مازال تجديد الخطاب الديني موضع نقاش بين علماء الدين، كما فرضت الخطبة المكتوبة نفسها علي سطح الأحداث وخلقت خلافات بين الأزهر ووزارة الأوقاف التي تملك المساجد وتشرف عليها.. حول هذه القضايا المهمة وقضايا أخري، حاورت »الأخبار» الدكتور أحمد عمر هاشم عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر، الذي طرح آراء صريحة وبناءة في العديد مما يمس حياة المواطنين.. وإلي نص الحوار الشائعات سلاح الفتنة .. وعلي الشعب والدولة مواجهتها الأزهر صاحب الكلمة الأولي والأخيرة في أمور الدين و الدعوة علي التجار أن يعلموا أن أمامهم يوماً يحاسبون فيه ما رأيكم في الخلاف القائم بين الأوقاف والأزهر بسبب خطبة الجمعة المكتوبة؟. المفروض ألا يقيد الإمام في المسجد بكلمات مكتوبة من فكر غيره، وكلمات تفرض فرضا عليه.. فالخطبة المكتوبة من عيوبها أن الإمام سيعتمد عليها فلا يقرأ ولا يجهز خطبته التي سيلقيها، ويكتفي بورقة مكتوبة يقرأها، فلا يطلع ولا يزيد محصوله العلمي، هذا أولا.. وثانيا: ستفرض عليه الخطبة المكتوبة موضوعا، والمفروض أن الناس في كل زمان وفي كل مكان يحتاجون إلي فكر جديد وإلي توجيه، وكما قال علماء البلاغة: مطابقة الكلام لمقتضي الحال، فأين مطابقة الكلام لمقتضي الحال هنا في هذه الورقة المكتوبة للإمام والمفروضة علي الناس؟.. والأزهر رفض الخطبة المكتوبة شكلا وموضوعا، وهيئة كبار العلماء بالأزهر بالإجماع لم يوافقوا عليها، ولم يعد أحد يخطب من ورقة لا في الأوقاف ولا في غيرها. لا خلاف ماذا تقولون لكل من الأزهر والأوقاف بسبب الخلاف القائم بينهما منذ حوالي عامين؟. أنا لا أظن أن اختلاف الرأي يفسد للود قضية، وإذا كانت هناك وجهات نظر، فالمفروض أن تنحو منحي الإخلاص للدعوة وللدين وللوطن، والأزهر يقوم بهذه الدعوة، ووزارة الأوقاف فيما أعلم أنها رضيت بما قاله الأزهر واقتنعت علي حد علمي والله أعلم. نريد منكم القول الفصل في قضية تجديد الخطاب الديني؟ تجديد الخطاب الديني معناه ليس تجديد الكلام ولا الموضوعات ولا الأحكام.. فالقرآن والسُّنَّة ثابتان إلي يوم الدين، والأحكام الفقهية هي الأحكام الفقهية، ولكن تجديد الخطاب الديني معناه أن هناك أمورا استجدت علي الساحة وتستوجب أن يسلط عليها الضوء ويبين حكم الشرع فيها، وهناك أمور لم تكن موجودة، يعني المقصود الاجتهاد، وهو ما أكده الإمام أبوحامد الغزالي في كتابة النفيس (إحياء علوم الدين).. وأنا لي كتاب عن الخطاب الديني صدر عام 2006 وضحت فيه مفهوم الخطاب الديني وخصائصه ومادته وآلياته، وأننا فعلا نحتاج تجديدا فمفهوم التجديد والتحديث، ولايعني تغيير مصدر الدين وأصوله، وإنما يعني دراسة ما استجد واستحدث علي الساحة من قضايا وإيجاد الرؤية الدينية الصحيحة والمناسبة كما قال الأئمة، حيث تكون المصلحة، فثم شرع الله.. وكان للإمام الشافعي رضي الله عنه مذهبه القديم، حيث كان في العراق، فلما جاء إلي مصر كان له مذهبه الجديد. فالتجديد لا يتنافي مع الشرع والدين، بل كما قال الرسول »صلي الله عليه وسلم»: »إن الله يبعث لهذه الأمة علي رأس كل مائة سنة من يجدد لها أمر دينها». ولا شك أن تحديث أو تجديد الخطاب الديني يتطلب التجديد بلغة العصر ويخاطب كل مجتمع بما يفهم وبما يحتاج إليه، والتجديد بلغات العالم لنشر تعاليم الإسلام في كل ربوع الدنيا لأنه دين عالمي، لابد أن يتمثل القائمون بالخطاب الديني، مفاهيمه وقيمه وأن يطبقوه علي أنفسهم قبل غيرهم ليكونوا القدوة، وعلي جميع المؤسسات الإسلامية في عالمنا أن يكونوا في تواصل ولقاء عالمي يتم من خلاله طرح المشاكل والقضايا التي تحتاج إلي آراء المجتهدين، وعلي القائمين بالخطاب الديني ألا يتعصبوا لرأي دون رأي أو ضد رأي آخر، بل عليهم أن يتسموا بالسماحة واليسر وعدم التضييق يقول الله تعالي: ».. وَمَا جَعَلَ عَليْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرجْ..». وتجديد الخطاب الديني هو إحياء ما درس من تعاليمه، وبيان ما استجد واستحدث من ظواهر وقضايا تحتاج إلي إيضاح الخطاب الديني لها، خاصة التي لم تكن موجودة في العصور الأولي، فيقاس ما لم يرد بشأنه نَص علي ما ورد بشأنه نَص، وأن نستثمر الآليات الحديثة في نشره وأن يقوم أهل العلم والاجتهاد بإبراز الحقائق الدينية السمحة والأحكام الفقهية للأمور المستحدثة. أما الأسس التي بني عليها الخطاب الديني، فهي ما حدده القرآن الكريم حين خاطب الله رسوله محمداً »صلي الله عليه وسلم» بقوله: »ادع إلي سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن» ومن هذه الأسس انطلاق الخطاب الديني من التوجيه الرباني وهو القرآن الكريم، والتوجيه النبوي من السُّنَّة الشريفة، وعليه أيضا كما يخاطب المسلمين يخاطب أيضا غير المسلمين، كما جاء في القرآن الكريم: »قل يا أيها النَّاسُ إني رسول الله إليكم جميعاً».. بل أمر الله رسوله »صلي الله عليه وسلم» بالتوجه للكافرين بالخطاب، حيث قال الله تعالي: »قُل يا أيها الكافِرون ، لا أعبدُ ما تَعبدون ، ولا أنتم عابدون ما أعبد ، ولا أنا عابدٌ ما عبدّتُم ، ولا أنتم عابدونَ ما أعبد ، لكم دينُكم وليَ دين» وأن يتسم بالسماحة والرحمة والرفق والبعد عن التشدد والعنف، فما كان الرفق في الشيء إلا زانه ولا نُزع من شيء إلا شانه. صاحب الكلمة أليس من الأفضل من أجل تجديد خطاب ديني صحيح أن يتحد الأزهر والأوقاف والإفتاء والتربية والتعليم؟. الدستور ينص علي أن الأزهر هو صاحب الكلمة الأولي والأخيرة في أمور الدين وأمور الدعوة الإسلامية.. والأزهر فيه هيئة كبار العلماء وفيه مجمع البحوث الإسلامية وهو يمثل المرجعية الدينية عبر العصور لأكثر من ألف عام، فيجب علي كل الهيئات: وزارة الأوقاف ودار الإفتاء، والتربية والتعليم، والتعليم العالي وسائر الدوائر العلمية والجامعات، أن تستجيب للقول الحق الذي يقوله الأزهر والذي يراه، ليس المقصود فردا وإنما الأزهر كله..أما بالنسبة للتربية والتعليم فدورها تنشئة النشء منذ نعومة أظافرهم علي مناهج تعليمية تربوية وسيطة فينبغي أن يكون بينها وبين الأزهر وفاق وتعاون من خلال انتدابها بعض أعضاء هيئة التدريس من جامعة الأزهر وبعض أعضاء هيئة كبار العلماء وبعض أعضاء مجمع البحوث الإسلامية بمساعدة التربية والتعليم في وضع هذه المناهج التي تتسم بالسماحة والوسطية والاعتدال. ردع التجار مارأي الدين فيمن يقومون برفع الأسعار واحتكار الدولار ومافيا الأدوية، بما يكون له تأثير سلبي علي اقتصاد البلد؟. طبعا ارتفاع الأسعار أمر لا يصح بل هو مرفوض تماما وينبغي علي التجار أن يراقبوا ربهم وأن يخشوه وأن يعملوا علي أن تكون الأسعار في متناول الجميع، ونحن نخاطب الدولة والمسئولين فيها بأن يراعوا هذا وأن يقفوا للذين يغالون في الأسعار والذين يقومون بالاحتكار أي احتكار السلع وأن يعلموا أن أمامهم يوماً سيحاسبون فيه إن لم يحاسبوا في الدنيا فسيحاسبون في الآخرة، وهذا المال الذي يأتي من غير طريق الحلال الحقيقي المشروع، هو مال حرام.. وقد نهي رب العزة عن أكل أموال الناس بالباطل لأن هذا سُحت والعياذ بالله، فيجب أن يحافظوا علي أنفسهم وعلي أقواتهم وأن يكونوا في عيشتهم في حلال وألا يغالوا في الأسعار وألا يجهدوا الفقراء والمحتاجين، بل يجب علي التجار أن يراعوا الفقراء والمحتاجين. الوقوف بالمرصاد ماذا تقولون لمروجي الشائعات لإثارة البلبلة بين المواطنين لخلق روح العداء تجاه القيادة السياسية؟. الشائعات مرفوضة ويجب أن توأد في مهدها، لأن الشائعات من أخطر الأسلحة الفتاكة التي تثير الفتن، وقد استعاذ الرسول »صلي الله عليه وسلم» من الفتن ما ظهر منها وما بطن، ودور الدولة أن تقف للشائعات بالمرصاد، و ترد علي الشائعة ببيان الحقيقة، لأن القرآن قال »... وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَي الرَّسُولِ وَإِلَي أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ ... » فدور الدولة يتمثل في أمرين، الأول: قبل أن أعاقب أصحاب الشائعات أبين لهم أنها شائعة وأنها باطلة لا أساس لها من الصحة وبيان الحقيقة، ثم أعاقب أولئك الذين يروجون الشائعات.. وعلي الشعب أن يتصدي لمروجي الشائعات وأن يقف بالمرصاد ضد نشرها. مصر أم الدنيا نصيحة لكل مصري سواء بالداخل أو بالخارج ليكون قدوة طيبة وأسوة حسنة لأسرته ولغيرها..؟ مصر هي أم الدنيا، ومصر هي كنانة الله في أرضه من أرادها بسوء قصمه الله، فيجب أن يكون أبناؤها علي هذا المستوي الرفيع بأن يكونوا قدوة في السلوك وفي الأخلاق والمعاملات، قدوة في حب الأوطان، قدوة في التصدي لكل رذيلة من الرذائل وهكذا. ما المطلوب من الداعية حتي تؤتي الدعوة ثمارها؟ المطلوب من الداعية أن يدعو إلي الله بالحكمة والموعظة الحسنة وأن يجادل بالتي هي أحسن كما قال القرآن الكريم (ادْعُ إِلَي سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ...). ثانيا: علي الداعية أن يطبق ما يدعو الناس إليه، لا أن يخالف فعله قوله، لقول الله تعالي (أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ)، فلابد أن يكون الداعية قدوة لغيره. اقتراح جميل ألا يمكن أن تعمل المؤسسة الدينية (الأزهر الشريف) علي إعداد الداعية منذ بداية المرحلة الثانوية بالمعاهد الأزهرية بإنشاء قسم خاص لذلك بجانب العلمي والأدبي؟.. ويعلم من ينتسب إليه أنه سيكون داعية ويرتدي الزي الأزهري منذ التحاقه به ويلتحق بالكليات الدعوية بدون تنسيق ويعين فور تخرجه داعية دون إخضاعه للمسابقات؟ هذا اقتراح جميل وأنا أوافق عليه تماما، لأنه عندما يأخذ الدعوة منذ شبابه ومنذ صغره ويكون ذلك برغبته، يكون غزير المعلومات وعندما يتخرج يكون فعلا داعية علي مستوي عظيم. لكني أتمني أن تحتضن الدولة هؤلاء الذين نعدهم ليكونوا دعاة المستقبل، منذ طلبهم للعلم إلي أن يكونوا في الكلية بنظام إعاشة داخلية مثل طلبة كلية الشرطة بالعناية والرعاية بجانب ارتداء الزي الأزهري، ويكون في كل كلية للدعوة مسجد ليتم التدريب فيه علي الدعوة. إلي جانب أنه عندما يتخرج لا يتصدي للدعوة مباشرة قبل أن أعده علي أيدي كبار العلماء والدعاة وكبار الباحثين من خلال محاضرات في القضايا العصرية التي تحتاج إلي بيان ومناقشة القضايا الساخنة المطروحة علي الساحة.. إلي جانب ما نعدهم به من المحاضرات والدورات ونمدهم به من الكتب والمراجع والأجهزة الحديثة لاستخدام التكنولوجيا حتي يستطيعوا الحصول علي أي معلومة يحتاجونها في عملهم.. إننا بهذا نكون قد أعددناهم إعدادا كافيا.