سبيكة فريدة من نوعها، وصفه بالأسطورة يجعل الأمر محفوفا ببعض المخاطر، بحكم تعريف الأسطورة إذ تتقاطع مع الخيال، أو حتي الخرافة، بينما البابا شنودة كان واقعا حيا، وكان حقيقة مؤثرة، لا فى حركة وتاريخ الكنيسة المصرية فحسب، وإنما فى حركة وتاريخ وطن بأكمله فى مرحلة من أكثر مراحله دقة وخطورة. لكن فى الأسطورة قصة حقيقية، ثمة عنصر حقيقى يكمن فيها، ومن حوله يتم نسج الاضافات عبر تفاصيل تجتهد فيها أجيال وراء أجيال، من هنا تأتى أهمية رصد حياة حافلة، مثلما هو حادث فى مسيرة ومسار البابا شنودة، فى زمن معاصر، وأمام شهود عصره، والمتابعين للقصة من أول سطر فيها، وحتى النقطة التى تلت سطرها الأخير. وإذا كان ثمة اختلاف مع وصف البابا شنودة بالأسطورة، فإن مبعث ذلك إنما يتأتى من كون الإشارة إليه بالعبقرى أليق وأدق. المتابع لحياته، والراصد لمسيرته، لابد أن يجد فى الرجل ملامح العبقرية، من أكثر من زاوية، فقد تفرد فيما تصدى له، وصنع ما لم يستطع غيره، والأفعال تشهد أن لا مبالغة فى الوصف. اجتمعت له سمات عدة فرضته فى مصاف العباقرة؛ شخصية أخاذه، عقل نابغ، عزم لا يلين، رؤية ثاقبة، إحساس راق، ثم قبل ذلك وبعده، إرادة على الفعل، والإنجاز، يشهد بها حتى من اختلف معه أو عليه. أسطورة عبقرية.. أو قُل صاحب قصة حياة ومسار فريد لم يكن يقطعه إلا من كان ملتصقا بالواقع، وفى الوقت ذاته محلقا نحو آفاق لم ينشدها غيره، فصنع أسطورته بعبقرية امتزج فيها الجهد، بالتحدي، والإرادة بالمثابرة، والأمل بالاجتهاد. ........................... وبقدر ثراء شخصية البابا شنودة، وتميز مسيرته، اجتهد المؤلف فى إخراج كتابه، إلا أن أحداً لا يستطيع الإدعاء بأن دفتى كتاب واحد تجمع عبر صفحاته قصة حياة هذا العبقرى الأسطورة. غير أن كتاب اليوم يفتخر أن ضمن سلسلته هذه المحاولة الجريئة فى التصدى لحياة رجل نادر فى طرازه، نابغ فى إنجازه، متفرد فيماتصدى له عبر عمره المديد، ولعل أرقام التوزيع، ونفاد ما طبعناه فى طبعتين، خير دليل على ما نذهب إليه، صحيح أن أحمد السرساوى بذل جهداً متميزاً، إلا أن أسطورة البابا وعبقريته فى آن واحد كانت المسوغ الأول للوصول إلى عقول وقلوب القراء. تبقى إشارة لابد من مسها، فالبابا شنودة الثالث لم يكن عنوانا وراعيا للكنيسة المصرية ولا للمسيحيين فى مصر وما يتبعها، بالداخل والخارج من رعايا أقباط، لكنه كان – بحق – لكل المصريين رمزا وعنوانا. وطنية البابا شنودة كانت دائما البوصلة التى لا تغيب عن عينيه، ومن ذا الذى ينسى مقولته الرائعة: مصر ليست وطنا نعيش فيه، لكنها وطن يعيش فينا، فهذه الكلمات تلخص جوهر مشاعره الجياشة التى كانت إطارا أخلص له طوال مسيرته. هكذا كان التفكير، ثم القرار بإعادة طبع كتاب الأسطورة، بشكل استثنائى، لرجل استثنائى فى تاريخ وطنه، إذ كان للجميع، ولم يكن لأصحاب ديانة، لم يكن رأسا للكنيسة القبطية فحسب، لكنه كان أحد الرموز البارزة فى التاريخ المصرى المعاصر، عن جدارة.