مصر الآن في مفترق الطرق.. في أحرج ساعات حياتها.. فلابد أن يبلغ حبنا لها مستوي الموقف. الإثنين: بعد أن أبهر الشعب المصري العالم باقباله غير المسبوق علي الاستفتاء وتسجيله أعلي نسبة تصويت لم يحظ بها أي دستور مصري من قبل.. فإن المعركة من أجل المستقبل وتحقيق حياة أفضل لكل المصريين لم تنته، وان الكفاح مازال مستمرا حتي نهاية خارطة الطريق. اننا مازلنا مطالبين جميعا ان نكون وطنيين، والوطنية ليست كلاما ولكن تضحية وايثار، تضحية بالمنفعة والمنصب والمطامع والاحقاد والشهوات، وما احني صدر الوطن، انه يغفر للآثم في حقه ويقبل من التائب توبته، ولكن هناك آثاما لن يغفرها الوطن، وهناك آثمون لن يقبل منهم الوطن التوبة، ولو غسلوا قدميه بالدموع، هؤلاء الآثمون هم الذين أراقوا الدماء وخربوا الوطن واثاروا الرعب والخوف بين ابنائه وحاولوا هدم كل مقوماته وقدراته. إن الذي لا يحب وطنه لا يحب شيئا، يقفر ضميره، ويجدب وعيه، ويغدو انسانا لا يؤتمن في عهد ولا محبة، ولا مشاركة، فآية الانسانية الكبري هي الحب، والرجل المهذب هو الذي يحب عائلته ويحب اصدقاءه ويحب زملاءه ويحب ابناء مهنته، ومن ثم يحب وطنه، فإذا اتسع افق تفكيره احب الانسانية جمعاء، فأساس المواطن الصالح هو الحب والحب الاكبر ينبغي ان يكون للوطن. ومصر الان في مفترق الطرق في احرج ساعات حياتها، فلابد ان يبلغ حبنا لها مستوي الموقف، وإلا كنا آثمين في حقها، بل آثمين في حق أنفسنا وعائلاتنا واصدقائنا وارضنا التي نعيش عليها، وتذخر بذكرياتنا وآمالنا، وتدفن في صدرها آلامنا، وتأسو بيدها الرحيمة جراحنا. لست اقول مع ادموند بيرك كي تجعلني احب بلادي، ينبغي ان تكون بلادي جديرة بالحب، بل اقول ينبغي ان نحب بلادنا مهما تكن، علي ان يكون هذا الحب هو الدافع لجعلها جديرة بالحب، إن مصر عزيزة علينا جميعا، سواء كنا فيها اغنياء أو فقراء، محظوظين أو محرومين، ممن يرجع اليهم الامر او ممن يؤمرون، انما نحبها وسيجعلنا هذا الحب نرتفع بها فوق الهامات، سنكون جميعها علي ارضها نجاهد لكي تكون خيراتها لنا، وحريتها من اجلنا، وعزتها من عزتنا، سنرتفع بها وسترتفع بنا. ولن يغفر الوطن لابن من ابنائه لا يذود عن حقه، أو يتهاون فيه، لن يغفر لابن من ابنائه يغويه المنصب أو تنحرف به شهوات الحقد والحسد والبغضاء فيجعلها في المقام الأول ويجعل حق بلاده في المقام الثاني، ان اهون التضحيات ان نتخلص من شوائب الشهوات، ونتوجه الي حيث المصلحة العليا لبلادنا، ان كثيرين من المواطنين المجهولين بذلوا دماءهم من اجل مصر، ومن اجل حماية شعبها من الارهابيين اعداء الدين، لم تلمع اسماؤهم، لم يحطهم مجد ولا ذكر، ذهبوا، من يدري اين قبورهم ولا ما هي أسماؤهم؟ ولكن ارواحهم تطالبنا اليوم بأن نرعاها، بأن نرد لها ما ادت من اجلنا واجل وطننا، إن الحكومات تذهب وتجيء والمناصب تغري بأضوائها، ولكن خيرا منها جميعا النور المنبعث من الضمير اليقظ الذي يدرك الواجب ويؤديه فهو النور الذي ينبع من قلب الوطن، والاكليل الذي يصوغه يظل ابدا لامعا في الحياة والموت. ليت هذا النور وحده يهدينا فلا نضل ولا نغوي، ونقول مع شكسبير: «أين هو هذا الشرير الذي لا يحب وطنه؟». الملايين تريد السلام الثلاثاء: هل فكرت وأنت تتناول فنجان القهوة في الصباح أن مئات الملايين يشاركونك في هذا المزاج، وقد يكون منهم أشخاص في أقصي الأرض لا تربطك بهم أية صلة؟ وهل فكرت وأنت تقرأ قطعة أدبية جميلة وتستمتع بها، أن هناك مئات الملايين في أنحاء العالم من غير لغتك ووطنك بل وقارتك، إذا صح لهم أن يقرأوها لاستمتعوا بها مثلك، وأحسوا نفس إحساسك! هل فكرت وأنت تبكي لمنظر محزن، أو تشفق علي إنسان مريض أن مئات الملايين في العالم يشاركونك البكاء والحزن لمثل هذا المنظر ولمثل هذا الإنسان؟ هل فكرت في عشرات الروابط الإنسانية التي تسمو علي الخلافات الصغيرة، والتي تجمع بني الانسان من كل جنس ودين ولغة، حتي ولو لم يفهم أحدهم الآخر، حتي ولو لم يكن يعرفه؟ وهل فكرت أن هذه الروابط لم يصنعها إنسان، ولكن صنعتها الطبيعة، صنعها الله، لماذا إذن يأتي إنسان من أقصي الأرض لكي يقتل إنسانا لا يعرفه، وليست بينهما عداوة ولا بغضاء، ولا ثأر قديم أو جديد! ان الملايين من جميع الشعوب ومن بينها الشعب المصري تريد أن تعيش في سلام، فليس بينهم سبب للخصام، وهم من جنس واحد، هم بنو الإنسان. ولكن هذه الملايين التي تريد السلام، لا إرادة لها لأن بضع حكومات أو أفراد أو جماعات يتحكمون فيها، والتحكم يعني الخيانة والجبن والنفاق والطمع يعني الاعتداء والإرهاب والتخريب والعدوان. المرأة وشجرة الجوز..! الأربعاء: كان صاحبنا متحمسا تحمسا شديدا لرأي من الآراء، وانضمت زوجته الي المجلس واشتركت في المناقشة، وصمت الرجل. وأبدت السيدة معارضتها للرأي وسألت زوجها عن موقفه، فإذا به ينصرها علي طول الخط، ودهش الحاضرون، ولكنهم لم يشاءوا ان يخجلوه، حتي إذا اختلي به أحدهم، سأله تأويل موقفه، فقال له: لا فائدة من المعارضة، أو تريد أن تجعل نهاري اشد سوادا من ليلي.. احذر ان تعارض امرأة. ولكن هل هذه هي السياسة المثلي في معاملة المرأة؟ بعض الرجال يظن أن القسوة تصلح مع المرأة أكثر من اللين، وبعضهم يؤثر ان يتقي شرها فلا يصطدم بها حيث لا فائدة من الاصطدام، فقلما نزلت المرأة عن رأيها بالمنطق والعقل.. إنما تفعل ذلك بالعاطفة، كلمة رقيقة، همسة حالمة، قبلة فيها الحب والحنان أفعل في قلبها من فلسفة سقراط، ومنطق أينشتين، وبلاغة شيشرون. انظر الي قول «توماس فوللر» في كتابه المرأة والكلب وشجرة الجوز، كلما زدتها ضربا ازدادت طاعة وثمرا. ولعلم النفس رأي آخر، فهو يقول إن هناك المرأة «السادية» والمرأة المصابة «بالماسوكزم» الاولي تحب ان تمارس القسوة مع الرجل، والأخري تحب أن يمارس الرجل القسوة معها. والامر كذلك في الرجال منهم «السادي» ومنهم المصاب «بالماسوكزم» الاولون يحبون ان يمارس النساء القسوة معهم. ويا ويل الزوجين إذا كانا من نوع واحد، ويالا تفاقهما اذا كانا من نوعين مختلفين. ولنا ان نفسر بعد ذلك، دون ان نعجب، ما نسمعه من امرأة تضرب زوجها «بالشبشب» دون ان يثور أو يغضب، أو ان رجلا يضرب زوجته ومع ذلك تزداد له حبا وبه شغفا، بل لعلها اذا فكر في احترامها والكف عن ضربها، فكرت في هجره لأنه أضحي في نظرها ناقص الرجولة. أطماع الإنسان! الخميس: يلذ لي أن أقرأ «جيوفاني بوكاشيو» من وقت الي آخر، قلما أشبع منه، هذا الايطالي المتقد العاطفة الذي عاش في القرن الرابع عشر، وكأنه كان يعيش في هذا القرن وكل قرن يجيء، لأنه مس النفس الانسانية في أدق أسرارها وأعمق أعماقها. انظر إليه وهو يقول: «إن أجمل لعبة عند المرأة هي أن تتلهي بنار العواطف، وتجد المتعة في قراءة قصص الاخريات، إذ تتصور نفسها وكأنها بطلة المغامرات التي مرت بهن». وهذا الكلام صحيح، ومن هنا كان إقبال النساء علي أفلام السينما والقصص التي تروي عطش الحب، أو تثير شهواته، وانظر اليه وهو يقول: «فكر في هؤلاء البخلاء الذين يعدون المحبين مجانين، فمن الأفضل عندهم أن تجمع المال علي أن تصنع الحب، دعهم يسألون أنفسهم هل منحهم تكديس المال طول العمر سعادة لحظة من لحظات الحب؟ قد يذهب مالهم في ساعة، أما الحب فمتعة الأبد، ليت الله يصيب البخلاء بالحزن المقيم، وليته يمنح الاموال التي جمعوها للمحبين» ولعلك الآن قد أحببت بوكاشيو كما أحببته أنا إلا ان تكون من البخلاء. وانظر الي فلسفته العميقة وهو يقول: «التقي الفيلسوف ديو جينيس بالاسكندر الأكبر وحاول أن يثنيه عن مطامعه فقال له: - الآن وقد استوليت علي «اثينا» ماذا أنت صانع؟ أجاب الاسكندر: سأفتح بلاد الفرس.. - وبعد بلاد الفرس؟ - سأفتح مصر. - وبعد مصر؟ - سأستولي علي العالم كله؟ - وبعد أن تهزم العالم كله؟ - سأعيش عيشة هادئة وأمتع نفسي. قال «ديوجنيس»: ولماذا لا تعيش عيشة هادئة منذ الآن وتمتع نفسك؟ وما أحسب هناك سخرية من اطماع الانسان اقسي من هذه السخرية ولم يسمع الاسكندر الاكبر نصيحة «ديوجنيس» بطبيعة الحال، كما أنه لم يفتح العالم ولم يجد وقتا لكي يستمتع بما فتحه منه!