بعدما فشلت وزارة التربية والتعليم في تطبيق تجربة الدمج في مدارس التعليم العام، منذ أن اتخذت قراراً بتطبيق الفكرة قبل خمس سنوات، قرر الدكتور الهلالي الشربيني وزير التربية والتعليم تطبيق القرار علي مدارس التعليم الفني، مع بدء العام الدراسي المقبل، في خطوة اعتبرها الكثيرون بمثابة تدمير مبكر للطلاب ذوي الاحتياجات الخاصة. وقالت مصادر خاصة بوزارة التربية والتعليم ل»آخرساعة»، إن الدمج في مدارس التعليم العام بمثابة حبر علي ورق، وهو قرار تم اتخاذه ضمن شروط الجهات المانحة للتعليم في مصر، مشيراً إلي أن القرار السابق كان قد حدد 100 مدرسة علي مستوي الجمهورية لتطبيق القرار، إلا أن ذلك لم يطبق سوي في نحو 10 مدارس فقط. وصدر أول قرار للدمج عام 2011 برقم (264) الذي لم يحدد مواصفات الإعاقة التي يعاني منها الطلاب وكان حبراً علي ورق ولم يتم تطبيقه إلي أن أدخل الدكتور محمود أبوالنصر وزير التعليم الأسبق، في مطلع عام 2015 تعديلات جوهرية علي القرار وحدد نسب الذكاء المقبولة في المدارس ودرجات الإعاقة المقبولة في المدارس. وفي 11 أغسطس الجاري أصدر الدكتور الهلالي الشربيني وزير التربية والتعليم قرارًا وزارياً لدمج الطلاب ذوي الإعاقة البسيطة بمدارس التعليم الفني، ونص علي تطبيق نظام الدمج للطلاب ذوي الإعاقة البسيطة بمدارس التعليم الفني: (الحكومية - الخاصة). كما نص القرار علي تشكيل لجنة فنية بكل مديرية، لتطبيق نظام الدمج بالتعليم الفني وتنظيم قبول الطلاب ذوي الإعاقة البسيطة الحاصلين علي الشهادة الإعدادية الراغبين في الالتحاق بمدارس التعليم الفني (الحكومية الخاصة) برئاسة مدير عام التعليم الفني بالمديرية وتختص اللجنة بفحص كل حالة، طبقًا لكافة المستندات والتقارير الطبية المعتمدة من الجهات الطبية المختصة. كما تختص اللجنة باقتراح قبول الطلاب في النوعيات المختلفة من التعليم الفني واختيار التخصص المناسب لكل حالة تعرض عليها كما يتم البت في الاستفسارات الخاصة بقبول الطلاب ذوي الإعاقة البسيطة واقتراح كل ما يضمن تيسير عملية الدمج بالمدارس ومتابعة تنفيذ ذلك. ويتضمن القرار أيضَا أن يتم قبول الطلاب ذوي الإعاقة البسيطة في مدارس التعليم الفني وفقَا لما تقرره اللجنة المشكلة ويطبق في شأن الطلاب ذوي الإعاقة البسيطة المدمجين بمدارس التعليم الفني - في حالة تعثرهم دراسياً - ما يطبق في شأن أقرانهم غير ذوي الإعاقة من لوائح وقرارات فيما لم يرد بشأنه نص بهذا القرار. من جانبه، قال عفت جوهر مستشار وزير التعليم الفني سابقاً إنه ليس ضد فكرة دمج ذوي الإعاقة في مدارس التعليم الفني، لكن المشكلة أن القرار الوزاري المشار إليه وقع في خطأ كبير وهو أنه تمت صياغته بكلمات عامة وليست محددة وهو ما يوضح أن القرار صدر بشكل غير مدروس بالمرة. وأضاف أن القرار لم يحدد مثلاً نسب الإعاقة البسيطة التي سيكون مسموحا لأصحابها بالالتحاق بالتعليم الفني، كما أن القرار لم يحدد التخصصات التي سيكون مسموحا لهؤلاء الطلاب بالالتحاق بها بمدارس التعليم الفني وكذلك لم يحدد القرار المدارس المجهزة التي يمكن أن تستقبل هؤلاء الطلاب بل تركت الأمر مفتوحاً وهذا خطأ فادح. وأوضح جوهر أن ترك المديريات لتحديد نسب الذكاء يفتح الباب أمام الواسطة وأن الوزارة كان عليها أن تضع حدوداً لتلك النسبة ليتم تعميمها علي جميع مدارس الجمهورية، مشيراً إلي أن نسب الذكاء بشكل عام تتراوح ما بين 65% إلي 85% كما هي مقررة في التعليم العام. وأشار إلي أن نائب وزير التربية والتعليم برّأ نفسه من هذا القرار رغم أنه خرج بإمضائه، ما سبَّب أزمة أخري داخل المديريات التعليمية، فهناك مديريات رفضت تنفيذ القرار كمديريتي القاهرة وكفر الشيخ اللتين أعلنتا رفضهما تطبيق القرار مع بداية الفصل الدراسي الجديد. وأوضح أن مدارس التعليم الفني غير مهيأة لاستقبال الطلاب المعاقين وكان يجب أن يحدد القرار مدارس وتخصصات بعينها فمثلاً كان لابد أن يحدد القرار دمج الطلاب داخل التعليم التجاري لأنه يعتمد فقط علي الحاسب الآلي العادي أو تخصص الزخرفة في التعليم الصناعي، مشيراً إلي أن أعدادهم تصل إلي 1800 طالب علي مستوي الجمهورية.. وأكد أن التعليم الفني لا يوجد به معلمون مؤهلون للتعامل مع ذوي الاحتياجات الخاصة، كما أن الوزارة قبل شهر من بدء الدراسة لم تعطِ أي دورات للمعلمين للتعامل معهم، موضحاً أن بقاء الطلاب المعاقين مع زملائهم العاديين في فصول واحدة في ظل أجواء التعليم الفني سيؤدي إلي كارثة تعليمية واجتماعية للطلاب. وأوضح أن الترهل الإداري الكبير داخل التعليم الفني يستحيل معه تطبيق القرار الوزاري الجديد، ففشله في التعليم العام وهو أكثر استعداداً واهتماما كان يشير إلي ضرورة تلافي أخطاء تطبيقه في التعليم العام أولا قبل التفكير في تطبيقه في مدارس التعليم الفني. فيما قال عبدالله فتوح رئيس نقابة المعلمين المستقلين بالجيزة وأحد معلمي التعليم الفني، إن الطلاب ذوي الاحتياجات الخاصة غير مؤهلين للتعامل مع المعدات والآلات المستخدمة في مدارس التعليم الفني وبالتالي القرار يعرِّض حياتهم للخطر. وأشار فتوح إلي أن التعليم الفني به 27 قسماً مختلفاً وأغلبها لا يمكن أن يستقبل أي طلاب معاقين وإن حدث فإنه ليس من الممكن أن يتخرج طالب تعلم مهنة أو حرفة جديدة ولن يستفيد منه سوق العمل، موضحاً أن تدريب ذوي الاحتياجات الخاصة حرفاً بعينها يستلزم أماكن ذات طبيعة معينة بحيث تكون هناك رعاية فائقة بهم وهذا لا يتوافر في مدارس التعليم الفني بأنواعها المختلفة. وأكد أن الطلاب الأقزام هم من يستطيعون التعامل مع معامل الوزارة علي أن يكون ذلك في قسم الزخرفة فقط، مشيراً إلي أن مصر بها مدارس للطلاب الصم وكان يجب علي الوزارة أن تتوسع فيها بدلاً من عملية الدمج التي ستفشل لا محالة. وأوضح أن الحالة النفسية للطلاب ذوي الإعاقة ستكون في أقل مستوياتها في ظل العقليات التي سيتعاملون معها وتحديداً أنهم يعيشون فترة مراهقة، كما أن حالة عدم الاهتمام بالتعليم داخل مدارس التعليم الفني تصعِّب من فرص الطلاب المعاقين علي التعلُّم، فالطلاب العاديون يعانون كثيراً من سوء مستوي التعليم. في السياق، أكد حسين إبراهيم أمين عام نقابة المعلمين المستقلة، أن قرار وزير التعليم لم يحدد نوع الإعاقة التي سيُسمح لأصحابها بالالتحاق بمدارس التعليم الفني إن كانت إعاقة ذهنية أم إعاقة جسدية. وأضاف أن الطلاب ذوي الإعاقة الذهنية من الصعب جدا دمجهم مع الطلاب الأسوياء وذلك لأنهم يحتاجون إلي نوعية معينة من مدربي العملي أو مدرسي المواد النظرية أصحاب المهارة والكفاءة العالية، والأهم من ذلك امتلاك هؤلاء الزملاء مهارة التعامل مع أبنائنا ذوي الإعاقة الذهنية وهو أمر لا يأتي بسهولة، ولكن يحتاج إلي الحصول علي دورات تدريبية مكثفة ومستمرة. وفيما يخص الإعاقات الجسدية أكد أن الفيصل فيه هو نسبة هذه الإعاقة ومكانها في الجسد، فإن كان الطالب يعاني من نسبة ضعف العضلات في إحدي القدمين أو اليدين، فهذا أمر ليس فيه إشكالية كبيرة ويمكن التعامل معه، أما إن كان فاقدا لقدم أو ذراع فهناك استحالة لدمجه نظرا لطبيعة نوعية التعليم الصناعي أو حتي الزراعي والفندقي.وأشار إلي أن مدارس التعليم الفني أساسا تفتقر إلي أهم العناصر الضرورية لإتمام عملية تدريب الطلاب علي الحرف المختلفة، فلا توجد صيانة دورية للماكينات ولا استحداث للمعدات ولا إمكانيات مادية لشراء خامات التعليم بالإضافة إلي باقي مشاكل التعليم المصري من عدم توافر وسائل تكنولوجية حديثة وتهالك البنية التحتية واختفاء تام لأبسط شروط وظروف التعليم الجيد من فصل دراسي حديث يواكب العصر وتخت محترمة لجلوس الطلاب وشبابيك للتهوية في الصيف وزجاجها سليم لحمايتهم من البرد القارس في الشتاء. ومن جانبها أبدت فاطمة تبارك رئيس قسم التطوير والجودة بإدارة الحدائق التعليمية سعادتها بالقرار الجديد موضحة أن فئة الطلاب ذوي الإعاقة البسيطة كانوا يحرمون من استكمال تعليمهم بسبب إعاقتهم وانخفاض درجاتهم في الفترات السابقة. وأشارت إلي أن المشكلة الوحيدة في هذا القرار أن الوزارة لم تفكر في مشكلة تعامل ذوي الإعاقات البسيطة مع المناهج النظرية الحالية التي يشكو الطلاب العاديين من تعقيدها.