تاريخ الأمم يربط حاضرها بماضيها وفي التراث العربي والإسلامي مواقف عظيمة لابد أن تعيها الأجيال الجديدة، والعديد من الأدباء المعاصرين غاصوا في أعماق تاريخ الحضارة الإسلامية وقدموا اسهاماتهم النثرية والشعرية التي استمدوها من روح وجوهر الدين والعمل علي استنهاض همم الشعوب، ومن بينهم المفكر والمؤرخ والكاتب الداعية والأديب الإسلامي علي أحمد باكثير (1910- 1969م). ولد في مدينة (سورابايا) بأندونيسيا لأسرة عربية تنتسب لقبيلة كندة وعاد في سن العاشرة مع أبيه إلي مسقط رأسه بمدينة (سيئون) في حضرموت باليمن لينشأ مع أخوته في أجواء عربية إسلامية وحفظ جانبا من القرآن وتلقي تعليمه في مدرسة أهلية علي يد الشيوخ وبدأ نظم الشعر في سن الثالثة عشرة وقام بالتدريس وإدارة المدرسة بعد ذلك وتزوج في سن مبكرة وعقب وفاة زوجته سافر الي عدن والصومال والحبشة والحجاز ثم استقر بمصر والتحق بكلية الآداب جامعة الملك فؤاد الأول (القاهرة) وترجم خلال دراسته مسرحية لشكسبير بالشعر المرسل ثم الف مسرحية (اخناتون ونفرتيتي) وحصل علي دبلوم معهد التربية للمعلمين وسافر في بعثة دراسية الي فرنسا وبعد عودته تزوج من مصرية وتوطدت علاقته مع رجال الفكر والأدب داخل وخارج مصر وتأثر برواد الإصلاح والتجديد (الأفغاني ومحمد عبده ورشيد رضا) وعمل بالمدارس الحكومية لمدة خمسة عشر عاما، ومنح الجنسية المصرية في بداية الخمسينيات بموجب مرسوم ملكي ثم عين بوزارة الثقافة والإرشاد القومي والرقابة علي المصنفات الفنية حتي وافاه الأجل، وحصل علي منحة تفرغ أنجز خلالها الملحمة الإسلامية الكبري عمر بن الخطاب رضي الله عنه 19 جزءا وتعد ثاني اطول عمل مسرحي عالميا والمنحة الثانية انجز فيها ثلاثية عن الحملة الفرنسية (الدودة والثعبان وأحلام نابليون ومأساة زينب) وكان يجيد اللغات الانجليزية والفرنسية والملايوية الي جانب العربية، وزار الكثير من بلدان العالم وحصل علي جائزة الدولة التشجيعية ووسام العلوم والفنون في مصر واليمن وجائزة المجلس الأعلي للفنون والأداب. وقد نشرت معظم أعماله التي تنوعت بين الرواية والمسرحية النثرية والشعرية في الصحف والمجلات وترجمت لعدة لغات ولم تطبع أشعاره وجمعت بعد وفاته ويعتبره النقاد من أعلام الأدب الإسلامي المعاصر، وتأثر بالأحداث الكبري في العالمين العربي والإسلامي بعد سقوط الدولة العثمانية وقضية فلسطين وركز في مؤلفاته علي الأبعاد التاريخية والسياسية والاجتماعية والإسلامية تحديدا وكانت له مواقفه من موجة المد الشيوعي والإلحاد وقاد كتاب اليسار في فترة الستينيات حملة ضده واتهموه بالتطرف والرجعية وكان يردد دائما لأصدقائه: إنه لشرف عظيم أن أتهم بالإسلامية فيما أقدمه من أدب، ومن أبرز اسهاماته تقديمه لروائع الأدب العالمي في اطار الرؤية الإسلامية للكون والوجود واسقاط هذه الأعمال علي الواقع العربي وازماته، واثري المكتبة العربية والإسلامية بأكثر من ستين كتابا غير مخطوطاته ومن مؤلفاته الروائية: واسلاماه (قررت علي طلاب المدارس المصرية والعربية وتحولت لفيلم سينمائي)- الثائر الأحمر- سلامة القس- سيرة شجاع- ليلة النهر- الفارس الجميل، ومن مسرحياته: السلسلة والغفران- سر الحاكم بأمر الله- مأساة أوديب- سر شهرزاد- هاروت وماروت- الشيماء شادية الإسلام- من فوق سبع سماوات- مسمار جحا- حرب الباسوس- التوراة الضائعة- الفرعون الموعود- إله اسرائيل- أبودلامة- ابراهيم باشا- الوطن الأكبر- دار ابن لقمان- الفلاح الفصيح- جلفدان هانم- شيلوك الجديد- عاشق من حضرموت وغيرها إلي جانب أحاديثه الصحفية والإذاعية والتليفزيونية.