المواطن لعدم وجود زيادات جديدة في الأسعار بعد فخ ضريبة القيمة المضافة التي ارتفعت علي إثرها غالبية السلع.. وإذا كانت الاجابة نعم ، فعلي الحكومة أن توضح للشعب كيف وهل هناك برنامج لذلك وما هي برامج الحماية الاجتماعية التي أعدتها الحكومة لمساندة طبقة محدودي الدخل المفتري عليها دائما وكذلك الطبقة الوسطي التي اقتربت كثيرا من أن تندرج تحت مفهوم محدودي الدخل لنصبح جميعا في الفقر سواء. ويأتي السؤال الملح »بضم الميم» هل استعدت الحكومة بتدعيم وتفعيل أجهزة الرقابة علي الأسواق من ضبط المتلاعبين ومستغلي الاجراءات الجديدة برفع الأسعار دون مبرر وهل استعدت أيضا لجهات معادية تدعو الله ليل نهار بأن ترتفع الأسعار أكثر وأكثر لاستثارة غضب الشعب والسحب من رصيد حبه وتعلقه بقيادته السياسية. بمنطق الأغاني شكل الحكومة ما يطمنش وهي تنتقل من فشل إلي فشل في الرقابة علي الأسواق بدليل أسعار السجائر التي تتغير يوميا بل أحيانا في اليوم الواحد عدة مرات بأمر التجار وأصحاب الأكشاك.. وبمنطق التجربة لا نستطيع إلا الدعاء لله تعالي في ظل سوق غريبة مثل مولد صاحبه غايب أو مغيب أو مطنش بمزاجه. المصريون من أكثر شعوب العالم تحملا وصبرا بل حبا وتعلقا بالوطن بشرط أن توزع التكلفة علي الجميع بشكل عادل ومتوازن أي كل حسب طاقته وإلا أين رسم التنمية الذي اقترحه المليادرات أنفسهم علي الدخول التي تزيد عن المليون ولماذا التقاعس عن تنفيذه. علي الحكومة قبل أن تتخذ قرارا بتعويم الجنيه ،أي تخفيض قيمته أمام الدولار أن تسارع بتغليظ عقوبات الإتجار في العملة وأن تتأكد بأن مواردها من النقد الاجنبي تستطيع التدخل اقتصاديا بزيادة عرض الدولار لمنع حدوث انهيارات كبيرة في سعر الجنيه وأن تكون لديها أو بالأدق لدي البنك المركزي موارد لطرح عطاء دولاري استثنائي قبل التعويم أو التحريك الجزئي لسعر الدولار مقابل الجنيه وكذلك رفع سعر الفائدة حال تعويم الجنيه حتي إلي 16% سنويا وسبق أن جربت مصر هذه الوصفة التي ساهمت في اجتذاب المصريين علي التخلص مما بحوزهم من دولارات وتحويلها للجنيه وإيداعه في البنوك الأمر الذي انعكس في اتخفاص سعر صرف الدولار في السوق السوداء. قبل كل هذه الاجراءات التي أتمني أن تتحسبها الحكومة هذه المرة يكون تحريك سعر الصرف دربا من دروب الهوي ولن نستطيع مهما فعلنا أن نلاحق السعر في السوق السوداء مادام هناك من يغذيها لضرب اقتصاد البلاد. المأثور يقول: الحصيف لا يلدغ من جحر مرتين وكفانا لدغات ولننتبه لخطوة أي إجراء نتخذه علي مستويات الأسعار في وقت أصبحت فيه فئات كثيرة من الشعب تكافح للعيش.