قنا.. انقلاب ميكروباص يخلف 24 مصابا بمركز قفط    أسعار الذهب اليوم في السعودية وعيار 21 الآن ببداية تعاملات السبت 26 يوليو 2025    سعر المانجو والبطيخ والفاكهة في الأسواق اليوم السبت 26 يوليو 2025    الإسماعيلية تكشف تفاصيل مهرجان المانجو 2025.. الموعد وطريقة الاحتفال -صور    التنمية المحلية: بدء تنفيذ مشروع تطوير شارع إبراهيم بمنطقة الكوربة    وزير الخارجية يختتم جولته الأفريقية بشراكة اقتصادية تحقق التكامل بين مصر والقارة السمراء    مع تعثر التهدئة، حماس تستنفر عناصر تأمين الرهائن خشية هجوم إسرائيلي مباغت    فلسطين.. جيش الاحتلال يقتحم بلدة المغير شرقي رام الله بالضفة الغربية    ترامب: لدينا فرصة للتوصل لاتفاق تجاري مع الاتحاد الأوروبي    "الجبهة الوطنية": دعوات التظاهر أمام السفارات المصرية تخدم أجندات مشبوهة    هآرتس: ميليشيات المستوطنين تقطع المياه عن 32 قرية فلسطينية    رد ساخر من كريم فؤاد على إصابته بالرباط الصليبي    تقرير يكشف موعد جراحة تير شتيجن في الظهر    رسميًا.. دي باول يزامل ميسي في إنتر ميامي الأمريكي    تردد قناة الأهلي الناقلة لمباريات الفريق بمعسكر تونس    "هما فين".. خالد الغندور يوجه رسالة لممدوح عباس    "مستقبل وطن دولة مش حزب".. أمين الحزب يوضح التصريحات المثيرة للجدل    «الداخلية» تنفي «فيديو الإخوان» بشأن احتجاز ضابط.. وتؤكد: «مفبرك» والوثائق لا تمت بصلة للواقع    الحماية المدنية بالقليوبية تسيطر على حريق كابينة كهرباء بشبرا| صور    إصابة 24 شخصًا إثر انقلاب ميكروباص في قنا    بعد أقل من شهرين من فراق نجله.. وفاة والد أحمد المسلماني تاجر الذهب برشيد    تامر حسنى يقدم ريمكس "Come Back To Me" مع يوسف جبريال فى العلمين    "الذوق العالى" تُشعل مسرح مهرجان العلمين.. وتامر حسنى: أتشرف بالعمل مع منير    فلسطين.. شهيدة وعدة إصابات في قصف إسرائيلي على منزل وسط غزة    «مش عارف ليه بيعمل كده؟».. تامر حسني يهاجم فنانا بسبب صدارة يوتيوب .. والجمهور: قصده عمرو دياب    بعد «أزمة الحشيش».. 4 تصريحات ل سعاد صالح أثارت الجدل منها «رؤية المخطوبة»    مستشفى الناس تطلق خدمة القسطرة القلبية الطارئة بالتعاون مع وزارة الصحة    «لو شوكة السمك وقفت في حلقك».. جرب الحيلة رقم 3 للتخلص منها فورًا    محمد رياض يستعرض معايير التكريم بالمهرجان القومي للمسرح: لا تخضع للأهواء الشخصية    محافظ شمال سيناء: نجحنا في إدخال عدد كبير من الشاحنات لغزة بجهود مصرية وتضافر دولي    ترامب يحذر الأوروبيين من أمر مروع: نظموا أموركم وإلا لن تكون لديكم أوروبا بعد الآن    تامر حسني يهاجم عمرو دياب بعد تصنيف الهضبة لألبومه "لينا ميعاد": أنا تريند وأنت تحت    سعر الدولار اليوم أمام الجنيه والعملات العربية والأجنبية السبت 26 يوليو 2025    ليكيب: برشلونة يتوصل لاتفاق مع كوندي على تجديد عقده    خبر في الجول - اتفاق مبدئي بين بيراميدز وبانيك لضم إيفرتون.. ومدة التعاقد    رد فعل مفاجئ من كريم فؤاد بعد أنباء إصابته بالصليبي (صورة)    إحباط تهريب دقيق مدعم ومواد غذائية منتهية الصلاحية وسجائر مجهولة المصدر فى حملات تموينية ب الإسكندرية    أحمد السقا: «لما الكل بيهاجمني بسكت.. ومبشوفش نفسي بطل أكشن»    هاكل كشري بعد الحفلة.. المطرب الشامي يداعب جمهوره في مهرجان العلمين    روعوا المصطافين.. حبس 9 متهمين في واقعة مشاجرة شاطئ النخيل في الإسكندرية (صور)    وزير الأوقاف: الحشيش حرام كحرمة الخمر سواء بسواء والادعاء بحِلِّه خطأ فادح    أخبار كفر الشيخ اليوم.. شاب ينهي حياة آخر بسبب خلاف على درجة سلم    6 أبراج «الحظ هيبتسم لهم» في أغسطس: مكاسب مالية دون عناء والأحلام تتحول لواقع ملموس    تنسيق الثانوية العامة 2025.. التعليم العالي: هؤلاء الطلاب ممنوعون من تسجيل الرغبات    باحثة في قضايا المرأة: الفتيات المراهقات الأكثر عرضة للعنف الرقمي    عقود عمل لذوي الهمم بالشرقية لاستيفاء نسبة ال5% بالمنشآت الخاصة    مشروبات طبيعية تخفض ارتفاع ضغط الدم    الجلوكوما أو المياه الزرقاء: سارق البصر الصامت.. والكشف المبكر قد يساهم في تجنب العمى الدائم    يسرى جبر: حديث السقاية يكشف عن تكريم المرأة وإثبات حقها فى التصرف ببيتها    عالم أزهري: خمس فرص ثمينة لا تعوض ونصائح للشباب لبناء المستقبل    برلماني: الدولة المصرية تُدرك التحديات التي تواجهها وتتعامل معها بحكمة    رددها الآن.. أفضل أدعية لاستقبال شهر صفر 1447 هجريًا    جامعة دمنهور الأهلية تعلن فتح باب التسجيل لإبداء الرغبة المبدئية للعام الجديد    وزير الاستثمار والتجارة الخارجية يلتقي مسؤولي 4 شركات يابانية لاستعراض مشروعاتها وخططها الاستثمارية بالسوق المصري    أسعار الأرز في الأسواق اليوم الجمعة 25-7-2025    الحكومية والأهلية والخاصة.. قائمة الجامعات والمعاهد المعتمدة في مصر    متحف الفن المعاصر بجامعة حلوان يستعد لاستقبال الزوار    شائعات كذّبها الواقع    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الثعالبي‮.. ‬أديب العرب
يوميات الأخبار
نشر في أخبار الحوادث يوم 07 - 05 - 2014

بين الحين والآخر اخصص أياماً‮ ‬لاستعادة أديب أو مفكر ارتبطت به وأعجبت،‮ ‬أخصص شهراً‮ ‬علي سبيل المثال للجاحظ،‮ ‬للتوحيدي،‮ ‬للتيفاشي،‮ ‬لشاعر عظيم مثل ابو العلاء أو المتنبي،‮ ‬هل هو الحنين الملازم لآخر العمر؟،‮ ‬الرغبة في زيارة الاماكن الحميمة،‮ ‬في مقابلة الصحب الذين فرقت بيننا وبينهم الخطوب والظروف؟،‮ ‬ربما،‮ ‬هكذا بدأت استعادة الثعالبي أحدأ أكبر الأدباء العرب في القرن الرابع الهجري‮.‬
للثعالبي ركن بأكمله في مكتبتي،‮ ‬كل ما صدر له أو عنه‮. ‬عاش عمراً‮ ‬مديداً،‮ ‬تجاوز الثمانين،‮ ‬وكما طال عمره،‮ ‬فقد تعددت مؤلفاته،‮ ‬إذ تعدت الثمانين مصنفاً،‮ ‬كلها حول الادب واللغة والتاريخ،‮ ‬دون فيها ملامح عصره،‮ ‬ومعارفه،‮ ‬ورسم صورة واضحة المعالم لأعلامه وكتابه وشعرائه،‮ ‬وصلنا معظمها،‮ ‬مثل‮ ‬يتيمة الدهر في شعراء العصر،‮ ‬وفقه اللغة،‮ ‬وسر العربية،‮ ‬والتعريض والكناية،‮ ‬والمبهج،‮ ‬والتمثيل والمحاضرة،‮ ‬وخاص الخاص،‮ ‬والاعجاز والإيجاز،‮ ‬والنوادر والتعليقات،‮ ‬والمطربات المرقصات،‮ ‬وغيرها‮.‬
ولد في نيسابور سنة ثلاثمائة وخمسين،‮ ‬وتوفي بها سنة اربعمائة وثلاثين،‮ »‬‬نسب إلي الثعالب لأنه عمل في خياطة جلودها،‮ ‬المعلومات عن حياته شحيحة،‮ ‬ضئيلة،‮ ‬وما جاء عنه في كتب التراجم سطور عامة لا تلقي ضوءاً‮ ‬كافيا،‮ ‬ولا تشفي‮ ‬غليلا‮.‬
يقول ابن خَلكّان في موسوعته و»فيات الأعيان‮«
‮«كان في وقته راعي تلعات العلم،‮ ‬وجامع اشتات النّثْر والنظم،‮ ‬رأس المؤلفين في زمانه،‮ ‬وامام المصنفين بحكم اقرانه،‮ ‬سار ذكره سير المثل،‮ ‬وضربت اليه آباط الإبل،‮ ‬وطلعت دواوينه في المشارق والمغارب‮»‬..‬
اما تلميذه وربيبه عليّ‮ ‬بن الحسن الباخرزي فلم‮ ‬يزد علي أن قال في حقه‮:‬
‮«جاحظ نيسابور،‮ ‬وزبدة الاحقاب والدهور،‮ ‬لم تر العيون مثله،‮ ‬ولا أنكرت الاعيان فضله،‮ ‬وكيف‮ ‬ينكر وهو المزن‮ ‬يحمد بكل لسان،‮ ‬أو‮ ‬يستر وهو الشمس لا تخفي بكل مكان،‮ ‬وكنت وانا بعد فرخ أزغب،‮ ‬في الاستضاءة بنوره أرغب‮..»‬‬
اما الحصري صاحب كتاب زهر الآداب،‮ ‬فقال عنه‮:‬
‮«وابو منصور هذا‮ ‬يعيش إلي وقتنا هذا،‮ ‬وهو فريد دهره،‮ ‬وقريع عصره،‮ ‬ونسيج وحده،‮ ‬وله مصنفات في العلم والادب،‮ ‬تشهد له بأعلي الرتب‮»‬.‬
هكذا،‮ ‬مجرد اوصاف عامة،‮ ‬لكن ما من تفاصيل عن اطوار حياته،‮ ‬او الاعمال التي مارسها،‮ ‬أو البلاد التي رحل اليها،‮ ‬كان ناثراً‮ ‬فذا،‮ ‬وشاعرا رقيقا،‮ ‬ومن كتبه التي وصلتنا،‮ ‬وطبعت اكثر من مرة،‮ ‬كتاب‮ «ثمار القلوب في المضاف والمنسوب‮»‬ ‬حققه محمد ابو الفضل ابراهيم،‮ ‬وصدر في سلسلة ذخائر العرب عن دار المعارف بمصر،‮ ‬كتاب ضخم‮ ‬يقع في ثمانمائة صفحة،‮ ‬خصصه لذكر اشياء مضافة ومنسوبة الي اشياء مختلفة‮ ‬يتمثل بها،‮ ‬ويكثر استخدامها في اللغة،‮ ‬مثل القول،‮ ‬غراب نوح،‮ ‬ونار ابراهيم،‮ ‬وذئب‮ ‬يوسف،ومثل قولهم،‮ ‬قرطا مارية،‮ ‬وتفاح الشام،‮ ‬وورد جُور‮..‬،‮ ‬قسم الكتاب الي واحد وستين بابا،‮ ‬الابواب الخمسة الاولي‮ ‬يمكن اعتبارها مفتتحا ذا طابع ديني،‮ ‬الاول‮ ‬يذكر فيه ما‮ ‬يضاف الي اسم الله تعالي،‮ ‬مثل القول‮ «بيت الله‮»‬‬،‮ ‬والمقصود الكعبة بيت الله الذي جعله الله مثابة للناس،‮ ‬وقبلة لسيد ولد آدم وخاتم الانبياء عليهم الصلاة والسلام،‮ ‬وكعبة لأمته،‮ ‬ويقول ان العرب في الجاهلية كانت لا تبني بنياناً‮ ‬مربعاً‮ ‬تعظيماً‮ ‬للكعبة،‮ ‬ثم‮ ‬يذكر خصائصه،‮ ‬ومنها أنه بواد‮ ‬غير ذي زرع ولا شجر،‮ ‬وينثني فيه الذئب عمن‮ ‬يطارده،‮ ‬ولا‮ ‬ينزله الحمام الا إذا كان عليلاً،‮ ‬وإذا حاذاه الطير انقسم الي فريقين،‮ ‬ثم‮ ‬يقول الثعالبي،‮ ‬ومن‮ ‬يستطيع الاحاطة بفضائل بيت الله وخصائصه‮.‬
الأنبياء
يقال‮ «سفينة نوح‮»‬ ‬تضرب مثلا للشئ‮ ‬الجامع،‮ ‬لان نوحا حمل فيها من كل زوجين اثنين،‮ ‬ويقال ايضاً‮ «غراب نوح‮»‬ ‬يضرب مثلاً‮ ‬للرسول الذي لا‮ ‬يعود،‮ ‬وكان أهل البصرة‮ ‬يقولون‮: ‬فلان لا‮ ‬يرجع حتي‮ ‬يرجع‮ ‬غراب نوح،‮ ‬ويقال عمر نوح،‮ ‬يضرب مثلا في الطول،‮ ‬وينسب إلي سيدنا ابراهيم،‮ «مقام ابراهيم‮»‬ ‬كناية عن كل مكان شريف،‮ ‬و‮ «نار ابراهيم‮»‬ ‬للبرد والسلامة‮. ‬اما‮ «رؤيا‮ ‬يوسف‮»‬ ‬فيضرب بها المثل علي الرؤية الصحيحة،‮ ‬الصادقة،‮ ‬و»ذئب‮ ‬يوسف‮»‬ ‬يقال لمن‮ ‬يرمي بذنب جناه‮ ‬غيره وهو بريء،‮ ‬ويقال‮ «عصا موسي‮»‬ ‬يورد الثعالبي قول الجاحظ‮: «من‮ ‬يستطيع ان‮ ‬يدعي الاحاطة بما في قول موسي‮ «ولي فيها مآرب أخري‮»‬ ‬الا بالتقريب وذكر ما خطر علي البال‮! ‬ولكنني سأذكر جملاً‮ ‬تدخل في باب الحاجة إلي العصا،‮ ‬فمنها‮: ‬أنها تحمل للحية والعقرب والذئب والفحل الهائج ويتوكأ عليها الشيخ الدالف،‮ ‬والسقيم المدنف،‮ ‬والاقطع الرَّّجل،‮ ‬والاعرج،‮ ‬وتنوب للاعمي عن قائده‮.... ‬الخ‮»‬. ‬وممن ضرب المثل بعصا موسي فأحسن وأبدع،‮ ‬ابن الرومي حيث قال‮..‬
مديحي عصا موسي وذلك أنني
ضربت به بحر الندي فتضحضحا
فياليت شعري إن ضربت به الصفا
أيبعث لي منه جداول سُيَّحاً‮!‬
كتلك التي اندت ثري الأرض‮ ‬يابسا
وأبدت عيونا في الحجارة سُفحا
سأمدح بعض الباخلين لعله
إن اطّردَ‮ ‬القياس ان‮ ‬يتسمحّا
ويقول الثعالبي ان ابن الرومي ابدع اذ شبّه مديحه بعصا موسي التي ضرب بها البحر فيبس،‮ ‬ذلك انه مدح جوادا فبخل،‮ ‬فقال،‮ ‬سأمدح بخيلا لعله‮ ‬يجود ويقال‮ «خليفة الخضر‮»‬ ‬إذا كان الرجل جوّالا،‮ ‬جوّابا للآفاق،‮ ‬كما قال ابو تمام عن نفسه‮:‬
خليفة الخضر من‮ ‬يأوي الي وطن
في بلدة فظهور االعيس أوطاني
ثم قال‮:‬
بالشام قومي وبغداد الهوي وأنا
بالرَّقتّيِنْ‮ ‬وبالفسطاط أخواني
وما أظن النوي ترضي بما صنعت
حتي تسافر بي أقصي خراسان
ومما‮ ‬ينسب إلي الانبياء‮ ‬،‮ «صبر ايوب‮»‬‬،‮ ‬و‮ «حوت‮ ‬يونس‮»‬ ‬و‮ «نغمة داود‮»‬ ‬و‮ «خاتم سليمان‮»‬ ‬و‮ «طب عيسي‮»‬‬،‮ ‬و‮ «بردة النبي‮»‬ ‬التي‮ ‬يضرب بها المثل في البِلي‮. ‬وهي التي خلعها الرسول الكريم وكساها كعب بن زهير بعد أن انشده قصيدته المشهورة‮.‬
القرون الأولي
والمقصود بها الازمنة النائية المنقرضة،‮ ‬يقال‮ «احلام عاد‮»‬‬،‮ ‬كانت العرب تتصور ان قوم عاد عمالقة الاجسام،‮ ‬وبالتالي كانت احلامه ضخمة كأجسادهم‮. ‬اما‮ «ريح عاد‮»‬ ‬فتضرب مثلا للاهلاك وللافناء،‮ ‬اما‮ «صاعقة ثمود‮»‬ ‬فتضرب ايضاً‮ ‬مثلا في الابادة،‮ ‬ويقال‮ «صرح هامان‮»‬ ‬للابنية الشاهقة،‮ ‬و‮ «كنوز قارون‮»‬ ‬للأموال والثروات النفيسة،‮ ‬و‮ «نوم اصحاب الكهف‮»‬ ‬للنوم الطويل،‮ ‬ومن أقوال العرب‮ «جوف حمار‮»‬ ‬كان رجلا من عاد،‮ ‬يقال له حمار بن مويلع،‮ ‬وجوفه واد له طويل عريض،‮ ‬لم‮ ‬يكن هناك اخصب منه وفيه من كل الثمار،‮ ‬فخرج بنوه‮ ‬يتصيدون،‮ ‬فاصابتهم صاعقة فهلكوا،‮ ‬فكفر،‮ ‬وقال‮: ‬لا أعبد من فعل هذا ببني ودعا قومه إلي الكفر فمن عصاه قتله،‮ ‬فاهلكه الله،‮ ‬وخربّ‮ ‬واديه،‮ ‬فضرب به المثل في الخراب والخلاء‮.‬
ومما‮ ‬يضرب به المثل‮ «ذكاء إياس‮»‬. ‬كان قاضيا شديد الذكاء،‮ ‬كان في صغره ضعيفا،‮ ‬ضئيلا،‮ ‬وكان له أخ اشد منه حركة وأقوي،‮ ‬وكان ابوهما‮ ‬يقدمه علي اياس،‮ ‬فقال له اياس‮ ‬يوما‮: ‬يا أبت،‮ ‬أنت تقدم أخي علي وسأضرب لك مثله ومثلي،‮ ‬فهو مثل الفرّوج حين تنفلق عنه البيضة‮ ‬يخرج كاسيا كافيا نفسه فيلقط ويستخفه الناس،‮ ‬فكلما كبر انتقص حتي إذا تم وصار دجاجة لم‮ ‬يصلح إلا للذبح،‮ ‬وأنا مثل فرخ الحمام تنفلق عنه البيضة عن شئ ساقط لا‮ ‬يقدر علي حركة وأبواه‮ ‬يغذيانه حتي‮ ‬يقوي ويثبت ريشه ثم‮ ‬يحسن بعد ذلك ويطير‮. ‬ويتخذه الناس ويرسلونه من المواضع البعيدة،‮ ‬فيجيئ فيضان لذلك ويكرم،‮ ‬فقال ابوه‮: ‬احسنت المثل،‮ ‬وقدمه علي أخيه،‮ ‬وحج اياس‮ ‬يوماً‮ ‬فسمع نباح كلب،‮ ‬فقال‮: ‬هذا كلب مشدود‮. ‬ثم سمع نباحه فقال‮: ‬لقد أرسل،‮ ‬فلما انتهوا من الماء سألوا اهله،‮ ‬فكان كما قال،‮ ‬عندئذ سألوه‮: ‬كيف عرفت؟‮. ‬فقال‮: ‬كان نباحه وهو موثق‮ ‬يُسمع من مكان واحد،‮ ‬فلما اطلق سمعته‮ ‬يقرب مره ويبعد مرة‮.. ‬ومر ذات ليلة بناحية،‮ ‬فقال‮: ‬اسمع نباح كلب‮ ‬غريب،‮ ‬فقيل له‮: ‬كيف عرفت؟ قال‮: ‬بخضوع صوته،‮ ‬وشدة نباح الآخر‮.‬
ورأي‮ ‬يوماً‮ ‬أثر رعي بعير فقال‮: ‬هذا بعير أعور فقيل له‮: ‬من اين علمت‮!.‬
فقال‮: ‬لاني وجدت رعية من جهة واحدة‮.‬
الرجال
ومما‮ ‬يضرب وينسب إلي رجالات‮ ‬العرب،‮ «شيبة الحمد‮»‬‬،‮ ‬كان‮ ‬يقال ذلك لعبد المطلب بن هاشم لنور وجهه،‮ ‬ذلك انه كانت في ذؤابته شعرة بيضاء حين وُلِد‮. ‬اما‮ (‬حاتم الطائي‮) ‬فكان من اكرم العرب،‮ ‬وقيل‮ «دُعَيميص الرَّمل‮»‬ ‬لرجل كان من أمهر أدلة الطرق،‮ ‬ضرب به المثل فقيل‮ «أهدي من دعيميص الرمل ويقال أنه دخل وبار،‮ ‬وهي بلدة تزعم العرب أنها بلدة الجن ولم‮ ‬يدخلها إنسي‮ ‬غيره،‮ ‬فرمته الجن بالرمل حتي عمي،‮ ‬اما‮ «وافد البراجم‮»‬ ‬فيضرب به المثل في الشقاء والجبن،‮ ‬ذلك أن اسعد بن المنذر أخا عمرو بن هند انصرف ذات ليلة من مجلس صفائه وهو ثّمِل،‮ ‬فرمي رجلا من بني دارم بسهم فقتله فوثب عليه بنو دارم فقتلوه،‮ ‬فغزاهم عمرو بن هند،‮ ‬وقتل منهم مقتلة عظيمة ثم اقسم ليحرقن منهم مائة فبذلك سمي محرقا،‮ ‬وأخذ منهم تسعة وتسعين رجلاً‮ ‬فقذفهم في النار،‮ ‬وأراد أن‮ ‬يبر قسمه بمن تكمل به العدة فمرّ‮ ‬رجل‮ ‬يقال له عمّار،‮ ‬من بني مالك،‮ ‬فتشمم رائحة اللحم،‮ ‬فظن أن الملك اتخذ طعاماً‮ ‬للاضياف،‮ ‬فعرج اليه،‮ ‬فأتي به‮. ‬فقال له‮: ‬من أنت؟ فقال‮: ‬أبيت اللعن،‮ ‬أنا وافد البراجم،‮ ‬فقال عمرو‮: ‬ان الشقي وافد البراجم،‮ ‬فصار مثلا للشقي‮ ‬يسعي بقدمه إلي مراق دمه،‮ ‬ثم أمر به فقذف به في النار ليتحقق قسمه ويقال‮ «حمق هنبقة‮»‬. ‬وهو‮ ‬يزيد من ثروان أو هبنقة ذو الوداعات،‮ ‬من حمقه أنه جعل في عنقه قلادة من ودع وعظم وخزف وهو ذو لحية طويلة،‮ ‬فسئل عنها فقال‮: ‬لأعرف بها نفسي‮. ‬فبات ذات ليلة وأخذ اخوه قلادته فتقلد بها فلما اصبح هنبقه رأي القلادة في عنق أخيه،‮ ‬فقال له‮: ‬يا أخي،‮ ‬إن كنت انت انا،‮ ‬فمن أنا؟
ويقال أيضاً‮ ‬حديث خرافة،‮ ‬وخرافة كان رجلا من بني عذْرة‮. ‬استهوته الجنّ،‮ ‬فلما خلت عنه رجع إلي قومه،‮ ‬وجعل‮ ‬يحدقهم بالاعاجيب من أحاديث الجنّ،‮ ‬فكانت العرب إذا سمعت حديثا لا أصل له،‮ ‬قالت‮: ‬حديث خرافة‮.‬
في الطيور
يقال‮ (‬عتاق الطير‮) ‬أي أحرارها،‮ ‬وهي‮ ‬تصيد ولا تصاد،‮ ‬مثل العقبان والبزاة،‮ ‬والصقور،‮ ‬والشواهين،‮ ‬ويقال ايضا‮ (‬عتاق الخيل‮) ‬هي التي لا‮ ‬يمكن ادراكها‮. ‬ولكنها تُدرك إذا طلبت‮. ‬وكثيراً‮ ‬ما‮ ‬يتردد‮ (‬عنقاء مغرب‮)‬،‮ ‬ويضرب مثلا للشئ الذي‮ ‬يسمع به ولا‮ ‬يري،‮ ‬وإذا أرادت العرب الاخبار عن هلاك شيئ وبطلانه قالت‮: ‬حلقت به في الجو عنقاء مغرب،‮ ‬اما‮ (‬طيرالنار‮) ‬فالمقصود به طائر السمندل،‮ ‬وهو‮ ‬يدخل النار فيعود شابا،‮ ‬ويقال‮ (‬غراب البين‮) ‬كان القوم‮ ‬يتشاءمون منه،‮ ‬ومن اسمه اشتقت الغربة،‮ ‬ويضرب المثل بحمام الحرم مثالا علي الأمن والصيانة‮. ‬كما‮ ‬يقال‮ (‬طوق الحمامة‮) ‬مثالاً‮ ‬لما‮ ‬يلزم ومالا‮ ‬يبرح ويقيم ويستديم‮. ‬ويقال‮ (‬كمد الحباري‮) ‬يضرب مثلا لمن‮ ‬يموت كمدا،‮ ‬فيقال،‮ ‬مات فلان كمد الحباري،‮ ‬ذلك ان الحباري إذا تحسرت فترت همتها،‮ ‬والقت ريشها كله مرة واحدة،‮ ‬حتي إذا رأت صويحباتها‮ ‬يطرن ولا نهوض لها فربما ماتت كمدا‮. ‬ويضرب المثل ببيضة الديك،‮ ‬للشئ النادر‮ ‬يحدث مرة واحدة ولا تتكرر،‮ ‬إذ‮ ‬يقال إن الديك‮ ‬يبيض مرة واحدة في حياته‮.‬
الارض‮.. ‬الدور‮.. ‬البلدان
تقول العرب‮ (‬سمع الارض وبصرها‮)‬،‮ ‬عندما‮ ‬يلتقي اثنان ولا ثالث لهما الا طول الارض وعرضها،‮ ‬وتقول ايضاً‮ (‬امانة الارض‮)‬،‮ ‬و‮ (‬كتمان الارض‮) ‬لأنها تحفظ ما‮ ‬يودع فيها‮.‬
ويُضرب المثل بدار أبي سفيان في الأمن،‮ ‬ذلك ان الرسول الكريم لما فتح مكة ودخل دار أبي سفيان قال‮ «من دخل دار أبي سفيان فهو آمن‮»‬.. ‬اما قصر‮ ‬غمدان،‮ ‬فأحد ابنية العرب المتينة،‮ ‬الشهيرة،‮ ‬كان بصنعاء،‮ ‬تسكنه ملوك حِميْر،‮ ‬ثم تنقلت به أحوال أدت إلي خرابه،‮ ‬ومايزال موضعه معروفاً‮ ‬في صنعاء حتي‮ ‬يومنا هذا‮. ‬ومما ضرب به المثل ايضاً‮ (‬أهرام مصر‮) ‬في الثبات والقدم والحصانة،‮ ‬وكان عبدالله بن عمرو بن العاص‮ ‬يقول‮: ‬عجائب الدنيا اربع،‮ ‬منارة الاسكندرية،‮ ‬وكنيسة الرها،‮ ‬ومسجد دمشق،‮ ‬وقنطرة سنجة‮.‬
وضرب المثل بخراج مصر في الكثرة‮. ‬وكتان مصر،‮ ‬وقطن خراسان،‮ ‬وتفاح الشام،‮ ‬قال الشاعر‮.‬
تفاحة شامية
من كف ظبي‮ ‬غزل
ما خلقت مذ خلقت
لغير تلك القبل
كأنما حمرتها
حمرة خد خجل
ويقال ايضا‮ (‬زجاج الشام‮) ‬يضرب به‮ ‬المثل في الدقة،‮ ‬و‮ (‬زيت الشام‮) ‬للجودة والنظافة،‮ ‬ويقال‮ (‬عود الهند‮) ‬مثلا علي طيب الرائحة،‮ ‬و‮ (‬سيوف الهند‮) ‬للجودة،‮ ‬و‮ (‬سيوف اليمن‮) ‬لحدتها،‮ ‬و‮ (‬ثياب الروم‮) ‬لحسنها،‮ ‬و‮ (‬سكر الاهواز‮) ‬لجودته،‮ ‬و‮ (‬ورد جُور‮) ‬لطيبه،‮ ‬و‮ (‬سجاد أرمينية‮) ‬لفخامته،‮ ‬و‮ (‬طرائف الصين‮) ‬لندرتها‮. ‬و‮ (‬مسك التبت‮) ‬لجودته‮.‬
كما‮ ‬يضرب المثل بطرب الزنج،‮ ‬وهم محبون للغناء والرقص،‮ ‬ويقال‮ (‬حمي الأهواز‮) ‬لشدة فتكها‮. ‬و‮ (‬هواء جوجان‮) ‬لنقاوته وسرعة تغيره،‮ ‬و‮ (‬برد همذان‮) ‬لوعورته‮.‬
‮‬
هكذا‮.. ‬يمضي الثعالبي ليذكر لنا ما‮ ‬يضاف وينسب الي النار‮. ‬والماء،‮ ‬والشجر،‮ ‬واللباس والثياب،‮ ‬والطعام،‮ ‬والشراب،‮ ‬والسلاح،‮ ‬والحلي،‮ ‬والليالي،‮ ‬والازمان والأوقات،‮ ‬والأدب وما‮ ‬يتعلق به،‮ ‬ثم‮ ‬يخصص الباب الستين للأقوال التي‮ ‬يستشهدون بها،‮ ‬مثل‮ «عرق الموت‮»‬ ‬ويضرب مثلا لاشد الشدة،‮ ‬و‮ (‬غضب العاشق‮) ‬ويشبه سحابة صيف لأنه لا‮ ‬يدوم،‮ ‬و‮ (‬لذة الخلسة‮) ‬وهو ما‮ ‬يمتع أكثر،‮ ‬ويقال‮ (‬ينبوع الاحزان‮) ‬انشد عبيد الله بن طاهر‮:‬
ألم تر أن الدهر‮ ‬يهدم ما بني
ويأخذ ما أعطي ويفسد ما أسدي
فمن سره الا‮ ‬يري ما‮ ‬يسوءه
فلا‮ ‬يتخذ شيئا‮ ‬يخاف له فقدا
ويصل الثعالبي بنا الي خاتمة الأبواب،‮ ‬ويخصصه للجنان،‮ ‬كان‮ ‬يقال‮ (‬جنة الدنيا‮) ‬ويقال ان المقصود بها الشام،‮ ‬ولما أفرج هرقل عن بلاد الشام وفر هاربا الي بلاد الروم بكي وغشي عليه،‮ ‬فلما أفاق قال‮: ‬السلام عليك‮ ‬يا سوريا،‮ ‬يا جنة الدنيا،‮ ‬سلام‮ ‬غير ملاق‮. ‬ويقال‮ (‬باب الجنة‮) ‬و‮ (‬روضة الجنة‮) ‬و‮ (‬كنوز الجنة‮)‬،‮ ‬كان‮ ‬يقال‮: ‬اربع من كنوز الجنة‮: ‬كتمان المصيبة،‮ ‬وكتمان المرض،‮ ‬وكتمان الفاقة،‮ ‬وكتمان الصدقة‮.‬
هكذا‮ ‬يختتم ابو منصور الثعالبي النيسابوري كتابه الفريد،‮ ‬والذي حفظ لنا فيه ما كان‮ ‬يمكن ان‮ ‬يتبدد نثاراً‮ ‬فلا تدركه الافئدة،‮ ‬وبصرنا ببعض ما‮ ‬يشيع علي السنتنا حتي الان،‮ ‬ونحن نجهل اصله‮.‬
غفر الله له ورحمه


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.