في كتابه المهم »مسرح الدم والدموع» للناقد الكبير الدكتور علي الراعي، كتب فصلا لافتا تحت عنوان «عباس علام مطالب بعرش الميلودراما»، وفي ذلك الفصل، استعي الراعي مشاغبات قديمة حول مسرحية «عباس علام» المعنونة ب»أسرار القصور»، وكانت الحركة المسرحية المصرية في ذلك الوقت،متأثرة إلي حد كبير بالمسرحيات الفرنسية من جانب، وكان نجيب الريحاني يقدم نوعا من المسرح الكوميدي،أو الفكاهي -إذا سمح لي المسرحيون بذلك الوصف-، وكانت شخصية «كشكش بك» عمدة كفر البلاص، هي الشخصية الأشهر في عالم المسرح، وكانت الشخصية الأكثر جذبا للجمهور، وذلك لأنها شخصية العمدة الريفي الذي يأتي إلي القاهرة، ومن هنا تبدأ سلسلة التناقضات الدرامية بين الريف والمدينة، وبالطبع كانت الكوميديا علي أشدها، وكانت شخصية «بربري مصر الوحيد» لعلي الكسار، الفنان الذي كان المنافس الأول لنجيب الريحاني، هي الشخصية الثانية في عالم المسرح، وبين «كشكش بك» و»بربري مصر الوحيد»، كانت هناك محاولات فرح أنطون وعباس علام الجادة تشقّ طريقا آخر في تلك الأجواء. وفي ذلك الشأن، نقل لنا د علي الراعي ماكتبه عباس علّام حول مسرحيته الأولي «أسرار القصور» والتي وضعها عام 1913، وتم تمثيلها وعرضها لأول مرة عام 1915، حيث كتب قائلا :(هذه أولي رواياتي،وكانت أول رواية مصرية عصرية،يظهر أشخاصها بالبنطلون والجاكت والعمامة والجبة والقفطان، ويبحثون قضية عائلية مصرية بحتة -بلا تاج علي رأس الملك ولا ملابس مزركشة ولا حاجب ولا سيّاف ..)، وبعد أن قال علّام ذلك، استدرك أن هناك كاتبا آخر قدّم رواية تشاركه الهاجس نفسه، إذ كتب علّام يقول أو يصحح :(ورافقني _أو تقدمني أو تأخر عني_ المرحوم فرح أنطون في «مصر الجديدة»، و»بنات الشوارع وبنات الخدور»،ولكن ليس في الروايتين ما استوفي الشروط الدراماتيكية، فهما علي أوسع تقدير من النوع الاستعراضي..». ولفتت هذه الشهادة نظر الراعي، والذي قال بأن عباس علام لو طالب بأن يكون ملكا الميلودراما، لوافقناه علي الفور، وعمدناه وأعطيناه اللقب، حيث أن الرواية المسرحية «أسرار القصور»، تنطوي علي تلك العناصر شبه الكاملة لكي تستوفي الصفات العميقة لفن الميلودراما، حيث عناصر الصراع حادة، وهي تتعامل مع الأبعاد الأرسطية بشكل يكاد يكون حرفيا، ولكن موهبة علّام الذي كان في الواحدة والعشرين من عمره، واضحة بشكل حاد، كذلك ثقافته الفرنسية، والتي كان يستقي منها كثيرا من رواياته، وسنتوقف عند ذلك لاحقا، وأزمته التي سببها له النقاد حول تلك الثقافة، ووصفه بأن كل نصوصه مقتبسة من المسرح الفرنسي، وهذه معركة ضارية كان يقودها نقاد ذلك الزمان، وعلي رأسهم الكاتب الصحفي،والناقد الفني-آنذاك-محمد التابعي،والذي كان يوقّع مقالاته باسم «حندس». نعود للمسرحية ذات البناء الأرسطي الواضح، حيث أن هناك «حليم» العائد من فرنسا، وكان قد أكمل دراسته هناك، وجاء متأثرا بالأجواء والأفكار الأوروبية، وهو ابن العمدة الثري، ولكن ذلك العمدة كان جاهلا، ولا يهمه في الحياة سوي الحفاظ علي المركز ومستوي الثراء القائم بالفعل في حياته، وكان «حليم» أراد أن يتزوج ابنة عمه «زينب»، والتي تتخذ في المسرحية البعد الملائكي والخيّر والنظيف، ولكن والده «العمدة»، لم يتحمس لتلك الزيجة، واراد أن يزوّج ابنه ل»سامية»، وهي ابنة أحد الباشاوات والكبراء، وبعد حوار وصارع لم يطل، بين الأب والابن، يرضخ حليم لرغبة أبيه، ويتزوج من سامية، وتتخذ «سامية» في المسرحية، الوضع الشيطاني، وومع تطور الأحداث سيقوم صراع حاد بين الملاك والشيطان، ولكن بعد سلسلة أحداث ميلودرامية واسعة. تستسلم «زينب» لاختطاف حبيبها، والذي كان سيتزوجها، ولكن تطور الأحداث يدفعها لعدم الاستسلام، حيث أن «سامية» تقيم علاقة آثمة بينها وبين «عبد العزيز»، وهو أحد أصدقاء «حليم»، وفي إحدي الليالي، تعلم «زينب» بطريقة ما، أن «سامية» ذهبت لعبد العزيز لممارسة الرذيلة والخيانة التي ستلطخ شرف العائلة التي تضم «زينب» و»حليم» في وقت واحد، فانتفضت «زينب»، وذهبت في منتصف الليل إلي مكان الحدث، لتضبط الاثنين في وضع مخل بعد أن تقتحم المكان دون استئذان، وهنا يقوم حوار ميلودرامي من طراز حاد بين الثلاثة «زينب وعبد العزيز وسامية»، ويستخدم عباس علّام ثقافته وموهبته ومقدرته اللغوية في رفع سخونة الموقف إلي ذري درامية عالية، وفي تلك الأثناء يحضر «حليم» المجني عليه الأول، بعد أن علم بوجود زوجته هنا مع عبد العزيز، ولكن عندما يدخل، يجد ابنة عمه «زينب» في المكان، والتي تبلغه بأنها هي التي كانت تمارس حريتها، وربما كان ذلك الموقف إفراطا من عباس علّام في تعميق الميلودراما، وتتطور الأحداث، حتي ينكشف كل شئ لحليم، فيقوم بتطليق زوجته الخائنة، وإقناع والده بالزواج من زينب. هذا اختصار يكاد يكون مخلّا بالرواية المسرحية، ورغم كمية الأحداث التي تجعل من الرواية تجسيدا كبيرا للميلودراما، إلا أن عبّاس علام أراد أن يدخل الكوميديا إلي المسرحية، ووضع كمية مفارقات تكاد تكون متطابقة مع ماكان يحدث في عالم المسرح آنذاك، لولا موهبته التي تتفادي التقليد الحرفي والأعمي، وما كان يضعه من كوميديا في المسرحية،إلا لأسباب المنافسة المشتعلة في المسرح مع عمالقة مثل الكسار والريحاني، وبالإضافة إلي البعد الكوميدي، كان لا بد أن يضع بصمته الثقافية، فيورد حوارا بين حليم وسامية حول المسرح وأحواله في ذلك الوقت، ونشعر أن الكلام عن حال المسرح في المسرحية، ماهو إلا الرأي الذي كان يريد عبّاس أن يدسه في النص المسرحي، والذي لم يحذف في العرض فيما بعد. بهذا العرض المسرحي بدأت خطي عباس علام تثبت في الحركة المسرحية، كواحد من المؤلفين الكبار في ذلك الوقت مثل فرح أنطون ومحمد تيمور وابراهيم رمزي وآخرين، فكتب عددا من المسرحيات التي لاقت رواجا كبيرا آنذاك، علي المستويات الرسمية والنقدية والجماهيرية، وصلت ذروتها في مسرحيته التاريخية «عبد الرحمن الناصر»، وقد قدمها ناشرها محمد محمود صاحب مكتبة «الوفد» قائلا :(تتشرف مكتبة الوفد بأن تقدم إلي حضرات القراء الكاتب اللبق والأديب المعروف الأستاذ عباس علام في روايته الخالدة «عبد الرحمن الناصر»، وهي إذ تتشرف بهذه التقدمة، تضيف إلي قائمة الكتّاب النابهين الذين سبق أن ساهمت بحظ في نشر مؤلفاتهم وقامت بنصيب في السفارة بينهم وبين القراء -اسم الأستاذ علام ليقرن بأسماء الأساتذة سلامة موسي واسماعيل مطهر وابراهيم المصري وكامل الكيلاني والمرحوم محمد السباعي ..مما تفخر مكتبة الوفد بأسمائهم وتعتز بمكانتهم الأدبية). هكذا اقترن اسم عباس علام المسرحي والأديب عام 1920، حيث أنه كان في الثامنة والعشرين من عمره، بأعلام عصره، وفي النص المنشور ذاته في ذلك العام، يكتب عباس علام تقدمة أخري يقول فيها :(طلب إليّ حضرة محمد طلعت حرب بك أن أضع رواية تليق بحفلة افتتاح تياترو حديثة الأزبكية، وكنت من زمن بعيد أفكر في دراسة هذه الشخصية الكبيرة، شخصية «عبد الرحمن الناصر»، وفي الكتابة عن هذا العصر الذهبي، عصر دولة العرب في الأندلس، فاستخرت الله وكتبت هذه الرواية متوخيا فيها إظهار الحقائق التاريخية والبعد عن الخيال جهد الإمكان، مع الخروج منها بعبرة تنفعنا في حالنا وتطابق ما نحن فيه..). وكانت تلك الخطوة من طلعت حرب أحد رواد النهضة تجاه عباس علام، دافعا قويا لتشجيع علام واستمراره وتقدمه وتفوقه علي كثير من مجايليه، ولم يكن ذلك الاختيار إلا عبر جدارة أثبتها علام في مجال المسرح،وكان قوامها مجموعة من المسرحيات المرموقة التي قدمها قبل وبعد ذلك الحدث، مثل مسرحيات «الأمود والزوبعة وملاك وشيطان وآه ياحرامي وسهام وكوثر وزهرة الشاي والمرأة الكذابة والساحر وتوتو والأستاذة ، وغير ذلك من نصوص تم عرضها كلها علي خشبة المسرح، ولاقت رواجا كبيرا. في تلك الأثناء تعرّف علّام علي فرقة «عكاشة» عبدالله وزكي وعبد الحميد، وكان علّام ينطوي علي قدر كبير من الرومانتيكية، تلك الرومانتيكية التي كانت تشكّل عمودا رئيسيا في كل نصوصه، ومثل أي كاتب مسرحي، كان يهيم بمن يستطيع تجسيد كلماته علي المسرح، مثلما يهيم الشاعر بمن يجسد كلماته في الغناء، وهذا الأمر تطلب من الكاتب رفيع المقام يحيي حقي،أن يكتب سلسلة مقالات وصلت إلي ثمانية، ونشرها في صحيفة «المساء» عام 1965، وجمعها ونشرها في دراسة كاملة في كتابه «عطر الأحباب»عام 1971، ثم أعيد نشرها مرة أخري في المجلد 20 من الأعمال الكاملة ليحي حقي، وجاء عنوان المجلد «مدرسة المسرح». في تلك المقالات تحدث يحيي حقي عن الإعجاب المفرط الذي انتاب عباس علام، عنما شاهد الممثلة القديرة «فيكتوريا موسي»،وهي الفنانة اليهودية، والتي تزوجت بعد ذلك عبدالله عكاشة، وأعتقد أن البعد العدائي الذي صاحب نقادنا وكتابنا لليهود بعد نكبة 1948 واحتلال فلسطين، حدث خلط ما بين اليهودية والصهيونية، ولذلك تجاهل النقاد كثيرا من اليهود الذين قاموا بأدوار فنية، وعلي رأسهم «فيكتوريا موسي، وميليا ديان، وغيرهما». لم يتوقف إعجاب عباس علام بفيكتوريا موسي المفرط، عند كونها ممثلة وفنانة تجسّد أفكاره وتطوحاته المسرحية وفقط،بل إنه حمل لها حبا ملائكيا ورومانسيا كبيرا، جعله يكتب كراسة كاملة،عنوانها »عبد إيزيس«، ويعطي علام تلك الكراسة لصديقه صلاح الدين كامل-الذي كتب كتابا كاملا في تأريخ حياة صديقه عباس علام-، وبدوره يطلع كامل أستاذنا يحيي حقي تلك الكراسة، فيستأذنه حقي في أن يورد بعض العبارات الدالة مما كتبه علام، ويصف لنا يحيي حقي عن مشاعره تجاه عناية علام بتلك الكراسة قائلا :(أحسست وأنا أفتح غلاف هذه الكراسة أنني أفض زجاجة عطر زكي طار منذ زمن بعيد، وبقيت أطيافه مستعصية علي التبدد والفناء لتنبئ الأحياء اللاحقين في عالم الغيب، لا عن سابق ضيائه فحسب، بل أيضا عن عهد برمته ولّي وفات، وجيل بأكمله طواه التراب، بأفراحه وأحزانه، وحكمته ونزواته ..). إعجابنا بوصف يحيي حقي لقصة عباس علام، لا يقل عن إعجاب عباس علام بفاتنته وساحرته فيكتوريا موسي،أو الإلهة إيزيس، كما أطلق عليها، وجعل نفسه عبدا لتلك الإلهه، بل جعل نفسه خادما أمينا لزوجها عبدالله عكاشة، والذي كان يعلم تمام العلم بانجذاب علام لزوجته، وعشقه لها، رغم أنه كان يغير علي زوجته جدا، ولكنه كان يتجاهل أمر تلك العلاقة، لأن عباس كان يكتب ويعدّل ويضيف ويغيّر في النصوص، وفقا لرغبته، بعد أن يكون »عبدالله«، قد أبلغ زوجته بالتعديلات المطلوبة، وبالتالي كانت «فيكتوريا» تبلغها لعباس، والذي كان يرضخ تماما لها، فيبدّل ويضيف ويحذف تحت أمر كيوبيد اللعين!، ذلك الكائن الخرافي الذي يخضع الفنان لرحمة من يحب، ولأن الحب لا يوجد فيه أي جدال، كان علام ينفّذ كل ماتطلبه فيكتوريا، وهنا كان عباس الفنان، يستسلم لعباس العاشق، وكم انطوت حياتنا الأدبية والفنية والسياسية علي أكثر من عباس، علي مرّ العقود. في تلك الكراسة، يعلن عباس أكثر من مرة بأن حبه لفيكتوريا، حب طاهر وعفيف وعذري، وهذا لا يغير من الأمر شيئا، حتي عندما أدرك أن فيكتوريا تمتثل لأوامر زوجها، وتأتمر بطلباته التي تمليها لعباس، وقد أعلن أكثر من مرة بأنه لن يكتب إلا لفيكتوريا، (.كرّس فنه كله لخدمتها وإعلاء شأنها وجلب الشهرة إليها، ما أشد اعتزازه بفنه! -كما يكتب حقي ويضع علامة تعجب في الوقت ذاته-، إنه في مذكراته لا ينفي عن نفسه صفة الغرور،أصبح همه الأوحد هو إسعادها وإدخال السرور إلي قلبها ..)، ورغم أنه كان يبذل كل جهده تقريبا لإسعادها، لم تكن هي مشغولة إلا بمجدها الخاص، وبتعليمات زوجها عكاشة، حتي انكشف الأمر أمامه، وكان من الإفراط في العشق أن يظل خادعا نفسه، واعتباره أن ذلك كان مصدرا لسعادته أيضا، حتي عندما هاجمه النقاد بأنه كان يقتبس من النصوص الفرنسية، وكان ذلك إلي حد ما صحيحا، تحت إذعان من فيكتوريا، لم يرضخ، ولكنه وقع في مأزق نفسي مهول، ولم يجد سوي صديقه الخاص الشاعر عمر عارف، والذي ضمّن علّام رسائله وقصائده كتابه العاشق «عبد إيزيس»، وكان عباس يوسّط عمر عارف في توصيل رسائله إلي فيكتوريا، فيكتب له قائلا :(..لقد أصبح عباس جسما بلا روح، فأنا أودع المسرح وأودع فيكتوريا الممثلة،وأودعك ككاتب روائي، ولكني سأظل لكم الصديق الوفي، وربما واظبت علي حضور مجلسكم ولكن كشخص أجنبي عن المسرح..). هكذا أوصلت فيكتوريا عاشقها وعبدها عباس علام،قبل أن تجنّ هي أيضا، ويصاب هو بعدها بمرض الحب، فيقع في نوبات متكررة من العلاقات العاطفية اليائسة، ولكنه يكتب سلسلة من القصص القصيرة الرائعة، ونشرها مسلسلة في مجلة «الهلال» في الأريعينيات، وقد أشار إلي إحداها الكاتب الروائي الكبير مصطفي نصر، وهي قصة «صراع الروح والجسد»، وقدّم لها قراءة ممتعة، واشار نصر إلي أن القصة نشرت عام 1948، ولكنها في الحقيقة نشرت في عدد أغسطس عام 1948، كما نشر علام قصصا أخري مثل «امرأة في قفص،وصعيدية بنت صعيدي، ونموت نموت ولا نسلم، والكولونيل عبد الستار،والمدفع الأول ..»، وغيرها من قصص تنتظر من ينتبه لها ويجمعها في كتاب لنشرها، ولا بد أن نشير هنا إلي الكتاب الذي نشره ابنه عام 1946، تحت عنوان «تموت نموت ولا نسلم»، وجمع فيه بعضا من قصص أبيه، وكتب له مقدمة تحريرية، يشير فيها إلي الأزمة الانسانية التي يمر بها والده. ويجدر بنا في هذا المقام،أن نشير لكتاب صغير، ولكنه شديد الأهمية، كتبه عباس علام تحت عنوان «دماء في السودان..قصة في رسائل,،من الجندي المجهول»، وذلك عام 1947، وهو كتاب يعبّر عن البعد الوطني العارم الذي كان يمثله عباس علام، إذ كتب في المقدمة يقول :(بعد أن عجز الانجليز عن التفريق بين عنصري الأمة ليتخذوا من أحدهما ظهيرا ضد الآخر،ويتسني لهم بذلك البقاء جاثمين فوق صدورنا بدعوي حماية الأقليات.. بعد هذا أخذوا الآن يعملون علي التفريق بين جنوب الوادي وشماله ليمسكوا الوادي من عنقه ويفصلوا الرأس عن الجسد ويتركوه ينزف...). ويستطرد علام في مقدمته، ليقول بأن العلاقة بين طرفي الوادي، هي مسألة حياة أو موت، ومسألة وجود لا بد منه رغم أنف المحتل والغاصب الانجليزي، وتأتي الرسائل المتخيلة أو الحقيقية -لا توجد إشارة لحقيقة الرسائل-لتدل علي العمق الوطني الذي يمتع به عباس علام وبطل كتابه الجندي محمد توفيق في رسائله. وللأمانة، نشر المركز القومي للمسرح مسرحيته «سهام»، وقدم لها دراسة نقدية الأستاذ سمير عوض، ولكن هذا لا يكفي، فعباس علام أحد المسرحيين الكبار، والكتاب الذين أسسوا لكتابة الحداثة في مصر علي مدي عقود العشرينيات والثلاثينيات والأربعينيات، وهو لم يفقد الأمل أبدا في أن يوما سيأتي لكي يعرف المصريون ماذا قدم لهم، ويكتب صديقه صلاح الدين كامل في كتابه عنه يقول :(..مازال يطن في أذني قول عباس علام في أواخر أيامه-وهو يجلس منزويا في مسكنه بشبرا،وساقه المشلولة ممدة أمامه-كان يقول ويكرر: -حينما يكتب تاريخ المسرح المصري، وأعتقد أنه سوف يكتب يوما ما، لا يمكن أن تخلو صحيفة من ذكر عباس علام ..). ونحن نأمل تلك الأمنية التي تمناها المسرحي والأديب والعاشق عباس علام، وهو علي فراش الموت، والذي غادرنا دون أي متابعات تليق به في 21 ابريل عام 1950.