القمح الليلة ليلة عيده.. يارب يبارك ويزيده .. هكذا كنا نغني للقمح أيام حصاده .. الآن البركة خطفها الغراب وطار.. والغراب هو الفساد الذي استشري في أماكن كثيرة، وهو المعول الذي يضرب كل نجاح في مقتل، وهو السوس الذي ينخر في عظام ومفاصل وزارات بعينها مسئولة عن غذاء المصريين .. الغراب هو هذا الفجر ( بضم الفاء ) في سرقة المال العام والدعم المخصص من الدولة لرغيف الخبز وللفلاح الذي يزرع القمح، وهذا التبجح في عدم الخوف من القانون ! الفساد تحول إلي منظومة نشطة ومتطورة الأساليب وقادرة علي هزيمة كل التكنولوجيا وتعطيلها والالتفاف عليها تحت سمع وبصر ورعاية مسئولين كبار .. منظومة الفساد تقاوم وبكل قوة واستماتة أي محاولة للإصلاح وأي وسيلة للرقابة .. منظومة الفساد ترفع شعار ( عض قلبي .. ولا تعض رغيفي ) و ( يا واخد قوتي .. يا ناوي علي موتي ) لذلك فالمعركة معها صعبة وقاسية وتحتاج حسما وبترا لا هوادة فيهما . أفراح الحصاد والتوريد تحولت إلي سباق في سرقة المال وابتكار في عمليات الاختلاس ومناورات في التعمية وطمس الحقائق، ووزارة التموين تكتفي بالتصريحات والبيانات المغلوطة وكل شيء تمام وعلي طريق الانجاز.. تحولت الفرحة إلي كابوس وشكل البرلمان لجنة لتقصي الحقائق في فساد السلعة الإستراتيجية الأهم في مصر .. ظهر الفساد جليا وأعلن عن منظومته التي تمكنت من كل شيء فحققت مكاسب غير مسبوقة في زمن قياسي يستحق تسجيله في إحدى الموسوعات العالمية ! رئيس لجنة تقصي الحقائق قال إن هناك ما يزيد علي 500 مركز تجميع للقمح بين صوامع وشون، وأن اللجنة فحصت حوالي 10 مراكز فقط من بينها، والنتيجة – ما شاء الله مبهرة - كلها فيها فساد يزكم الأنوف وصل إلي ما يقرب من نصف مليار جنيه تم اختلاسها بالتوريد الوهمي، وقال إنه لا يشك في أن باقي الصوامع لا تقل فسادا عن ما تم فحصه ناهيك عن الفساد في إجراءات التعاقد مع صوامع قطاع خاص غير مطابقة للمواصفات في الوقت الذي تملك فيه شركة الصوامع عددا كبيرا لم تستغله في التخزين لإفساح المجال للفساد المنظم مع أصحاب الصوامع الخاصة ! وبعد أن كنا نغنى للقمح .. صرنا نبكي عليه، ونبكي علي حالنا الذي تدهور بأيدي قلة من المصريين ماتت ضمائرهم فاستباحوا المال الحرام.. هل يكمل البرلمان دوره ويواصل الرقابة وكشف الفساد أم أن طبقة المصالح داخل البرلمان وخارجه ستحول دون ذلك وتترك المياه الآسنة تجري في النهر ؟