عرف العرب قبل الإسلام بأكثر من مائة وخمسين عاما الشعر وكانوا أصحاب بلاغة لذلك جاءت معجزة الإسلام متمثلة في القرآن الذي لم يستطع أحد تقليده، وقد بلغ النبي صلي الله عليه وسلم قمة بشرية في البلاغة وإن يكن قد استطاع البعض تقليدها بدليل الأحاديث الموضوعة، وقد برع العرب في الخطابة والأمثال والحكم وسجع الكهان، وبرعوا أكثر في الشعر رغم تشكيك طه حسين في كتابه »الشعر الجاهلي» وقوله بأنه منحول وذلك تمهيدا منه للتشكيك في القرآن وطعن الإسلام. وقد ظهر الشعر الإسلامي بظهور البعثة النبوية وفي عهود الخلفاء الراشدين وذلك علي يد بعض الصحابة من أمثال «حسان بن ثابت» و»كعب بن مالك» و»كعب بن زهير» و»عبدالله بن رواحة» وغيرهم ممن قاموا بالدفاع عن الإسلام والدعوة له وذلك بمدح النبي وهجاء الكفار والرد علي شعراء الجاهلية. وقد تميز هذا الشعر الإسلامي بما فيه من الرؤية الإسلامية الجديدة للإنسان والكون والحياة حيث الله هو الخالق الرازق المحاسب وحده يوم البعث والقيامة، وأن الكون كله خاضع لله ومن ثم يجب أن يخضع الإنسان في كل حياته لله الواحد، أي أن الأدب الإسلامي منظومة مركزها عقيدة التوحيد، وكانت مدخلات هذه المنظومة هي آيات القرآن الكريم والأحاديث النبوية الشريفة والتي قام الشعراء في صدر الإسلام باقتباسها وتضمينها في شعرهم الذي تحول بتأثير الرؤية الإسلامية إلي موضوعات ومضامين جديدة تختلف عن الرؤية الجاهلية الوثنية التي كانت في الشعر وتجلت في أغراضه وأهمها: المدح والفخر الفردي والقبلي والفخر بالأنساب وتحبيذ الخمر وتمجيد الظلم كما تجلت الجاهلية في شعر امريء القيس الإباحي. إذ يقول: «فمثلك حبلي قد طرقت ومرضع/ فألهيتها عن ذي تمائم محول/ إذا ما بكي من تحتها انصرفت له/ بشق وتحتي شقها لم يحول».. أما تحبيذ الخمر فمثل قول «عمرو بن كلثوم» في مطلع معلقته: (ألاهبي بصحنك فأصبحينا/ ولا تبقي خمور الأندرينا)، ويقول أيضا في تمجيد الظلم: (بغاة ظالمين وما ظلمنا ولكنا سنبدأ ظالمينا).. وأما الشعراء في صدر الإسلام فقد هجروا الفخر بالقبيلة والفخر بالظلم وبالباطل ومدح النفاق والتملق وهجرواوصف الخمر ومجالس اللهو والغزل الصريح، وابتدع هؤلاء الشعراء أغراضا جديدة مبنية علي العقيدة والرؤية الإسلامية مثل شعر المغازي والفتوح والفخر بالإنتصار فيها وامتداح الفداء والجهاد في سبيل الله والإشادة بالرسول وأصحابه ورثاء الشهداء، ومن أمثلة ذلك قول حسان بن ثابت: (فينا الرسول وفينا الحق نتبعه/ حتي الممات ونصر غير محدود/ مستعصمين بحبل غير منجذم/ مستحكم من حبال الله ممدود).. ومن روائع الشعر في صدر الإسلام أيضا قول «كعب بن زهير»:" (إن الرسول لنور يستضاء به/ مهند من سيوف الله مسلول)وقد عفا النبي صلي الله عليه وسلم عنه بعد إنشاده قصيدته وأعطاه بردته فسميت القصيدة باسم البردة.. ومن أجمل المدائح النبوية أيضا قول عبدالله بن رواحة: (أنت النبي ومن يحرم شفاعته/ يوم الحساب فقد أزري به القدر).. وبعدذلك جاء عصر بني أمية والعصر العباسي وحدثت ردة إلي الجاهلية حيث تفشي الترف واللهو والمجون ودخلت الخمر والرقص إلي قصور الأمراء وأيدهم شيوخ السلطة ومداحيهم من الشعراء في مواجهتهم لسيدنا «علي» ثم قتلهم الحسين وأهل البيت من بعده، وبدأ يظهر في الشعر الغزل الإباحي علي يد «عمر بن أبي ربيعة» ثم الإنحلال الجنسي في شعر بشار بن برد وشذوذ أبي نواس ودعوته للخمر في قوله: (دع عنك لومي فإن اللوم إغراء/ وداوني بالتي كانت هي الداء/ صفراء لا تنزل الأحزان ساحتها إن مسها حجر مسته سراء)، وكذلك عاد الهجاء الفاحش مثلما في أشعار حماد عجرد وبشار بن برد إذ قال له حماد: (وأعمي يشبه القرد/ إذا ما عمي القرد) وكذلك عاد شعر المدح علي يد شعراء القصور وأصبح أكثر نفاقا وكذبا.. بل كان «بشار» شعوبيا يكره العرب لكراهيته للإسلام كما شرح ذلك «الجاحظ» في كتابه «البيان والتبيين»، بل إن لأبي العلاء المعري شعرا صريحا في الهجوم علي الإسلام والأديان ومع ذلك يقولون أن بشار وأبي نواس والمعري هم عظماء الشعر العربي ويردمون علي غيرهم ممن أحيوا الشعر الإسلامي من أمثال شعراء أهل البيت الذين أيدوا أهل البيت في شعرهم ودافعوا عنهم فلاقوا بعض ما لاقوه من سجن واضطهاد وتعذيب ومنهم الفرزدق وابن الرومي والكميت والسيد الحميري ودعبل ومهيار الديلمي والإمام الشافعي، كما ظهر في الشعر الإسلامي أيضا حُبّ الله ونبيه صلي الله عليه وسلم علي يد شعراء الصوفية رابعة العدوية وابن الفارض وغيرهما. وكذلك شعر الزهد منذ سيدنا عليّ حتي أبي العتاهية في قوله: (نح علي نفسك يا مسكين إن كنت تنوح/ لست بالباقي ولو عمرت كما عمر نوح) وقوله: (فياعجبا كيف يعصي الإله/أم كيف يجحده الجاحد/ وفي كل شيء له آية/ تدل علي أنه الواحد).. هذا هو الشعر الإسلامي وليس شعر بشار بن برد وحماد عجرد وأبي نواس.