الحمد لله الذي أنعم علينا بالإسلام وشرح صدورنا للإيمان، والصلاة والسلام علي سيدنا محمد -صلي الله عليه وسلم- وعلي آله وأصحابه أجمعين.. وبعد.. يقول الله تعالي في كتابه العزيز: (وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالا وعلي كل ضامر يأتين من كل فج عميق). يقول الإمام ابن كثير في كتابه تفسير القرآن العظيم: (وأذن في الناس بالحج) أي ناد في الناس بالحج، داعياً لهم لحج هذا البيت الذي أمرناك ببنائه، فذكر أنه قال: يارب وكيف أبلغ الناس وصوتي لايصل إليهم؟ فقال: ناد وعلينا البلاغ، فقام علي مقامه، وقيل علي الحجر، وقيل علي الصفا، وقيل علي أبي قبيس، وقال: يا أيها الناس إن ربكم قد أتخذ بيتاً فحجوه، فيقال: إن الجبال تواضعت حتي بلغ الصوت أرجاء الأرض، وأسمع من في الأرحام والأصلاب، وأجابه كل شيء سمعه من حجر ومدر وشجر، ومن كتب الله أنه يحج إلي يوم القيامة، لبيك اللهم لبيك). إننا نعيش في ظلال أيام مباركة من أشهر الحج، وكلما أقبل موسم الحج اتجهت أنظار المسلمين في مشارق الارض ومغاربها واشتاقت قلوبهم إلي مهبط الوحي الذي عم البلاد، إلي الأرض التي جعلها الله مثابة للناس وآمنا. وهذا الشوق الذي يملأ قلب كل مسلم إلي بيت الله الحرام، إنما هو تحقيق لدعوة أبي الأنبياء ابراهيم- عليه الصلاة والسلام- حينما أسكن أبنه إسماعيل -عليه الصلاة والسلام- وأمه هاجر في رحاب البيت العتيق وتركهما، ثم اتجه إلي ربه يناجيه ويتضرع إليه (ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم ربنا ليقيموا الصلاة فأجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم وارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون). إن الحج ركن من أركان الإسلام، وهو آخر ما فرضه الله علي عباده من العبادات، ومن سور القرآن سورة سميت باسمه (سورة الحج) افتتحت بنداء البشرية قاطبة إلي الإيمان بالله وتذكيرهم بيوم البعث وما فيه من الهول العظيم: (يا أيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شيء عظيم) يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما أرضعت وتضع كل ذات حمل حملها وتري الناس سكاري وما هم سكاري ولكن عذاب الله شديد)، وختمت السورة بما أمتن الله به علي عباده المسلمين ومنهم حجاج بيت الله، أن اصطفاهم من بين البشر فوفقهم للإيمان وسماهم مسلمين ورفع عنهم الحرج وأمرهم بالاعتصام بحبل الله ليكونوا شهداء علي الناس يوم القيامة، بل وفي الدنيا لما عندهم من العدل والإنصاف. إن الحج عبادة جليلة ينتقل فيها المسلم ببدنه وقلبه إلي البقاع الطاهرة المقدسة التي أقسم الله بها في كتابه الكريم في قوله تعالي: (لا أقسم بهذا البلد وأنت حل بهذا البلد)، وقوله تعالي: (والتين والزيتون، وطور سنين، وهذا البلد الأمين). ومن المعلوم أنه عندما تظلنا أشهر الحج وأيامه، فإن المسلمين يتوافدون علي بيت الله الحرام من كل فج عميق، فعلي بركة الله بدأت وفود الرحمن تؤم بيت الله العتيق، علي بركة الله تسير قوافلهم يحذوها الشوق والإيمان، لتحظي ببركات أداء فريضة الحج والطواف بالكعبة المشرفة، وزيارة مسجد الحبيب -صلي الله عليه وسلم- فالحج من أعظم شعائر الإسلام وأبعدها أثراً في حياة المسلمين، إذ هو في حقيقته مؤتمر كبير، يلتقي فيه المسلمون علي تباعد ديارهم، واختلاف ألسنتهم وألوانهم، فيتعارفون ويتألفون. وفي الحج يري المسلمون المواطن الأولي التي انطلقت منها دعوة محمد -عليه الصلاة والسلام-، فيتذكرون جهاد الرسول الكريم -صلي الله عليه وسلم-، وكفاح الصحابة -رضي الله عنهم أجمعين- وصبرهم وتضحياتهم الغالية في سبيل هذا الدين المجيد. فضل الحج والعمرة الحج ركن من أركان الإسلام لقوله تعالي: (ولله علي الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ومن كفر فإن الله غني عن العالمين)، ولقوله -صلي الله عليه وسلم-: (أيها الناس إن الله قد فرض عليكم الحج فحجوا، فقال رجل: أكل عام يارسول الله؟، فسكت حتي قالها ثلاثا، فقال رسول الله -صلي الله عليه وسلم-: لو قلت: نعم، لوجبت ولما استطعتم، ثم قال: ذروني ما تركتكم، فإنما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم علي أنبيائهم، فإذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم، وإذا نهيتكم عن شيء فدعوه)، ولقوله -صلي الله عليه وسلم- أيضا: (بني الإسلام علي خمس: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدا عبده ورسوله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة وحج البيت، وصوم رمضان). ومن المعلوم أن الحج من أفضل العبادات وأجل الطاعات، وهو أحد أركان الإسلام التي لايتم دين العبد إلا بها، قال الله تعالي: (وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالا وعلي كل ضامر يأتين من كل فج عميق، ليشهدوا منافع لهم). من أفضل الأعمال: عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: (سئل رسول الله -صلي الله عليه وسلم-: (أي الأعمال أفضل: قال: إيمان بالله ورسوله، قيل: ثم ماذا؟ قال: ثم الجهاد في سبيل الله. قيل: ثم ماذا؟ قال: حج مبرور). وعن عائشة أم المؤمنين -رضي الله عنها- أنها قالت: (يارسول الله، نري الجهاد أفضل العمل، أفلا نجاهد؟ قال: لكن أفضل الجهاد حج مبرور). وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلي الله عليه وسلم- قال: (العمرة إلي العمرة كفارة لما بينهما، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة). كما أن العمرة عبادة عظيمة فيها منافع كثيرة، نذكر منها: العمرة تنفي الفقر والذنوب: عن ابن مسعود - رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلي الله عليه وسلم- (تابعوا بين الحج والعمرة، فإنهما ينفيان الفقر والذنوب كما ينفي الكير خبث الحديد والذهب والفضة، وليس للحجة المبرورة ثواب إلا الجنة). عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلي الله عليه وسلم- قال:(العمرة إلي العمرة كفارة لما بينهما، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة) الحجاج والعمار وفد الله: عن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلي الله عليه وسلم-: (الحجاج والعمار وفد الله، إن دعوه أجابهم، وإن استغفروه غفر لهم). حجاجنا الكرام: يا من يسر الله لكم الحج في هذا العام، أسأل الله أن يتقبل حجكم، وأن يردكم سالمين إلي أوطانكم، وكلنا ثقة وأمل فيكم وأنتم تنعمون بالصلاة في المسجد النبوي الشريف والطواف حول الكعبة المشرفة، أن تتذكروا أولي القبلتين وثاني المسجدين وثالث الحرمين الشريفين المسجد الأقصي الأسير، وأن تتضرعوا إلي الله أن يحفظه من كل سوء وأن يحرره من دنس الصهاينة الذين ينتهكون حرمته كل يوم.