أطلقت دار الكتب والوثائق القومية، مؤخرا، موقعاً إلكترونياً تحت مسمي "الكتب خانة" بهدف جمع المادة العلمية الموجودة بدار الكتب وترقيمها إلكترونياً كي تكون متاحة للباحثين والقراء في ربوع الجمهورية. كان من بين الكتب الخمسمائة التي تم وضعها كتاب "مجموعة الرسائل" لحسن البنا، الأمر الذي أثار جدلاً واسعاً طيلة الأيام الماضية وتردد الحديث حول ضرورة حذف الكتاب ومحاسبة المسئول عن ذلك باعتباره ارتكب جريمة تستوجب العقاب. بين المنح والمنع، واختلاط الأمن بالفكر، ومواجهة الفكرة بأختها، يدور هذا التحقيق. يري الدكتور جابر عصفور، وزير الثقافة الأسبق، أن المجتمع هو الذي يختار ويحدد ما يفيده وما يضره وليس لأحد وصاية عليه في ذلك، وتابع : "يتلخص دور دار الكتب والوثائق في أنها المرجع الرئيسي لكل المهتمين بالقراءة والبحث والاطلاع وإن لم أجد كتاباً أريده في دار الكتب فأين أجده إذن؟ أنا لا أتحدث هنا عن فكر حسن البنا ولا أناقش ما كتب ولكن ما كتبه يعتبر جزءا من تراثنا الفكري والأدبي الذي يتوجب علينا الاحتفاظ به والحفاظ عليه وهذا هو دور دار الكتب في دول العالم كله. كيف يتسني لي أن أكتب كتاباً أرد فيه علي أفكار حسن البنا دون قراءة كتبه؟ وكيف يمكن أن أذهب إلي دار الكتب وأبحث عن الكتاب فلا أجده؟ هذا أمر يؤسفني ولا أقبله. أنا أقف بالمرصاد ضد أي محاولة منع أو مصادرة أو حرق كتاب، بغض النظر عن صاحبه وأخلاقياته وتفكيره. إن تراثنا مليء بالكتب التي تحتوي علي الأشياء السيئة والأفكار الظلامية الهدامة ومع ذلك يجب أن تتراص تلك الكتب علي أرفف دار الكتب التي لم تنشأ إلا لذلك. هذا المشروع لا يجب أن يتعرض للتصنيف وعليه أن يهتم بالكتب فقط دون التطرق لمواضيع جانبية من شأنها أن تفسده. لا يجب بحال من الأحوال محاسبة الموظف الذي فعل هذا لأنها ليست جريمة تستحق العقاب وهذا كلام لا يصح من الأساس، فيجب علينا ألا نخلط بين الأمن والمعرفة". بينما يري الناقد الدكتور حسين حمودة، أن دور النشر الحكومية ليست بحاجة إلي إعادة نشر بعض الكتب المضللة التي نشرت من قبل ومن الأفضل أن تتجه لنشر كتب جديدة تستحق النشر واستطرد: "مصادرة أي كتاب تمنحه فرصة توزيع وانتشار أكبر وأوسع. تجارب التاريخ كلها تثبت هذه الحقيقة: كل الكتب التي صودرت أو حوكم أصحابها انتشرت انتشاراً غير متوقع. لكن فيما يخص الكتب التي تتضمن تصورات وأفكارا هدامة، يمكن أن يتم نشرها شريطة أن تكون مصحوبة بكتب أخري تناقش ما فيها من نزعة الهدم. حرية التعبير عن أي أفكار تعني بالضرورة حرية مناقشتها، وهذا يعني عدم ترك فرصة للأفكار الظلامية لكي تنمو وتترعرع في ظلامها. الأفضل أن نخرجها للضوء وأن نناقشها في هذا الضوء، لكي يراها الناس علي حقيقتها وفي حجمها الحقيقي وأيضاً في نزوعها المضاد للحياة نفسها، وعلي ذلك كله، فأنا لست ضد نشر أي كتاب ولكني ضد التكاسل والتقاعس من المختصين الذين يجب عليهم أن يناقشوا هذا الكتاب وأن ينشروا آراءهم حوله. يمكن أن تنشر الكتب التي تسير في وجهة خاطئة في تصورنا، ولكن يجب أن ننشر تصورنا حولها، في نفس السياق وفي نفس التوقيت". الشاعر محمد إبراهيم أبو سنة تحدث عن إطلاق الحريات بشكل عام دون تقييد لها بأي وسيلة كانت وأضاف: "لقد كانت القضية المطروحة منذ فترة هي قضية حرية الرأي والتعبير والإبداع، وحق المواطن علي الدولة ومثقفيها في توفير شتي وسائل المعرفة بكافة السبل الممكنة، وهذا يرتبط بالضرورة بأهمية نشر الكتب بغض النظر عن محتواها والفصل بينها وبين الملابسات السياسية. كنت أظن أن الحديث عن حرية الفكر والمعرفة وضرورة الاستزادة من العلم والثقافة وواجب الاطلاع يتطلب أيضاً نشر الكتب التي كانت مصادرة فيما مضي. لا أعلم لماذا لم نتعلم من الماضي ولا نأخذ العظة من دروس التاريخ، فلدينا في كتاب "كفاحي" لهتلر عبرة وعظة، فقد تم منع الكتاب ومصادرته ومع ذلك وجد طريقه سريعاً في جميع دول العالم وانتشر كالنار في الهشيم فحقق مبيعات كبيرة وقراءات بالآلاف، ولم يتأثر بمنع نشره وطبعه في ألمانيا، ورغم انتشاره لم يظهر لدينا مثلاً تيار نازي جديد، لأن التفكير بهذه الطريقة واستخدام تلك العقلية لم تعد قادرة علي حل مشكلة أو نقد فكرة، والمنع لا يرد عليه إلا بالكتابة". كما تحدث أبو سنة عن أهمية المشروع كوسيلة جديدة من وسائل المعرفة وتزويد المهتمين بالشأن الثقافي من قراء وباحثين بالمادة العلمية التي يحتاجونها وأردف : "أنا مع الجانب التقني بشكل كبير، ولابد من أن تكون المعرفة متاحة لجميع أبناء الشعب من شتي طبقاته وطوائفه كي نخرج جيلاً واعياً قادرة علي البناء في مقابل ومواجهة من يهدمون، جيلاً علي علم ودراية بما يجري من حوله وهذا لن يتأتي سوي بالقراءة والدرس والاطلاع. ما أتحفظ عليه فقط هو أن يبدأ موقع "الكتب خانة" بنشر رسائل حسن البنا في الوقت الذي كان يمكنهم نشر كتب أخري أكثر قيمة علمية وثراء معرفي أمثال مؤلفات عميد الأدب العربي طه حسين والشيخ الإمام محمد عبده وغيرهم من رواد المعرفة، ولكني لا أعلم علي وجه الدقة من وضع خطة نشر الكتب علي هذا الموقع. أنا لست ضد نشر كتب حسن البنا ولابد من إتاحتها للقراءة شأنها شأن كل وسائل المعرفة التي من حق المواطن الاطلاع عليها وتفنيد ما بها من مادة علمية ثم إصدار حكمه الصحيح عليها". الكاتبة الصحفية فريدة النقاش، قالت: "مصادرة كتاب ما، أي كتاب، يعد نوعاً من أنواع القمع وضرورة فرض فكر معين واتجاه لا يحيد عنه أحد وهذا خطأ كبير، فكيف نرد علي كتاب دون قراءته، أم ترانا نفعل مثل الجهلاء الذين يصدرون الحكم علي الأشياء قبل التعرض إليها ودراستها وقد شاع ذلك التفكير كثيراً في السنوات الأخيرة. لم يعد هذا الأمر مقبولاً ومصادرة أي كتاب أو منعه هو تصرف غير مقبول ولا يصح بأي حال، والحديث عن عقاب موظف قام برفع الكتب علي الإنترنت أمر عبثي لأنه لم يفعل شيئاً يحاسب عليه، ولا أفهم كيف نتعامل بهذه الطريقة وننتهج هذا الأسلوب في تفكيرنا بعد كل هذه السنوات. يجب أن نهتم بالمعرفة والاطلاع وتزويد المواطن بما يحتاج كي يكون قادراً علي فهم العالم الذي يعيش فيه ومتابعة تغييراته والقدرة علي تفسيرها دون وصاية أو تدخل". من جهته يري د.شريف شاهين رئيس مجلس إدارة دار الكتب والوثائق القومية أن نشر الكتاب لم يكن أمرا متعمدا للنيل من سمعة دار الكتب أو الإساءة إليها، إنما كان أمرا طبيعيا، كان متبعا في الدار من قبل "فهي مسئولية قديمة، حيث لم يكن هناك شروط أو قيود علي ذلك". يقول إنه بعد التحقيق في "الواقعة" تم تشكيل لجنة دائمة لمراجعة المحتوي لكل كتاب يضاف إلي "الكتب خانة" وفق معايير وشروط محددة سلفا، ومراجعة "الجوانب الفنية" لضمان خروج الموقع بشكل فني متكامل وبالتالي تحديد المسئوليات داخل الموقع. أكد د.شاهين أن الكتاب تم رفعه من الموقع، وتم إعداد مذكرة بنتائج "التحقيق" ورفعها لوزير الثقافة "وإننا نؤكد لقارئ الكتب خانة علي أهمية هذا المشروع واستمراريته بالشكل اللائق".