انطلاق النسخة الخامسة من المؤتمر الدولي لهندسة الكيمياء والطاقة والبيئة بالجامعة اليابانية    أسعار الخضراوات والفاكهة مساء اليوم الثلاثاء 15 يوليو 2025    ترامب يمنح روسيا 50 يومًا لاتفاق سلام مع أوكرانيا ويهدد برسوم مشددة    انفجار في حقل سرسنك النفطي بكردستان العراق    ليفربول يستعد لضم مهاجم نيوكاسل في صفقة تاريخية    رسميًا.. قائد ليفربول السابق يعود إلى الدوري الإنجليزي    ضبط 3 أشخاص ألقوا حجارة على أحد القطارات بأسيوط    بدء فعاليات مبادرة "1000 يوم صحة" بقنا    فوائد أكل الموز على الريق لصحة القلب والمعدة وأضراره على القولون العصبي    لماذا استعان محمد عمارة بمرتضى منصور في أزمته مع شوبير؟    مصدر يُجيب لمصراوي.. هل حسم الزمالك صفقة عدي الدباغ؟    رواتب تصل ل900 يورو شهريًا.. فرص عمل جديدة في البوسنة والهرسك    توقعات طقس 6 أيام.. أمطار رعدية وشبورة كثيفة وارتفاع حرارة    تامر حسني يطرح كليب «الذوق العالي» بالتعاون مع محمد منير    الليلة.. ختام مهرجان قسم المسرح الدولي بمكتبة الإسكندرية    المفتي يوضح حكم إلقاء السلام من الرجال على النساء    محافظ المنيا يكرم 79 من حفظة القرآن الكريم - صور    الفريق جبريل الرجوب ل«الشروق»: الاحتلال يستهدف خنق الوجود الفلسطيني للدفع نحو التهجير القسري    "البني آدم سمعة مش عضوية".. أول تعليق من مصطفى يونس على بيان الأهلي    سعر ومواصفات MG ZS الفيس لفت الجديدة فى السوق المصرى    لطفى لبيب ل اليوم السابع: أنا كويس وخارج يوم الجمعة    البنك الأهلي المصري يحذّر من التعامل أو الاستثمار في العملات الرقمية أو المشفرة    التعليم العالي: 22 ألف طالب يسجلون لأداء اختبارات القدرات    مصدر ل"مصراوي": كشف جديد للذهب بمنطقة "آفاق" باحتياطي يتخطى 300 ألف أوقية    كريم الدبيس: "كولر" مراوغ وقطعت عقود بلجيكا للانتقال للأهلي    نتيجة الامتحان الإلكتروني لمسابقة معلم مساعد دراسات اجتماعية.. الرابط الرسمي    رئيس الطائفة الإنجيلية: الموقف المصري من نهر النيل يعكس حكمة القيادة السياسية وإدراكها لطبيعة القضية الوجودية    لليوم الثالث.. انتظام أعمال تصحيح الشهادة الثانوية الأزهرية بالقليوبية    مها عبد الناصر تطالب بالكشف عن أسباب وفاة 4 أطفال أشقاء في المنيا    الإيجار القديم بين الواقع والمأمول.. نقلا عن "برلماني"    برج السرطان.. حظك اليوم الثلاثاء 15 يوليو: احذر    أمير كرارة وأبطال فيلم الشاطر يحتفلون بالعرض الخاص فى 6 أكتوبر.. اليوم    تفاصيل استحواذ ميتا على شركة Play AI الناشئة المتخصصة فى مجال الصوت    زوجة تلاحق زوجها بدعوى حبس بعد طلبه تخفيض نفقات طفلتها    دعاء الفجر.. اللهم إنا نسألك فى فجر هذا اليوم أن تيسر أمورنا وتشرح صدورنا    كل ما تريد معرفته عن كأس العالم للأندية 2029    وزارة الدفاع السورية: الجيش يبدأ دخول مدينة السويداء عقب اشتباكات دامية في محيطها    محافظ الفيوم يشهد إنطلاق فعاليات المبادرة الرئاسية "100 يوم صحة"    القومي لحقوق الإنسان يعقد ورشة عمل حول العمال وبيئة العمل الآمنة    قوات الاحتلال تعتقل أكثر من 32 فلسطينيا من الضفة الغربية    السكة الحديد تعلن تأخيرات القطارات المتوقعة اليوم الثلاثاء    إنجاز جديد لمصر.. "أيميا باور" تُشغّل أول نظام بطاريات لتخزين الطاقة    محافظ أسيوط يعقد اجتماعا مع اهالى عرب الكلابات بمركز الفتح لحل مشاكلهم    الصحة: بدء تدريب العاملين المدنيين بوزارة الداخلية على استخدام أجهزة إزالة الرجفان القلبي (AED)    تسجيل 17 مليون عبوة منتهية الصلاحية ضمن مبادرة «سحب الأدوية» (تفاصيل)    القومي لحقوق الإنسان ينظم ورشة عمل حول مقترح قانون الأحوال الشخصية الجديد    الدفاع الروسية: إسقاط 55 طائرة مسيرة أوكرانية خلال الليل    بإقبال كبير.. قصور الثقافة تطلق برنامج "مصر جميلة" لدعم الموهوبين بشمال سيناء    ثنائي بيراميدز ينضم إلى معسكر الفريق في تركيا    الجيش الإسرائيلي يطلق النار على فلسطيني ويعتقله بالضفة الغربية    أستاذ فقه بالأزهر: أعظم صدقة عند الله هو ما تنفقه على أهلك    خاص | أسرة حفيدة أم كلثوم ترد على مدحت العدل بعد انتقاده حجابها    محمد حمدي: هذه أسباب عدم نجاحي مع الزمالك    محامي المُعتدى عليه بواقعة شهاب سائق التوك توك: الطفل اعترف بالواقعة وهدفنا الردع وتقويم سلوكه    أكلت بغيظ وبكيت.. خالد سليم: تعرضت للتنمر من أصدقائي بعد زيادة وزني    «مستقبل وطن» يُسلم وحدة غسيل كلوي لمستشفى أبو الريش بحضور قيادات جامعة القاهرة    السيطرة على حريق في مخلفات غزل ونسيج بالغربية    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الثلاثاء 15-7-2025 في محافظة قنا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كتاب طُبِع في بيروت‮:‬ تأريخ ساخر وحبكة بوليسية‮!‬
نشر في أخبار الحوادث يوم 08 - 10 - 2016

في روايته الجديدة،‮ "‬طُبِع في بيروت،‮ ‬الصادرة مؤخراً‮ ‬عن دار الساقي،‮ ‬يواصل الروائي اللبناني جبور الدويهي ولعه بالأبطال ملتبسي الهوية وبرصد لحظات الأفول سواء لعائلات عريقة أو لمجتمعات كاملة،‮ ‬راسماً‮ ‬كعادته شخصيات روائية‮ ‬يصعب نسيانها‮. ‬وعلي رأس هذه الشخصيات فريد أو شَعر،‮ ‬الشاعر الخيالي العائش فوق الغيوم،‮ ‬وعبد الله وريث مطبعة‮ "‬كرم إخوان‮" ‬وزوجته الجميلة بيرسيفون ذات الأصول اليونانية‮.‬
حتي الشخصيات بالغة الهامشية مرسومة ببراعة لافتة مثل الناشر الأول الذي عرض عليه فريد أبو شَعر مخطوط ديوانه،‮ ‬ففي لمحة خاطفة نعرف أنه صاحب ذاكرة خرافية،‮ ‬يحفظ معلقة زهير بن أبي سلمي عن ظهر قلب،‮ ‬ضجِر وحاسم في رفض كتاب فريد قبل حتي أن‮ ‬يقرأه‮.‬
منذ بداية الرواية تتجلي السخرية التي‮ ‬يُقارب بها صاحب‮ "‬مطر حزيران‮" ‬بطله فريد‮: "‬في عز صيف لاهب استبد بمدينة بيروت في العقد الثاني من القرن الواحد والعشرين،‮ ‬نزل شاب مرفوع الحاجبين المقوسين كأنه‮ ‬يومئ دائماً‮ ‬بقول لا،‮ ‬من باص للنقل المشترك لُصق علي جانبيه إعلان‮ "‬لا تنسوا المخطوفين والمغيبين قسراً‮ ‬ومعوقي الحرب‮"‬،‮ ‬وهو‮ ‬يحمل إلي جهة القلب من صدره دفتراً‮ ‬سميكاً‮ ‬غلافه أحمر،‮ ‬كمن‮ ‬يعلق بعنقه‮ ‬يداً‮ ‬مصابة بكسر أو بطلق ناري‮."‬
يوحي هذا المفتتح كأن حياة فريد تبدأ مع نزوله من‮ "‬الباص‮" ‬برفقة مخطوط كتابه،‮ ‬للبحث عن ناشر‮. ‬ورغم أن وصف حاجبي البطل المقوسين‮ ‬يقربه من الكاريكاتير،‮ ‬إلأّ‮ ‬أن الدويهي حريص طوال الوقت علي ألاّ‮ ‬تصل سخريته إلي هذا الحد،‮ ‬فينجح في كشف الجانب الهزلي من شخصية بطله دون المخاطرة بتسطيحه‮.‬
التباس الهوية هنا لا‮ ‬يتوقف عند فريد‮ - ‬المنتمي باللقب لعائلة بارعة في الشعر والأدب،‮ ‬قبل أن‮ ‬يكتشف أن أصوله مجهولة‮ ‬بل‮ ‬يتعداه إلي عبد الله كرم،‮ ‬وريث المطبعة،‮ ‬إلاّ‮ ‬أن التباس هوية الأخير اختياري وقصدي،‮ ‬إذ أسقط جده حرف الواو من اسمه‮ "‬كرّوم‮"‬،‮ "‬وبشطحة قلم صار ابن تاجر الحبوب الحلبي بالمفرق لبنانياً‮ ‬مسجلاً‮ ‬في حي المدور ببيروت من دون أن‮ ‬يكون قد سكن فيه‮ ‬يوماً‮. ‬ادعي أنه ماروني لشعوره بأن طائفة السريان الكاثوليك التي‮ ‬ينتمي إليها أهله وتتكلم والده لغتها بطلاقة قلة قليلة لن‮ ‬يكون لها شأن‮ ‬يذكر في دولة لبنان الكبير الجديدة‮." ‬هذا الالتباس المتكرر بطرق مختلفة،‮ ‬من عمل لآخر،‮ ‬أشبه بضربة مسددة بإحكام في وجه الطائفية ومهووسي الهوية النقية‮.‬
العنوان الواضح ظاهرياً،‮ ‬مخاتل في باطنه،‮ ‬وينطوي علي مفارقة ساخرة،‮ ‬يكشف التمعن فيها عن تأويلات جديدة للرواية‮. ‬يوحي الدويهي لقارئه علي امتداد صفحات روايته وعبر عنوانها أنه‮ ‬يؤرخ للطباعة في بيروت روائياً،‮ ‬وربما قد‮ ‬يخلص قارئ ما إلي أن‮ "‬طُبِع في بيروت‮" ‬مرثية لطرق الطباعة القديمة ولتاريخ بدأ‮ ‬يندثر،‮ ‬لكن في ظني أن المسألة أبعد من هذا،‮ ‬وأن التأريخ للطباعة حيلة فنية وخلفية‮ ‬يؤثث بها الكاتب روايته للوصول إلي ما هو أبعد فنياً‮: ‬التلاعب والسخرية‮.‬
ففي النهاية،‮ ‬ندرك أن ما‮ "‬طُبِع في بيروت‮" ‬هو النقود المزورة لا ديوان فريد أبو شَعر،‮ ‬حتي وإن كانت قد طُبِعت منه نسخة واحدة فاخرة‮. ‬وصحيح أن حالة النشر الراهنة،‮ ‬كما تتبدي في الفصل الأول،‮ ‬لا تبشر بخير،‮ ‬غير أن المسألة لا علاقة لها بالرثاء،‮ ‬فالمشاهد مغلفة بالسخرية،‮ ‬وآداء فريد أبو شَعر وكليشيهاته ورومانتيكيته المختلطة بالسذاجة لا تسمح لنا بافتراض أن العالم سينقصه شيء لو لم‮ ‬يُنشَر ديوان‮ "‬الكتاب‮".‬
ما‮ ‬يهم جبور الدويهي هنا،‮ ‬هو إحكام الخط البوليسي لروايته وتمتين حبكته،‮ ‬ورمي التفاصيل والمفاتيح برهافة،‮ ‬لتتجمع الخيوط معاً‮ ‬في النهاية،‮ ‬ويتعمق الهزل والسخرية‮.‬
غير أن الكلام عن خط بوليسي في‮ "‬طُبِع في بيروت‮" ‬لا‮ ‬يعني أننا أمام رواية بوليسية،‮ ‬أو علي الأقل ليست كذلك بالمعني الشائع،‮ ‬وإن كان المؤلف‮ ‬يسجل ولع بيرسيفون بروايات‮ "‬السلسلة السوداء‮"‬،‮ ‬وبالجملة المكتوبة علي‮ ‬غلافها الأخير‮: "‬روايات رجال الشرطة فيها أكثر فساداً‮ ‬من المجرمين والمحقق المختص لا‮ ‬يحل اللغز دائماً،‮ ‬هذا إن وُجِد اللغز أو وُجِد المحقق‮." ‬فإن هذه الجملة،‮ ‬في نصفها الثاني تحديداً،‮ ‬تتصادي مع‮ "‬طُبِع في بيروت‮" ‬في سخريتها،‮ ‬وفي أن المهم ليس حل اللغز وعقاب المجرمين،‮ ‬بل المعمار الروائي لهذا‮ "‬اللغز‮"‬،‮ ‬والمزج بين أساليب وأنماط كتابية مختلفة،‮ ‬وشد خيوط الرواية معاً‮ ‬والمحافظة علي تشويقها وهزلها الكاشف عن حماقات البشر،‮ ‬ففريد،‮ ‬الذي قضي خمس سنوات في السجن عقاباً‮ ‬علي جُرم لم‮ ‬يرتكبه،‮ ‬يظن أنه بهذا أنقذ بيرسيفون ولم‮ ‬يش بها،‮ ‬كما اعتقد،‮ ‬خلال التحقيق معه،‮ ‬أن التهمة مجرد‮ ‬ذريعة للسطو علي ديوانه‮.‬


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.