سعر صرف العملات العربية والأجنبية مقابل الجنيه ب المركزى المصرى اليوم (آخر تحديث)    محافظ مطروح: إقالة نائب مدينة برانى وإحالة مدير النظافة للتحقيق لسوء حالة النظافة    «الزراعة» تتابع برامجها البحثية على مستوى الجمهورية في إجازة العيد (تفاصيل)    سرايا القدس تبث مشاهد لكمين استهدف قوة إسرائيلية شرق جباليا    محافظ الدقهلية ينعي شهيد الشهامة السائق خالد عبد العال ابن مركز بني عبيد    القنوات المفتوحة الناقلة لمباراة البرتغال وإسبانيا بنهائي دوري الأمم الأوروبية    إمام عاشور: زيزو عقلية احترافية.. وأحلامي مع الأهلي لا تتوقف    تقارير: أحد أندية الدوري القطري يرغب في التعاقد مع لاعب باريس سان جيرمان    ريندرز: سأسافر إلى مانشستر سيتي لإجراء الفحص الطبي    الوطني للأرصاد: منى ومكة المكرمة ومزدلفة تسجل 45 درجة    غدًا، استئناف امتحانات الدبلومات الفنية لنظام العمال والمهنى والطاقة الشمسية بالوادي الجديد    باسل محارب ضيف برنامج سعد الصغير اليوم    صحة أسيوط تكثف حملاتها لمكافحة ناقلات الأمراض لمواجهة بؤر توالد الحشرات    حالة الطقس غدا الإثنين 9-6-2025 في محافظة الفيوم    سحب 1.7 مليون بيضة من الأسواق في أمريكا (تفاصيل)    قصور الثقافة تطلق احتفالات عيد الأضحى في شرم الشيخ والطور وأبوزنيمة    عقرهما كلب شرس.. تفاصيل إصابة طالبين داخل "سايبر" بالعجوزة    فرحة العيد جوه النيل.. إقبال على الرحلات النيلية بكفر الشيخ ثالث أيام العيد    لماذا تتجدد الشكاوى من أسئلة امتحانات الثانوية العامة كل عام؟.. خبير يُجيب    عمال الشيوخ: خروج مصر من قائمة ملاحظات العمل الدولية للعام الرابع "مؤشر ممتاز"    "الوطني الفلسطيني" يدعو المجتمع الدولي إلى ترجمة مواقفه لإجراءات لوقف الحرب على غزة    الدفاع المدني فى غزة: الاحتلال يمنع إنقاذ الأحياء فى القطاع    إيرادات السينما السبت 7 يونيو: "المشروع X" يكتسح شباك التذاكر و"ريستارت" يلاحقه    المتحف المصري بالقاهرة يحتفي بزوار عيد الأضحى المبارك |صور    مى عز الدين تتألق في جلسة تصوير جديدة وتعلن عودتها للتفاعل مع جمهورها    5 أيام يحرم صومها تعرف عليها من دار الإفتاء    هدف الزمالك.. خطوة واحدة تفصل زين الدين بلعيد عن الوكرة القطري    «الحج دون تصريح».. ترحيل ومنع «المخالفين» من دخول السعودية لمدة 10 سنوات    تنسيق الجامعات 2025، قائمة الجامعات المعتمدة في مصر    طريقة عمل كفتة الحاتى بتتبيلة مميزة    الداخلية تواصل تطوير شرطة النجدة لتحقيق الإنتقال الفورى وسرعة الإستجابة لبلاغات المواطنين وفحصها    تجهيز 100 وحدة رعاية أساسية في الدقهلية للاعتماد ضمن مؤشرات البنك الدولي    بقرار من رئيس جهاز المدينة ..إطلاق اسم سائق السيارة شهيد الشهامة على أحد شوارع العاشر من رمضان    خلال احتفالات العيد.. 3 جرائم قتل في مغاغة وملوي بالمنيا    196 ناديًا ومركز شباب تستقبل 454 ألف متردد خلال احتفالات عيد الأضحى بالمنيا    اللواء الإسرائيلي المتقاعد إسحاق بريك الملقب ب"نبي الغضب" يحذر من وصول إسرائيل إلى نقطة اللاعودة وخسارة حروب المستقبل!.. كيف ولماذا؟    وزير الخارجية يبحث مع نظيره التركى تطورات الأوضاع فى غزة وليبيا    لا يُعاني من إصابة عضلية.. أحمد حسن يكشف سبب غياب ياسر إبراهيم عن مران الأهلي    ضبط عاطلين بحوزتهما حشيش ب 400 ألف جنيه    هل يجوز الاشتراك في الأضحية بعد ذبحها؟.. واقعة نادرة يكشف حكمها عالم أزهري    وزارة العمل تعلن عن فرص عمل بمرتبات تصل إلى 15 ألف جنيه    أوكرانيا: ارتفاع عدد قتلى وجرحى الجيش الروسي إلى 996 ألفا و150 فردا    بين الحياة والموت.. الوضع الصحي لسيناتور كولومبي بعد تعرضه لإطلاق نار    منافذ أمان بالداخلية توفر لحوم عيد الأضحى بأسعار مخفضة.. صور    الكنيسة القبطية تحتفل ب"صلاة السجدة" في ختام الخماسين    أمين «الأعلى للآثار» يتفقد أعمال الحفائر الأثرية بعدد من المواقع الأثرية بالأقصر    محافظ أسيوط: لا تهاون مع مخالفات البناء خلال إجازة عيد الأضحى    مجلة الأبحاث التطبيقية لجامعة القاهرة تتقدم إلى المركز السادس عالميا    كامل الوزير يتابع حركة نقل ركاب القطارات ثالث أيام العيد، وهذا متوسط التأخيرات    حكم وجود الممرضة مع الطبيب فى عيادة واحدة دون محْرم فى المدينة والقرى    النسوية الإسلامية «خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى» السيدة هاجر.. ومناسك الحج "128"    استشهاد 11 شخصا وإصابة العشرات في قصف إسرائيلي قرب مركز توزيع مساعدات بغزة    أسعار الدولار اليوم الأحد 8 يونيو 2025    المواجهة الأولي بين رونالدو ويامال .. تعرف علي موعد مباراة البرتغال وإسبانيا بنهائي الأمم الأوروبية    من قلب الحرم.. الحجاج يعايدون أحبتهم برسائل من أطهر بقاع الأرض    نشرة أخبار ال«توك شو» من المصري اليوم..استشاري تغذية يحذر من شوي اللحوم في عيد الأضحى.. أحمد موسى: فيديو تقديم زيزو حقق أرباحًا خيالية للأهلى خلال أقل من 24 ساعة    البابا تواضروس يناقش أزمة دير سانت كاترين مع بابا الڤاتيكان    الوقت غير مناسب للاستعجال.. حظ برج الدلو اليوم 8 يونيو    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حريم القرن الحادي والعشرين‮ ‬
‮ ‬النساء بمختلف دياناتهن ومجتمعاتهن وأزمنتهن تتحكم ‮ ‬فيهن الذكورية التي حصرتها في‮ ‬خانة الجسد
نشر في أخبار الحوادث يوم 17 - 09 - 2016

أعرفُ‮ ‬أن لا مجال هنا لاستعادة ذكريات شخصية،‮ ‬لكن بما إنني أنثي مورس عليها أشكال من القهر والعنصرية،‮ ‬وفرض عليها الكثير من العادات والقوانين التي لا تمت إلي الإنسانية بشيء،‮ ‬فلا بأس إذن من كسر القاعدة‮. ‬بإمكاني القول إنني أحسب علي حريم القرن الحادي والعشرين طالما لا يزال يتم التحكم بأجسادنا‮. ‬بإمكاني القول أيضاً‮ ‬أنني منذ الطفولة،‮ ‬وأنا أدرك أنني أحمل عبئاً‮ ‬إضافياً‮ ‬وأننياً‮ ‬سأخوض حروباً‮ ‬كثيرة‮. ‬أدركتُ‮ ‬ذلك في حصص الجغرافيا،‮ ‬حين قررت المُعلمة استبدال خارطة العالم بأجسادنا،‮ ‬فكانت تحوّل حديثها‮ -‬دائماً‮- ‬عن الأوطان إلي مواطن الشهوة فينا،‮ ‬وعن الحدود التي فرضها علينا المستعمر إلي الحدود التي يجب ألا نتجاوزها‮.‬
لازلت أذكر‮ ‬صديقتي التي أقبلت يوماً‮ ‬بعد موعد حصة الجغرافيا‮. ‬كانت ترتدي اليونيفورم الخاص بغير المحجبات؛ جوب لا تكشف عن الركبة،‮ ‬وقميص نصف كُم‮. ‬وكان باب الفصل وقتها‮ ‬مفتوحاً‮. ‬وقفت البنت دون أن تنطق بكلمة،‮ ‬وحين لمحتها المُعلمة نظرت إليها بحدة،‮ ‬لم تسألها عن سبب تأخرها،‮ ‬إنما عن مجيئها بهذه الخصلات التي أسدلتها علي كتفيها‮. ‬ابتسمت البنت،‮ ‬وسألتها بمرح‮: "‬هل أحلق رأسي يا أبلة؟‮!"‬،‮ ‬فضج الفصل بالضحك،‮ ‬ما جعل المُعلمة تخرج وهي مشتعلة من الغضب‮. ‬وبعد دقائق،‮ ‬أتت وفي يديها قماشة طويلة،‮ ‬وأمسكت رأس البنت،‮ ‬وغلفته،‮ ‬كما لو أنها تغلف علبة حلوي‮. ‬وهددتها بالعقاب إذا حضرت الحصة مرة أخري بلا حجاب،‮ ‬وكان لنا جميعاً‮ ‬نفس التهديد‮. ‬
لم تؤثر هذه الواقعة علي حياة البنت وحدها،‮ ‬بل وعلي حياتي أنا أيضاً،‮ ‬إذ استوعبتُ‮ ‬أن كل ما سأرتديه في أي مكان سوف يخضع لأحكام القوة المسيطرة عليه،‮ ‬حتي لو كان هذا المكان بلدا آخر،‮ ‬ما جعلني أضع نفسي محل المرأة التي أجبرتها الشرطة الفرنسية‮ -‬في أحد الأيام العشرة الأخيرة من أغسطس‮- ‬علي خلع البوركيني،‮ ‬وذلك بعد صدور حكم قضائي بحظر ارتدائه في شواطئ أربع مدن،‮ ‬ربما لم أكن سأخضع لطلب الشرطة بخلع ملابسي وكنتُ‮ ‬سأختار أن انجر إلي السجن طالما تمسكت بهيئتي هذه من البداية،‮ ‬لكنني في الوقت نفسه لا ألومُها علي تصرفها،‮ ‬فحسب وكالات الأنباء التي تحدثت معها،‮ ‬قالت إن من حولها ظلوا يصرخون ويصفقون وطلبوا منها العودة إلي وطنها‮.‬
تميل الاحتمالات إلي أن هذه المرأة عربية،‮ ‬وأنها من البلاد التي تشهد الآن نزاعات وحروباً،‮ ‬لذلك لم يقف أحد في صفها،‮ ‬وحين نجد أن العالم انشغل بالبوركيني الذي ارتدته،‮ ‬ولم ينشغل بالأسباب التي دفعتها إلي الاحتماء بالرجل الأبيض،‮ ‬نفهم أن الأمر ليس كما بدا لنا،‮ ‬وهذا ما يكشفه تناول إعلام أوروبا للواقعة،‮ ‬فقامت إحدي الوكالات الألمانية‮ -‬علي سبيل المثال‮- ‬باستغلال القضية لخدمة إسرائيل ودعم تأثيرها في المنطقة العربية،‮ ‬إذ أعدت تقريراً‮ ‬تعكس فيه استياء الإسرائيليين من إجبار المرأة علي خلع البوركيني لأنه يتنافي مع الحريات،‮ ‬وأن هذه من المرات النادرة التي يتفق فيها اليهود والمسلمون علي رأي‮!‬
لا يتعلق الأمر عندهم بحرية المرأة،‮ ‬بل بالجغرافيا،‮ ‬وإلا لماذا لم ينتفض العالم بسبب الجرائم التي تتعرض لها السوريات،‮ ‬ولماذا لم يصفق لهن‮ -‬علي الأقل‮- ‬كلما انتصرن في إحدي المعارك؟ فقبل واقعة البوركيني هذه،‮ ‬كانت مدينة منبج السورية تشهد تحريراً‮ ‬جللاً،‮ ‬إذ استطاع مقاتلون عرب وأكراد إنقاذ أهلها من قبضة داعش،‮ ‬وكانت مشاهد المقاتلات الكرديات بمثابة تأكيد علي أن المرأة لا تزال قادرة علي استرداد كرامتها وتحرير جسدها وأرضها معاً،‮ ‬حيث قامت النساء اللاتي فرضت عليهن داعش ارتداء النقاب بخلعه وحرقه في الطرقات،‮ ‬بينما أشعلن الكثيرات منهن السجائر لينفثن دخان العبودية‮.‬
لم تبالغ‮ ‬إذن نوال السعداوي عندما قالت‮ "‬لا كرامة لوطن تُهان فيه النساء‮"‬،‮ ‬وكانت تقصد هنا كل الأوطان،‮ ‬وكانت تقصد كل النساء وليس العربيات فقط،‮ ‬رغم أنها انحازت لهن في كثير من كتاباتها،‮ ‬لتُصحح الصورة السلبية التي انطبعت في أذهان الغرب عنهن،‮ ‬وقالت في كتابها‮ (‬قضايا المرأة والفكر والسياسة‮): "‬في بلاد أوروبا المتعددة وقفت أمام السبورة في الجامعات والمعاهد،‮ ‬وقلت لهم‮: ‬اسمعوا أيها الناس في أوروبا‮. ‬إنكم لا ترون فوق شاشتكم إلا صورتين اثنتين للمرأة العربية،‮ ‬إما المحجبة أو نصف العارية ممن تسموهن راقصات البطن،‮ ‬أو الرقص الشرقي في ملاهي السياح الأجانب‮. ‬اسمعوا أيها الناس في أوروبا‮: ‬إن المرأة العربية لا تتعري،‮ ‬ولا تخفي وجهها‮.. ‬أنا أكشف عن وجهي بكل فخر واعتزاز بنفسي وهويتي،‮ ‬والمرأة العربية إنسانة،‮ ‬وهي عقل،‮ ‬وليست مجرد جسد يُعري أو يغطي‮".‬
بالعودة إلي التاريخ،‮ ‬نجد أن أوروبا ساهمت في صنع هذه الصورة،‮ ‬حين راحت تروج لطريق رأس الرجاء الصالح الذي تم اكتشافه أواخر القرن الخامس عشر،‮ ‬وما تابع ذلك من سوء الأحوال الاقتصادية للمنطقة،‮ ‬والتي أثرت بالتبعية علي وضع المرأة،‮ ‬إذ كان يتم تصنيفها والتعامل معها وفق ما ترتديه‮. ‬وفي كتاب‮ (‬أزياء المرأة في العصر العثماني‮) ‬للدكتورة آمال المصري نعرف أن ما نتعرض له نحنُ‮ ‬النساء له جذور قديمة؛ فقد نتج عن تحويل طريق التجارة إلي رأس الرجاء الصالح فقدان الكثير من المدن العربية لمصدر ثروتها ورخائها،‮ ‬واتسعت حينها قاعدة الهرم الاجتماعي في مصر،‮ ‬وكانت ملابس النساء تعكس ‮ ‬ذلك،‮ ‬فلم تكن يمتلكن إلا ما يستر أجسادهن،‮ ‬وكان في الغالب ثوباً‮ ‬واحداً،‮ ‬لونه أزرق،‮ ‬مصنوع من الأقمشة المحلية رديئة الصنع ورخيصة الثمن،‮ ‬وكن يغطين رؤوسهن بطرحة أو ملاءة،‮ ‬وكلما تحسن وضع إحداهن،‮ ‬زادت ملابسها قطعة،‮ ‬فترتدي السروال أو البرقع مثلاً‮.‬
وقد دون الرحالة الذين زاروا مصر بعد الحكم العثماني في مذكراتهم أن الارستقراطيات ومتوسطات الحال لم تكن تخرجن بدون البرقع،‮ ‬أما الفقيرات فلم يرتدونه‮. ‬وذكرت آمال المصري أن تغطية وجه المرأة لقي اهتماماً‮ ‬شديداً،‮ ‬ولم يكن مرجع ذلك دينياً‮ ‬بقدر ما كان تقليداً‮ ‬اجتماعياً،‮ ‬فقد كانت نساء الطبقة العليا يتمسكن بالبرقع والحجاب ليختلفن عن الفقيرات‮. ‬وفي فترة الحملة الفرنسية علي مصر،‮ ‬تأثرت الكثيراث من النساء بملابس الفرنسيات‮ ‬ اللاتي‮ ‬جئن إلي القاهرة ولم يزد عددهن علي‮ ‬330‮ ‬،‮ ‬فكن يطرحن الحجاب ويتشبهن بهن،‮ ‬خصوصاً‮ ‬النساء المسيحيات ونساء الجاليات الأجنبية مثل الشوام والأرمن،‮ ‬وأيضاً‮ ‬اللاتي كانت لهن صلة بالفرنسيين‮. ‬
لا يعني ذلك أن أوروبا تتحمل المسئولية عما تعانيه المرأة المصرية بصفة خاصة،‮ ‬والمرأة العربية بصفة عامة،‮ ‬لأن النساء بمختلف دياناتهن ومجتمعاتهن وأزمنتهن تتحكم فيهن الذكورية التي حصرتها في خانة الجسد،‮ ‬إلي الحد الذي جعل الكثيراث يؤمنن بذلك،‮ ‬فتجد نساء يهاجمن نساء لمنادتهن بحقهن في أشياء لا تُطلب،‮ ‬حقهن مثلاً‮ ‬في أن يتم التعامل معهن علي اعتبار واحد فقط أنها إنسان له عقل ومشاعر وغرائز أيضاً،‮ ‬فلا يكفي أن تكون المرأة مرأة كي تؤمن بحريتها،‮ ‬وهنا أريد العودة مرة ثانية إلي الدكتورة نوال السعداوي،‮ ‬بما أنها من أشد المدافعين عن المرأة،‮ ‬ففي كتابها‮ (‬الأنثي هي الأصل‮) ‬وضعت يديها علي الأسباب التي أوصلتنا إلي هذا التدني،‮ ‬تقول‮: ‬
‮"‬كنت أندهش كلما أوغلت في قراءة تاريخ البشرية القديم،‮ ‬قبل ظهور الأديان،‮ ‬وقبل نشوء الأسرة الأبوية،‮ ‬لتلك القيمة الإنسانية الكبيرة التي كانت تتمتع بها أنثي الإنسان‮ -‬المرأة كما نسميها الآن‮- ‬والتي كانت تتزايد كلما أخذتني القراءة بعيداً‮ ‬في أقدم عصور التاريخ،‮ ‬في الفترات الأولي من حياة الإنسان البدائية‮. ‬في تلك العهود كان الإنسان طبيعياً،‮ ‬يعيش حياته كما هي،‮ ‬ويتصرف وفق رغباته ومشاعره وتفكيره،‮ ‬كان الإنسان‮ -‬ذكراً‮ ‬أو أنثي‮- ‬وحدة واحدة‮. ‬لم يكن هناك انفصال بين جسم الإنسان وعقله أو نفسه‮. ‬لم تكن الأديان قد ظهرت بعد وفصلت بين الحلال والحرام‮. ‬ولم يكن علم الفلسفة قد ظهر بعد وظهر معه الفلاسفة الذين فصلوا بين الجسم والعقل‮. ‬ولم يكن علم النفس أو السيكولوجيا قد ظهر بعد أو تلك العلوم الأخري كالبيولوجيا والفسيولوجيا وأحدثت هذه المسافات بين الجسم والنفس‮".‬
بجانب أن الإنسان استخدم الدين والعلم بطريقة باعدت بينه وبين نفسه،‮ ‬وبينه وبين نصفه الثاني،‮ ‬لقد اعتقد في أفكار كَبَّلَت من طبيعته وشوهتها أكثر،‮ ‬وبالبحث في العادات والمعتقدات نجد أنها حطت من شأن المرأة،‮ ‬وأننا لانزال نستخدمها رغم كل هذه الأزمنة ورغم كل هذا العلم ورغم كل هذا التقدم،‮ ‬ولقد قام‮ ‬الراحل محمود سلام زناتي أستاذ تاريخ وفلسفة القانون بجمع كثير من‮ (‬طرائف العادات وغرائب المعتقدات‮) ‬وهو اسم كتابه الصادر عام‮ ‬1996‮ ‬دون تنسيق فيما بينها ودون تعليق من جانبه،‮ ‬كي نكتشف بأنفسنا‮ ‬أن المرأة منذ قديم الأزل يتم تعريتها وتغطيتها وفقاً‮ ‬لما يريده الرجل‮.‬
من بين هذه العادات،‮ ‬تعري‮ ‬المرأة في بعض الأماكن المقدسة،‮ ‬فقد روي دبودور الصقلي المؤرخ الإغريقي الذي عاش في القرن الأول قبل الميلاد أن المرأة‮ ‬في مصر كانت تتعري‮ ‬حين يتم تنصيب العجل أبيس إلهاً‮ ‬،‮ ‬إذ قال‮: "‬عندما ينفق الثور المقدس‮ (‬عجل أبيس‮) ‬ويودع قبره في حفل رائع،‮ ‬يبحث الكهنة عن عجل له سمات سلفه الراحل‮. ‬وعندما يقعون علي بغيتهم،‮ ‬يُرفع عن الشعب الحداد،‮ ‬ويقود الكهنة العجل إلي نيو بوليس‮ (‬مدينة النيل‮)‬،‮ ‬حيث يعلفونه أربعين يوماً،‮ ‬ثم يودعونه‮ ‬غرفة مذهبة من سفينة حكومية ويزفونه إلي معبد‮ "‬هيفايستوس‮" ‬في منف،‮ ‬وفي هذه الأيام الأربعين يُفرض علي النساء الوقوف في مواجهته ورفع أثوابهن وكشف عوراتهن،‮ ‬وبعد ذلك يحظر عليهن التوجه إليه‮".‬
‮ ‬اختلفت القبائل والشعوب في شأن ما يجوز أن تكشفه المرأة من جسدها،‮ ‬وما يجب أن يظل مختفياً،‮ ‬بل أن اختلافهما في هذا الشأن كان من النقيض إلي النقيض،‮ ‬إذ جري العرف لدي بعض الأقوام بعدم ستر المرأة لأي جزء من جسدها،‮ ‬وتصير عارية تماماً،‮ ‬ولا يقتصر العري فيهن علي فئة دون الآخري،‮ ‬فهو يشمل الفتيات والعجائز،‮ ‬كما يشمل المتزوجات وغير المتزوجات،‮ ‬الفقيرات وميسورات الحال،‮ ‬مثلما كان لدي بعض الاستراليين الأصليين،‮ ‬وفي حوض الأمازون أيضاً‮ ‬حيث كان يغطي الرجال عوراتهم بينما تتجول النساء كما ولدتهن أمهاتهن،‮ ‬وفي أقوام أخري كانت تظل المرأة في حالة عري كامل إلي أن تتزوج فتستر عورتها فقط،‮ ‬وذكر الرحالة محمد بن عمر التونسي في كتابه‮ (‬رحلة إلي ودّاي‮) ‬أن هناك قبائل من الفرتيت لا تخفي فيها النساء عوراتهن إلا بأوراق الشجر‮.‬
بينما بلغ‮ ‬استتار المرأة لدي بعض الأقوام إلي حد أن وجودها يصبح كعدمه،‮ ‬وكان يُفرض عليها ذلك،‮ ‬وإن خالفت الأوامر تُعاقب كالمجرمين والقتلة‮. ‬ففي الفترة الواقعة بين‮ ‬1903‮ ‬و1914‮ ‬عثر المنقبون الألمان في خرائب مدينة أشور القديمة علي لوحات طينية عليها كتابة مسمارية،‮ ‬وتبين فيما بعد أنها نصوص قانونية صُدرت حوالي سنة‮ ‬1200‮ ‬ق.م،‮ ‬تفيد بأن أشور ألزمت الحرائر بتغطية رءوسهن،‮ ‬أما الإماء والعواهر فألزمتهن بكشف رءوسهن وإلا تعرضن لجزاءات قاسية،‮ ‬وجاء في أحد النصوص أن‮ "‬المومس يجب ألا تحجب نفسها،‮ ‬يجب أن تكون رأسها مكشوفة‮. ‬ومن رأي مومساً‮ ‬محجبة من واجبه أن يقبض عليها،‮ ‬ويحضرها إلي محكمة القصر،‮ ‬وسوف تُجلد‮ ‬بعصيّ‮ ‬خمسين جلدة ويصبون القار‮ (‬أثقل منتجات النفط
‮ ‬و أعلاها‮) ‬علي رأسها‮. ‬أما إذا رأي رجل مومساً‮ ‬محجبة وتركها‮ ‬تذهب دون إحضارها إلي محكمة القصر،‮ ‬فسوف يُجلد بدلاً‮ ‬منها خمسين جلدة وسوف يخرمون أذنيه ويمررون بينهما خيطاً‮ ‬يعقدونه علي ظهره،‮ ‬وسوف يعمل من أجل الملك شهراً‮ ‬كاملاً‮".‬
سرَي أيضاً‮ ‬التفرقة بين الحرة والجارية بالزي،‮ ‬ففي بابل كان يتم إلزام الأولي بارتداء الحجاب ووضع النقاب،‮ ‬وإلزام الثانية بالتعري،‮ ‬وفي الألف الثالثة قبل الميلاد‮ ‬كان من المحظور علي الزوجة الحرة الخروج من بيتها وهي مكشوفة الرأس وكان وقد بناتها يغطين رءوسهن كي يتميزن عن بنات البغايا والإماء‮. ‬أما إذا أراد الرجل أن يتزوج من إحدي الإماء،‮ ‬ألزمها بتغطية رأسها ووجها في حضرة خمسة شهود أو أكثر،‮ ‬مما يشير إلي أن وضع النقاب كان في الأصل إجراء يقصد به التمييز بين النساء تبعاً‮ ‬لطبقتهن الاجتماعية‮. ‬وقد انتشرت هذه العادة في العصر العباسي،‮ ‬و قد قدمت الباحثة العراقية واجدة الأطرقجي في كتابها‮ (‬المرأة في أدب العصر العباسي‮) ‬تفسيراً‮ ‬لذلك،‮ ‬إذ قالت‮ "‬يبدو أن الحضارة والمدنية والاختلاط بالأجانب هي التي أدت إلي التشديد في حجب الحرائر عن الرجال‮"‬،‮ ‬ما يعني أن المسلمين الذين كانوا يفرضون النقاب علي الحرائر ويعفون منه الجواري والإماء لم يكونوا في تصرفهم هذا يتبعون تعاليم الإسلام،‮ ‬وإنما كانوا يطبقون دون أن يدروا القانون الأشوري‮.‬
ويبدو أننا لا نزال نطبق القانون الأشوري في بلادنا العربية،‮ ‬حيث يتم الحُكم علي المرأة من خلال ملابسها،‮ ‬فنجد الناس ينظرون إلي المحجبة علي أنها تتحلي بالخُلق والفضيلة في حين أنها قد تكن عكس ذلك،‮ ‬وينظرون إلي‮ ‬غير المحجبة علي أنها مُباحة ولا يقف أحد في صفها إذا تعرضت إلي أي انتهاك،‮ ‬في الوقت الذي تنقلب فيه هذه النظرة في دوائر ضيقة تُصنف كمجتمعات راقية،‮ ‬تعتبر المحجبة رجعية ومتخلفة أما‮ ‬غير المحجبة متحضرة وحرة،‮ ‬وفي كلتا النظرتين يتم التعامل مع المرأة علي أنها محض جسد،‮ ‬لذا لا عجب إذا رأينا المجتمعات الأوروبية والغربية تحتقر المرأة العربية،‮ ‬وتفرض عليها قوانينها،‮ ‬طالما أنها لا‮ ‬تملك حرية اختيار ملابسها‮ ‬وحق التصرف بجسدها،‮ ‬وطالما أن الذكورية لازالت تحكم‮.‬


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.