النزاهة أولًا.. الرئيس يرسخ الثقة فى البرلمان الجديد    بعد انسحاب الدالي، شرط وحيد يمنح هشام بدوي أول مقعد في جولة الإعادة بانتخابات النواب بالجيزة    جبران: مصر تؤكد التزامها بتعزيز بيئة العمل وتبادل الخبرات مع دول الخليج    أسعار الخضراوات والفاكهة اليوم الخميس 20 نوفمبر 2025    6 مليارات دولار استثمارات في مصر أبرزها، 10 معلومات عن العلاقات الاقتصادية المصرية الكورية    أسعار الخضروات اليوم الخميس 20 نوفمبر في سوق العبور    ارتفاع أسعار النفط وسط ترقب إنهاء مهلة أمريكية التعامل مع شركتين روسيتين    لمدة 5 ساعات.. فصل التيار الكهربائي عن 17 قرية وتوابعها بكفر الشيخ اليوم    مسئول أمني: المنظمات الإرهابية في الشرق الأوسط تكثف نقل مقاتليها إلى أفغانستان    استشهاد 3 فلسطينيين بقصف إسرائيلى على منزل جنوبى قطاع غزة    موعد انضمام كريستيانو رونالدو لتدريبات النصر السعودي    مواجهات قوية في دوري المحترفين المصري اليوم الخميس    الاستعلام عن الحالة الصحية لعامل سقط من علو بموقع تحت الإنشاء بالتجمع    تجديد حبس عاطل بتهمة الشروع في قتل زوجته بالقطامية    موظفة تتهم زميلتها باختطافها فى الجيزة والتحريات تفجر مفاجأة    شبورة كثيفة وانعدام الرؤية أمام حركة السيارات على طرق القاهرة والجيزة    حالة الطقس في الكويت اليوم الخميس 20 نوفمبر 2025    عرض 6 أفلام قصيرة ضمن "البانوراما المصرية" بالقاهرة السينمائي اليوم    هولندا: ندعم محاسبة مرتكبى الانتهاكات في السودان وإدراجهم بلائحة العقوبات    الصحة بقنا تشدد الرقابة.. جولة ليلية تُفاجئ وحدة مدينة العمال    وزير الصحة يتابع توافر الأدوية والمستلزمات الطبية في جميع التخصصات    مستشفى 15 مايو التخصصي ينظم ورشة تدريبية فى جراحة الأوعية الدموية    اليوم.. محاكمة المتهمة بتشويه وجه عروس طليقها فى مصر القديمة    سيد إسماعيل ضيف الله: «شغف» تعيد قراءة العلاقة بين الشرق والغرب    حركة القطارات| 45 دقيقة تأخيرًا بين قليوب والزقازيق والمنصورة.. الخميس 20 نوفمبر 2025    براتب 9000 جنيه.. العمل تعلن عن 300 وظيفة مراقب أمن    شوقي حامد يكتب: الزمالك يعاني    دعاء الفجر| اللهم إن كان رزقي في السماء فأنزله    زكريا أبوحرام يكتب: هل يمكن التطوير بلجنة؟    انتهاء الدعاية واستعدادات مكثفة بالمحافظات.. معركة نارية في المرحلة الثانية لانتخابات النواب    أدعية الرزق وأفضل الطرق لطلب البركة والتوفيق من الله    سفير فلسطين: الموقف الجزائري من القضية الفلسطينية ثابت ولا يتغير    مستشار ترامب للشئون الأفريقية: أمريكا ملتزمة بإنهاء الصراع في السودان    أضرار التدخين على الأطفال وتأثيره الخطير على صحتهم ونموهم    مكايدة في صلاح أم محبة لزميله، تعليق مثير من مبابي عن "ملك إفريقيا" بعد فوز أشرف حكيمي    محمد أبو الغار: عرض «آخر المعجزات» في مهرجان القاهرة معجزة بعد منعه العام الماضي    يحيى أبو الفتوح: منافسة بين المؤسسات للاستفادة من الذكاء الاصطناعي    أفضل طريقة لعمل العدس الساخن في فصل الشتاء    هند الضاوي: إسرائيل تكثف تدريباتها العسكرية خوفًا من هجمات «داعش»    وردة «داليا».. همسة صامتة في يوم ميلادي    مروة شتلة تحذر: حرمان الأطفال لاتخاذ قرارات مبكرة يضر شخصيتهم    موسكو تبدي استعدادًا لاستئناف مفاوضات خفض الأسلحة النووي    إطلاق برامج تدريبية متخصصة لقضاة المحكمة الكنسية اللوثرية بالتعاون مع المعهد القضائي الفلسطيني    المطربة بوسي أمام المحكمة 3 ديسمبر في قضية الشيكات    ضبط صانعة محتوى بتهمة نشر مقاطع فيديو خادشة للحياء ببولاق الدكرور    إعلام سوري: اشتباكات الرقة إثر هجوم لقوات سوريا الديمقراطية على مواقع الجيش    خالد أبو بكر: محطة الضبعة النووية إنجاز تاريخي لمصر.. فيديو    "مفتاح" لا يقدر بثمن، مفاجآت بشأن هدية ترامب لكريستيانو رونالدو (صور)    خالد الغندور: أفشة ينتظر تحديد مستقبله مع الأهلي    دوري أبطال أفريقيا.. بعثة ريفرز النيجيري تصل القاهرة لمواجهة بيراميدز| صور    تقرير: بسبب مدربه الجديد.. برشلونة يفكر في قطع إعارة فاتي    ضمن مبادرة"صَحِّح مفاهيمك".. أوقاف الفيوم تنظم قوافل دعوية حول حُسن الجوار    لربات البيوت.. يجب ارتداء جوانتى أثناء غسل الصحون لتجنب الفطريات    عصام صاصا عن طليقته: مشوفتش منها غير كل خير    ماييلي: جائزة أفضل لاعب فخر لى ورسالة للشباب لمواصلة العمل الدؤوب    خالد الجندي: الكفر 3 أنواع.. وصاحب الجنتين وقع في الشرك رغم عناده    أهم أحكام الصلاة على الكرسي في المسجد    مواقيت الصلاه اليوم الأربعاء 19نوفمبر 2025 فى المنيا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



يوميات الأخبار
عم أحمد‮.. ‬المأكلاتي

‮ ‬في الظروف الحرجة التي يمر بها الانسان‮.. ‬يعود من عرفهم وأحبهم الي الحضور‮.. ‬حضور كالغياب،‮ ‬كالأحلام‮..‬
أقبلت عليه مرحبا وشاكيا ومعاتبا وراضيا بما جري كل الرضا رغم دهشتني وروعي،‮ ‬خطا نحوي فاتحا ذراعيه لكنه باسطهما الي السفل،‮ ‬مائلا برأسه الي الامام كأنه يؤاخذني،‮ ‬كان يرتدي الجاكت الابيض النظيف والمريلة التي يطل منها دفتر الحسابات والبنطلون،‮ ‬كان يمشي متقدما نحوي علي مهل،‮ ‬مشية لم أعهدها كأني أراه في حلم يسبح في فراغ‮ ‬ما‮.‬
‮»‬‬مالك يا أبومحمد‮.. ‬كنت فاكرني أجمد من كده‮» ‬ياه يا عم أحمد،‮ ‬غبت دا كله فين؟ أهملتك وقصرت في حقك،‮ ‬كان لازم أسعي لبيتك وأزورك يا تري أنت فين دلوقتي،‮ ‬حاجات كتير قصرت فيها،‮ ‬لكني بتألم كتير عشانك،‮ ‬لما قالوا لي إنك عجزت وقعدت خالص علي كرسي‮.‬
‮«ماتزعلش‮.. ‬كله حيتعوض‮.. ‬اللي آذاك حتشوف اللي يجري له لكن تسيب نفسك لغاية ما يحصل اللي حصل دا اللي انا زعلان منه لما بلغني‮.. ‬دا ما حدش شاف اللي انت شفته‮»‬.‬
تواري نظري خجلا،‮ ‬تمتمت
‮«تيجي علي أهون سبب يا عم أحمد‮»‬.‬
‮«تعالي كده وانت شكلك يخفي‮.. ‬اقعد‮»‬.‬
علي مهل أجلس،‮ ‬نفس المكان الذي لم أبدله سنوات طويلة واذا ما جلس أحد الضيوف بالخطأ فيه يجئ،‮ ‬بمنتهي الرقة ينحني،‮ ‬يهمس،‮ ‬عندئذ يقوم الضيف أيا كان معتذرا‮.‬
‮«دا بيقعد فيه لما كان طفل‮»‬.‬
صحيح،‮ ‬بعد صلاة الجمعة كان الجو يتحول الي مهرجان من رائحة الشواء المنبعثة من الدهان الكبير المعروف بالعقر،‮ ‬والبخور القادم من الخان والعطور المولية،‮ ‬تاركة عبقها والاعشاب والقماش الجديد والمداخل المؤدية والمعسل والتنباك والنعناع المغموس في الشاي الاخضر،‮ ‬يا مساء الاحباب،‮ ‬عم احمد بمشيتة النبيلة يحمل لي هذا كله‮.‬
‮«احنا هنرجح عيال ولا إيه يتحايلوا علينا عشان ناكل‮»‬.‬
ابتسم‮.. ‬ياسلام علي روقانك يا عم احمد،‮ ‬تكونشي جاي مخصوص عشان تأكلني،‮ ‬ما عدش ينفع يا سيد الكل،‮ ‬ياه‮.. ‬ياسيد الكل،‮ ‬ابنتي ماجي منذ سنوات مبكرة لا تبدأ حوارها معي إلا قائله‮: «ياسيد الكل‮..»‬‬
فأجيبها‮:‬
‮«يا حبيبة الكل‮.. ‬يا ست الكل‮»‬.‬
ماجي تطالعني،‮ ‬ماجي تقبل علي،‮ ‬ماجي‮ ‬غريبة هناك،‮ ‬تدمع عيناي،‮ ‬أي سر في هاتين القطرتين،‮ ‬بعدهما أشفق علي نفسي،‮ ‬واشفق علي الممرضة أمومية الطلة،‮ ‬لكم اجتهدت ألا يراهما أحد،‮ ‬لم يغيبا عن عم احمد،‮ ‬الرجل جاء مخصوص،‮ ‬قام من الكرسي ومشي قائلا‮: ‬لن يحوشني عن حبيبي شيء؟ مش كل الناس اللي الواحد يفتكرها ويهم عشانها‮.‬
‮«اهو كده انا حزعل‮.. ‬مشي نرضي باللي قسمه لنا ربنا،‮ ‬نبكي يعني احنا زعلانين منه،‮ ‬دا مش جيرضي حبيبك،‮ ‬مولانا،‮ ‬وسيدنا‮.. ‬والنبي لتقعد وتروق‮.. ‬حقف لك نفس الوقفة لما كنت بتجيب اللي بتحبهم هنا‮»‬.‬
مآذن الذكري
اجتهد في الكف عن بث دمعي،‮ ‬من النافذة المجاورة أرقب مآذن الازهر،‮ ‬مئذنة محمد بك ابوالذهب،‮ ‬الناس المقيمون هنا لا يفضلون صلاة الجمعة فيه،‮ ‬كثيرون مازالوا يتوارثون جرأة الوالي العثماني محمد بك ابوالذهب علي بناء مسجده في مواجهة الازهر،‮ ‬نفس الموقف اتخذ عن عمارة بنزايون في شارع الازهر،‮ ‬لم تواجه الازهر فقط ولكنها زادت عليه ارتفاعا،‮ ‬مرت ثلاث سنوات بدون أن يتقدم احد ليشغلها او يستأجر فيها حتي‮ ‬غرفة،‮ ‬الان يتجاوز الخلو في الشقة الواحدة ثلاثة ملايين جنيه،‮ ‬هذا اذا وجدت،‮ ‬أرقب مئذنة ابوالذهب مغربية التأثير لا مثيل لها،‮ ‬لا شبيه الحقيقة ان كل مئذنة لا شبيه لها في فضاء القاهرة،‮ ‬بعد طول تأمل يمكنني القول أن لكل منها تأثير وايقاع عندي،‮ ‬في طفولتي كنت أري المؤذن يطوف الشرفة المحيطة بمنارة سيدنا الحسين،‮ ‬كان باستطاعتي رؤيته من فوق السطح،‮ ‬اي الطابق الخامس،‮ ‬عطفة باجنيد،‮ ‬درب الطبلاوي،‮ ‬وظننت لفترة أن حجمه الحقيقي هو ما أراه،‮ ‬ثم عرفت انه ضرير،‮ ‬لابد أن يكون ضريرا حتي لا يسترق البصر الي الاماكن المحيطة،‮ ‬مع مضي الوقت حل مكبر الصوت موضع البشر،‮ ‬ثم اصبح السلم مجرد زينة كذا الشرفات المحيطة بالمآذن،‮ ‬من هذه النافذة أري مآذن الازهر والقبة فوق الرواق الفاطمي،‮ ‬مدخل الباطنية أود لو قمت لابدأ الجولة،‮ ‬أدخل من هنا واتبع الدروب والحواري والأزقة،‮ ‬لي عند حارة الروم وقفة،‮ ‬بعض صحبي الاقباط يفاجأون،‮ ‬لم يعرف أحدهم بوجود اربع منشآت أحدها كان مقرا للبابوية عند دخول العرب الي مصر وحتي مجيء الحملة الفرنسية،‮ ‬من يتصور وجود دير للراهبات في قلب الباطنية،‮ ‬الحارة ضيقة،‮ ‬تتسع لاثنين من المارة الي جوار بعضهما،‮ ‬منذ حوالي خمس سنوات لاحظت شراء بعضهم للبيت المواجه،‮ ‬يمكن رؤية شرفاته من داخل فناء الدير،‮ ‬رحت اتطلع الي المسجد الذي بدأت ملامحه تظهر،‮ ‬في الظروف العادية يمكن الترحيب بذلك ولكن مع انتشار التعصب ونشاط الجامعات يشبه هذا وضع النار الي جوار البنزين‮.‬
في سفري الاخير براً‮ ‬الي الصعيد لاحظت انه ما من برج الا أمامه مئذنة او العكس،‮ ‬انتبه الي فراغ‮ ‬الصالة،‮ ‬الاحوال الصعبة تنعكس علي المطاعم،‮ ‬قبل سنوات كان الحجز هنا ضروريا،‮ ‬التوصية علي النيفة قبل يوم،‮ ‬أعي بيعها بالرطل،‮ ‬لم يكن احد يطهي لحم الماعز علي البخار مستخدما التنور الا الدهان،‮ ‬للتنور طاقة محدودة،‮ ‬لذلك لم يعرف الدهان بأجياله المختلفة زيادة الكمية المخصصة للغذاء فقط،‮ ‬سنوات طويلة تباع قبل يوم،‮ ‬تحجز تماما،‮ ‬كانت الجنيهات تجري بين أيدي تجار الخان والصاغة لا يستطيع أحد أن يلاحقها الي أن وقع الخان في حفرة سبعة وستين ثم بدأ الطلوع والنزول حتي مجيء الاخوان أي أيام سوداء هذه؟
ابتسامة باقية
هل‮ ‬غفوت أم انتقلت؟
يقترب عم احمد،‮ ‬الملابس التي اتنكره دائما فيها،‮ ‬المطعم كله خال الا مني،‮ ‬غير أن رائحة الشواء تتصاعد من تحت‮. ‬هذه الرائحة من معالم الموضع،‮ ‬اعرفها منذ مصاحبتي لأبي بعد صلاة الجمعة،‮ ‬كان ذلك في الخمسينيات،‮ ‬الرطل بأربعة قروش مع الخبز وثلاثة أنواع من السلطة والطرشي‮.‬
ابتسامة عم أحمد التي لم أعرف مثلها،‮ ‬الانحناءه الوثيرة،‮ ‬يداه في مواجهة بعضهما،‮ ‬الابهام والخنصر مفتوحان في اليمني واليسري‮.. ‬يقربهما من بعضهما يبدو شكل طبق مستطيل‮.. ‬بيضاوي‮.‬
‮«ايه رأيك‮.. ‬شوية فتنة من بتوعنا وربع نيفة وربع كباب وكفته‮.. ‬طبعا الطحينة جاهزة‮.‬
مرة من زيارات شاه ايران وكان متزوجا بفوزية طلب تجهيز نيفة الدهان،‮ ‬كان بصحبه وفد كبير،‮ ‬الكمية التي يعدها لا تكفي‮.. ‬اتصل رئيس الديوان الملكي شخصيا بالمعلم رحمه الله،‮ ‬ولكنه اعتذر،‮ ‬قال انه حجز النيفة كلها للقصر،‮ ‬لكن زيادتها مستحيل،‮ ‬التنور لا يسمح بأكثر من ذلك،‮ ‬البديل أن يغش ان يسعق لحم الضأن ويشويه كما يفعل الكبابجية كلهم الآن،‮ ‬رفض بأدب‮.. ‬عندما احتفل شاه ايران بمرور ثلاثة آلاف عام علي عرش قورش،‮ ‬قدم كل بلد الطبق الاشهر لديه،‮ ‬فكر أنور السادات في الملوخية الخضراء،‮ ‬في الحمام المحشي بالفريك،‮ ‬الفطير المشلتت لكنه فوجيء بشاهنشاه الملوك يتصل من طهران،‮ ‬ويري أنها فرصة مناسبة لتععريف القوم خاصة الامبراطورة فرح بأحد اسرار مصر،‮ ‬نيفة الدهان‮.. ‬رحت اتطلع اليها،‮ ‬أعرف قيمة ما جاء به عم أحمد،‮ ‬قطع النيفة حمراء تماما،‮ ‬خالية من الدهن،‮ ‬دائما يميل علي ينصحني أن أبدأ بالنيفا قبل أن تبرد ثم يشير الي قطعة معينة‮.‬
‮«شايف الحتة اللي في الوسط،‮ ‬ابدأ بيها وعلي مهلك خالص‮.. ‬خلص‮.. ‬وبعدين انت حر‮..»‬‬
الدهان‮.. ‬ثلاثة مطاعم كانت تحمل الاسم،‮ ‬الاول في الناصية المؤدية الي الفيشاوي،‮ ‬هُدم وجُدد وهو المفتوح الآن،‮ ‬الثاني لم يكن يقدم الا علي الاقل ومنها الشركسية العثمانية،‮ ‬والكوارع المغربية وتلك أمرها عجب اذ توضع الكوارع مع حمص الشام في قدور مثل الفول المدمس وتدفن مثل الفول المدمس في الاسرومل‮.. ‬الوقود الذي يمد الحمامات بالدفأ والسخونة من خلال مرور مواسير الخزف عبر الاشعاع الهاديء المستمر المثابر للحرارة المنبعثة،‮ ‬من طلوع الشمس الي شروقها التالي يتم تحريك الماعون ليسحب بعيد عن الوقود الهاديء المستعر،‮ ‬يحفظ ساخنا حتي الظهيرة وعندما يقدم يوضع المغطي مباشرة وبكشفه يري الضيوف ما يمكن ان تسويه النار الهادئة المتصلة كالهمس،‮ ‬عظام الكوارع امتزجت بالشوربة والحمص،‮ ‬اصبح المل كله مثل الجيلاتين،‮ ‬قلت لعم أحمد إنني لا أذكر اسم هذه الاكلة ان الاصل،‮ ‬لكنني تذوقتها في بيت العلامة الشيخ عبدالله كنون،‮ ‬أحد علماء المغرب الكبار وأول حاكم وطني لطنجة،‮ ‬قال عم أحمد مبتسما انه سمع من بعض الحجاج المغاربة،‮ ‬عندما زار الملك محمد الخامس مصر بعد عودته من المنفي خرج المصريون لتحيته،‮ ‬كانوا يحبون من يحبه عبدالناصر،‮ ‬وكان خلفية ومحبة،‮ ‬اتصلوا بنا من الرئاسة،‮ ‬سألوا المعلم عما اذا كان ممكنا اعداد‮ ‬غذاء مغربي بالكامل،‮ ‬ابدي المعلم همة لم يعرفها أحد من قبل،‮ ‬الضيف كريم،‮ ‬بطل ومن قبل ومن بعد هو ضيف عبدالناصر،‮ ‬أبدي الملك الأب دهشته وسأل عن اسم الطباخ الذي أعد فطيرة البسطيلة،‮ ‬والطنجاوية النادرة،‮ ‬والكسكسي بالحوت‮. ‬أحد العاملين مع سامي شرف مدير مكتب الرئيس ذكره بجرسون أنيق الخلق،‮ ‬هاديء،‮ ‬كله ذوق،‮ ‬عنده عناية بالزبون،‮ ‬هكذا دخل عم احمد بيت عبدالناصر‮.‬
‮«بيت بسيط وقصور‮.. ‬مش ملكه‮.. ‬يبدفع ايجاره للجيش‮»‬.‬
حروف‮.. ‬حروف
حدثه عن احتفالات القصر‮ ‬الخاصة،‮ ‬عن الاستثناء الذي يمثله حضور كانت الملكة الفريدة لا تأكل الا من يديه،‮ ‬كأنت تفضل كتف حمل من مرسي دا وكان يتقن التعامل معه،‮ ‬تخليته وتمديد القطع في الاطباق التي يحمل كلها حرف الأف،‮ ‬خلال انهماكه في الحديث عن ضيوف العصرين الملكي والجمهوري الا انه لم يعرف شكل‮ ‬غذاء يوم الجمعة‮.. ‬في أيام الخير ويسر الاحوال،‮ ‬يبدأ الاعداد للغذاء بعد صلاة الجمعة بقليل،‮ ‬النيفة مغطاة بالشاش،‮ ‬محجوزة للطالبين،‮ ‬الطلبات الخاصة في المطعم الجواني،‮ ‬الكفتة والكباب وخانهما يغمر الخان والسكة الجديدة،‮ ‬من معالم المكان،‮ ‬اضف اليهما التقلية والثوم من الكوارعي‮.‬
يقف عم أحمد وسط الزحام،‮ ‬مسيطرا علي حركة العاملين،‮ ‬ملبيا طلبات الزبائن مهدئا من قلقهم،‮ ‬كلمة لهذا،‮ ‬وابتسامة لذلك،‮ ‬كان يقف بينهم كأنه قائد اوركسترا،‮ ‬اي والله اوركسترا،‮ ‬هذا أجمل ما مر به قبل عسر الاحوال وبدء انقطاع الزبائن الي ان وصل الحال علي ما هو عليه‮.. ‬يميل قليلا مستندا الي حافة المنضدة بيده‮.‬
‮«قعدتك دي بتفكرني برضوان الهندي‮.. ‬انت فاكره‮.. ‬قعدنا فاكرينه‮ ‬غلبان لاجيء من اللاجئين‮.. ‬لغاية ما ظهر الاتباع‮»‬.‬
قلت إنني أذكره،‮ ‬كان الوالد متقنا لجر الكلام مع الغرباء لكنه لم يستطع مع عبدالرسول،‮ ‬كان اسمه عبدالرسول اما رضوان فاسم الفندق الذي كان يجلس أمامه عصر كل يوم،‮ ‬اقام به عشرين سنة ولم يعرف أحد أنه سلطان كبير،‮ ‬يتوقف صوتي،‮ ‬ثمة حضور بينناو أوقن انه‮ ‬غير موجود وأنا أيضا‮.. ‬يبدأ شحوبي‮ ‬غير أن صوته يصلني‮.‬
‮«يا أخي يا عشرة العمر،‮ ‬انا جيت لك مخصوص النهاردة‮.. ‬ما تكسفينيش مع الجماعة‮.. ‬حنا كل يعني حذ‮»‬.. «سامحني يا عم أحمد‮.. ‬فيه حاجة‮ ‬غلط‮»‬.‬
طلب مني الانتظار،‮ ‬لا أدري متي قرأت او سمعت من يقول اذا وصل الانسان الي حد لا يتحرك معه لأكلة اعتادها او تمناها او لمرور أنثي جميلة فليعلم ان الدائرة تقارب الانغلاق‮.‬
يعود عم أحمد بدون الجاكتة البيضاء والدفتر المطل من المريلة،‮ ‬ياه
كان الزي من أجلي فعلا،‮ ‬اتأثر،‮ ‬مالي اصبحت سهل الدمع،‮ ‬ميسوره،‮ ‬اشرح لي يا عم أحمد،‮ ‬دلني بدلا من دعوتك الغامضة‮.‬
غير انه يصر،‮ ‬يقدم الي ذراعه،‮ ‬يدعوني للاستناد اليه وهو يزك بقدمه،‮ ‬أغمض عيني اثناء محاولتي القيام،‮ ‬أرقب مئذنة ابوالذهب،‮ ‬الازيار الخمسة،‮ ‬اربعة يعلوهم واحد أصغر،‮ ‬وكم شخصا راح وهو يحاول التسلق،‮ ‬منهم من صعد ودخل ولم يظهر حتي الآن،‮ ‬عم أحمد يضغط ذراعي بخفة،‮ ‬درجة صوته خافتة‮.‬
‮«تعالي مع أخوك الكبير‮.. ‬تعالي يا أمير‮.... ‬يا سيد الكل‮.. ‬اللي انت مش قادر عليه حتلاقيه أسهل من السهل‮»‬.‬
‮«من دفتر الاماكن الحميمة‮»‬‬


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.