كان داود عليه السلام يشعر بالندم لما حدث منه تجاه زوجة أوريا، والتي أنجبت له سليمان الذي ورثه في الخلافة والنبوة.. كان ضميره يؤنبه، وكلما شعر بذلك يخر ساجد اً لله حتي يرحم ضعفه، ويغفر ذنبه، وكان لايرفع رأسه إلي السماء حياء.. حتي ظن بعض من يزورونه أنه مريض وليس به مرض بل هو الحياء والخوف. وكان داود عليه السلام سعيد بابنه سليمان من (بتشيع) التي تزوجها بعد أن مات زوجه أوريا.. ومضت الأيام، وبدأ داود يشعر بالشيخوخة تدب في أوصاله، فكان اذا جلس إلي القضاء بين الناس أخذ معه ابنه سليمان الذي ظهرت عليه بواكير الذكاء والحكمة وهو لم يزل في سن الصبا. وقد ظهرت ملامح هذا النضوج المبكر لسليمان وكان مازال في الثانية عشرة من عمره، عندما اختصم رجلان.. فقد دخلت غنم أحدهما حقل الآخر وأكلت ما فيه من الزرع، وحكم داود بعد اعتراف الرجل الآخر بما حدث أن يأخذ منه الغنم بدلا من الزراعة التي أفسدها غنمه ولكن كان سليمان رأيا آخر.. وهو أن يأخذ صاحب الغنم الحقل ليصلحه، ويأخذ صاحب الحقل الغنم ينتفع بها، حتي اذا استطاع الرجال اصلاح الحقل كما كانت، تعود الأرض لصاحبها والغنم لصاحبها. وتعجب داود لذكاء ولده سليمان، وقرر أن يكون خليفته في الحكم.. غير أن ابنه »أودنيا بن داود« كان يطمع أن يرث هو الملك من أبيه، وأقام وليمة ضخمة دعا إليها إخوته ومن في القصر ليعلن نفسه ملكا علي البلاد ويبايعه اخوته.. ولم يكن داود علي علم بما يفعله ابنه (أدونيا).. وعندما علم من زوجته أم سليمان بما يفعله ابنه، طلب الكاهن وبعض رجاله وأمرهم أن يركب سليمان علي بغلة داود، وأن تنفخ الأبواق، ويهتف الناس بحياة سليمان، وأمر أن يكون هو الخليفة له، وهنا هرب (أودنيا) والتجأ إلي المعبد ولم يخرج منه الا بعد أن عفا عنه أخوه سليمان، وتولي سليمان الملك وخر داود ساجدا لربه.
وكانت من وصايا داود لابنه سليمان يابني: إياك والهزل فإن نفعه قليل ويهيج العداوة بين الاخوة. وإياك والغضب يستخف بصاحبه. وعليك بتقوي الله وطاعته فإنهما يغلبان كل شيء، وإياك وكثرة الغيرة علي أهلك من غير شيء فإن ذلك يورث سوء الظن بالناس وان كانوا برآء، واقطع طمعك عن الناس فإن ذلك هو الغني. وإياك والطمع فإنه الفقر الحاضر، وإياك وما يعتذر منه من القول والفعل، وعود نفسك ولسانك الصدق، والزم الإحسان في قولك وعملك، فإن استطعت أن يكون يومك خيرا من أمسك فافعل، وصل صلاة مودع، ولاتجالس السفهاء، ولاترد علي عالم، ولا تماره في الدين، واذا غضبت فألصق نفسك بالأرض، وتحول من مكانك وارج رحمة الله فإنها وسعت كل شيء«.
لقد أنعم الله علي نبيه داود بكثير من النعم.. فالجبال قد سخرها الله تعالي لتسبح مع داود بكرة وعشيا.. وعلم منطق الطير كما جاء في سورة النمل: : وورث سليمان داود وقال أيها الناس علمنا منطق الطير وأوتينا من كل شيء«. ومن أنعم الله عليه أن آلان له الحديد، وأتاه الحكمة وفصل الخطاب. ومن نعم الله عليه أن أعطاه الزبور يقول الشيخ عبدالوهاب النجار عن الزبور وهو يلقي الضوء عليه كما جاء في القرآن الكريم »وآتينا داود زبورا«.. وهو عبارة عن قصائد وأناشيد تتضمن تسبيح الله وحمده والثناء عليه والتضرع له وبعض أخبار مستقبله كما قال تعالي: »ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون«. أي أنه تضمن الاخبار بشأن الآتي وهو محمد صلي الله عليه وسلم وأصحابه كما في الزبور الخامس والأربعين، وكان داود عليه الصلاة والسلام حسن الصوت، حسن الإنشاد، حتي أنه إلي اليوم مضرب للمثل بحسن الصوت فيقال للحسن الصوت. أنه أعطي مزامير داود (عليه السلام). والزبور يسمي عند أهل الكتاب المزامير وعددها مائة وخمسون مزمورا، وليست كلها لداود، بل بعض المزامير منسوبة (لقورح) امام المغنين.. وبعضها منسوب إلي داود، وبعضها منسوب للمغنين علي السوسن وبعضها غير منسوب، والكثير منها منسوب إلي داود.. وليس في الزبور أحكام ولا أوامر ولانواه بل كله كما وصفنا. وبعض المزامير ألف بعد داود بمئات السنين كالمزمور الذي أوله: - »علي أنهار بابل.. فإنه ألف بعد سبي الإسرائيليين إلي بابل في حادثة بختنصر.
ويقول باحثنا عبدالوهاب النجار: - وكانت مدة ملك داود أربعين سنة منها سبعة أعوام وهو ملك في جبرون - لسبط يهوذا وحده ولاسرائيل كلهم.. ثلاث وثلاثون سنة ملكا لجميع اليهود في صهيون، وجعل ابنه سليمان ولي عهده قبل أن يموت ومات وهو شيخ كبير جدا. ويحدثنا عن مكان العبرة من قصص داود بالآتي: أولا: أن داود عليه السلام اختاره الله تعالي ليفعل العجائب بيده، ولم يكن من أهل تلك الأفعال لأنه كان غلاما راعيا للغنم فقتل الله تعالي بيده جالوت الجبار الذي تحامته الأبطال، ولم يقاتله بسيف ولارمح، ولم ينزل إليه بدرع ولاترس وإنما قتله بحجر أرسله من المقلاع فكان ذلك أدل علي قهر الله للجبابرة بأحقر الأشياء علي يد أضعف العباد. ثانيا: أن الشخص الضعيف لاينبغي أن ييأس من النجاح وإحراز اسباب الفلاح مادام معتصما بأسباب التقوي والشكر لنعم الله تعالي. ثالثا: ان انتصار داود لم يغير من طباع داود ولم يذهب به مذهب أهل الكبرياء، بل لم يزده الأمر إلا تواضعا، وكان الله يرفعه درجات كلما تواضع وشكر. رابعا: ان طاعة الله تعالي وشكر نعمه مما يوجب المزيد منها. فإن الله تعالي لما رأي طاعة داود وشكره زاده من نعمه، فألان له الحديد، وعلمه صنع الدروع المسرودة. لتحصن الناس من البأس، وأنعم عليه بولده سليمان الذي ورثه ملكه وعلمه وحكمته. مراجع قصص الأنبياء عبدالوهاب النجار قصص من الكتب المقدسة عبدالحميد جودة السحار قصص الأنبياء ابن كثير الرسالات الكبري سنية قراعه حياة وأخلاق الأنبياء والرسل أحمد الصباحي عوض الله صفوة التفاسير محمد علي الصابوني