»فلورينس فوستير جينكينز»امرأة ثرية عاشت بمدينة نيويورك في مطلع القرن العشرين، وكانت قد ورثت عن زوجها الأول ثروة طائلة ومرض الزهري الذي انتقل إليها من الزوج العابث، الذي رحل مبكراً ولم يستطع مقاومة المرض، أما هي فقد عاشت بعده سنوات طوالا وكانت وسيلتها في مقاومة المرض حبها الجنوني للموسيقي وطموحها في أن تصبح مغنية أوبرا، رغم أنها تملك صوتاً مزعجاً بالغ الرداءة، ولكن لم يستطع أي من المقربين منها أن يصارحها بهذا الأمر!! حكاية السيدة فلورينس فوستير تحولت إلي فيلم سينمائي من بطولة ميريل ستريب والممثل الإنجليزي هيوجرانت الذي كان قد أعلن اعتزاله تقريباً ولكنه لم يقاوم فرصة مشاركة الممثلة الكبيرة في فيلم من إخراج »ستيفين فريرز»، يقدم هيوجرانت شخصية »كليربايفيلد» الزوج الحنون للسيدة فلورينس الذي يتعامل معها كطفل مدلل وعنيد، لايحتمل الإساءة أو جرح المشاعر، كلير بايفيلد الذي يلعب دوره هيوجرانت هو ممثل لم يجد فرصته،وربما كان زواجه من السيدة الثرية فرصة لكي يمارس هواية التمثيل كل يوم وكل لحظة، فهو يحاول أن يلبي كل رغباتها وإن بدت غريبة، ويبعد عنها أي مؤثر يمكن أن يعكر صفو انسجامها، ويخلق لها جواً من التفاؤل والمرح ويدعم حلمها الكبير في أن تصبح مطربة أوبرا، ومن أجل تحقيق هذا الحلم الذي يبدو مستحيلا يشتري لها إعجاب الناس، ويحيطها بالأصدقاء الذين يترفقون بها ويتظاهرون بالانبهار بسحر صوتها، وطريقتها في الغناء، ولكن الأمور تبدو وكأنها سوف تفلت من بين يديه، عندما تصر فلورينس علي أن تقيم حفلاً غنائياً في أكبر قاعة أوبرا في المدينة تلك التي لايقف عليها إلا كبار مطربي الأوبرا في العالم، ومن أجل هذا الحدث الجلل يتفق »كلير» مع عازف بيانو شاب علي أن يصاحب فلورينس أثناء تدريباتها، ويفاجأ الشاب »كونسيميه» ويلعب دوره سايمون هيلبيرج أن السيدة التي سوف يقوم بتدريبها علي الغناء، صوتها غير محتمل، ولكن أمام الكرم الشديد الذي يقدمه زوجها الحنون، لايجد كونسيميه فرصة للرفض، وفي أحد أهم مشاهده نجده ينفجر في الضحك، بعد أن سمع صوتها وأيقن أنه مقبل علي كارثة فنية، ولولا حاجته للنقود ولفرصة العزف في أكبر قاعة أوبرا في البلد لكان قد لاذ بالفرار! تقوم فلورينس رغم مرضها الشديد بالتدريب يوميا علي الغناء وتنتابها حالات من الإرهاق تستدعي الاستعانة بالطبيب، الذي يبدي دهشته بقدرتها علي مقاومة المرض الفتاك الذي تعاني منه من سنوات،ويخبره زوجها أن السر في بقائها علي قيد الحياة هو عشقها للموسيقي وحلمها في أن تكون مطربة أوبرا، وفي اليوم المخصص للحفل يسعي »كلير» بكل مايملك من حنكة وقدرة علي المراوغة ليجعل الحفل يمر بسلام ولايعكره وجود أي من النقاد المعروف عنهم الشدة والصراحة، بل إنه يعرض رشوة ضخمة علي أهم ناقد موسيقي يرفضها الرجل بعنف ، ويكتب مقالة مدمرة، ولكن يتحايل الزوج علي ذلك بشراء أعداد ضخمة من الجريدة التي تم فيها نشر المقال، ولكن كان لابد أن تصل الحقيقة إلي فلورينس وتكتشف أن الحفل كان كارثياً بجميع المقاييس وأنها تعيش وهماً خادعاً، وأن زوجها المحب كان يبذل جهدا خارقا طوال الوقت كي يبعد عنها شبح الفشل ومعرفة الحقيقة ، ولكنها في النهاية لاتحتمل وتنتهي حياتها في واحد من أجمل مشاهد الفيلم، برع فيه هيوجرانت كما برعت فيه ميريل ستريب ، ورغم أن الفيلم تم تصنيفه ضمن فئة الأفلام الكوميدية إلا أنه مفعم بالشجن وغلالة من الحزن النبيل، ويثير الفيلم عدة تساؤلات أهمها هل الحب يسمح أحيانا بمساحة من الشفقة تصل إلي خداع الحبيب ، بدلاً من أن تصدمه بواقع مؤلم لن يحتمله؟ إذا كنت تستطيع أن تخلق عالما من الخيال لتسعد به من تحب فلماذا تترك الواقع يقتله؟ شخصية الزوج التي أداها »هيو جرانت» من أكثر الشخصيات الدرامية تعقيدا، فهو حائط صد يمنع أي منغصات عن زوجته التي يعاملها كطفل صغير يمكن أن يتعرض للإيذاء من ضوء الشمس، إنه يكتسب وجوده وكيانه وسر قوته من وجوده بجانبها وتحقيق رغباتها المجنونة،وقد ارتضي هذا الدور وتجاهل طموحاته كي يساعدها علي تحقيق طموحها رغم استحالته! ومع ذلك فهو كرجل ينقصه أن يحقق رغباته مع امرأة مكتملة الأنوثة، فيمارس ذلك مع عشيقة تتمرد عليه أحيانا وتهدد بالانسحاب من حياته لأنها لا تجد أملاً في البقاء جواره! العلاقات الإنسانية في الفيلم متشابكة للغاية ولكنها شديدة الإبداع وأعتقد أن دور الموسيقي الشاب الذي قدمه باقتدار »سايمون هيلبيرج» سوف يتيح له فرصة الترشح للأوسكار كأفضل ممثل في دور ثان،بجانب أربعة ممثلين آخرين لم نصادف أيا منهم في أي فيلم سينمائي حتي الآن!