النص الخاص بنظام الانتخابات البرلمانية في التعديلات الدستورية المرتقبة سرق الأضواء من سائر النصوص الأخري واشتعلت الخلافات حوله بمجرد إعلان لجنة الخبراء النية للعودة إلي النظام الفردي. بعض الآراء رفضت الفكرة وطالبت باستمرار الأخذ بالنظام المختلط المطبق في الانتخابات البرلمانية الأخيرة بعد ثورة 52 يناير والذي يجمع بين نظامي القائمة والفردي والبعض الآخر طالب بالأخذ بنظام القائمة فقط مع السماح للمستقلين بتكوين قوائم خاصة بهم.. الكلمة الأخيرة ستكون للجنة ال05 التي تمثل كل فئات وطوائف الشعب والتي ستبدأ عملها خلال أيام. لا يفوتني هنا الاشارة إلي أن النص الذي انتهت إليه لجنة الخبراء يقرر الأخذ بالنظام الفردي لفصل تشريعي واحد »5 سنوات» لاتاحة الفرصة للبرلمان القادم للدراسة المتأنية للأنظمة الانتخابية المختلفة واختيار النظام الذي يلائم ظروفنا السياسية ويلبي طموحات الناخبين في انتخاب برلمان قادر علي تحقيق آمالهم. من الضروري أيضا التأكيد أن لكل نظام انتخابي مزايا وعيوبا ولا يمكن القول أن نظاما معينا هو الأفضل.. ولهذا تختار كل دولة النظام الأنسب لظروفها. وبمقارنة سريعة بين الأنظمة الانتخابية الثلاثة «الفردي والقائمة والمختلط» نجد أن أهم مزايا النظام الفردي البساطة وربط المرشح بدائرته لأنه يحقق اتصالا فعالا بين النواب والناخبين بينما تتركز أهم عيوبه في أن الاختيارلا يتم علي أساس المبادئ والأفكار مما يتيح فرصة الفوز لمن يؤدون خدمات شخصية وليس لمن يؤدون خدمات علي المستوي القومي.. كما أنه لا يشجع فكرة الحزبية حيث أن تصويت الناخب يكون استنادا إلي السمات الشخصية للمرشح وليس وفقا لبرامج حزبية وهو ما يؤدي إلي ضعف الأحزاب لحساب المستقلين.. وهو يظلم الأحزاب الصغيرة التي لا يمكنها الحصول علي مقاعد تتناسب مع الأصوات التي حصلت عليها. من عيوب هذا النظام أيضا أنه يفتح الباب أمام قوة المال والنفوذ للتأثير في الانتخابات وكذلك العصبيات العائلية والقبلية.. بالإضافة إلي صعوبة تمثيل بعض الفئات مثل الأقباط والمرأة والشباب كما هو الحال في مصر. أما نظام القائمة الحزبية فان أهم مزاياه أنه يعطي فرصة أكبر لتمثيل الأحزاب في البرلمان حيث يحصل كل حزب علي عدد من المقاعد يتناسب مع حجم الأصوات التي حصل عليها ويجعل النائب أكثر تحررا من وصاية ناخبي الدائرة ويزيد من اهتمامه بالمسائل العامة.. في نفس الوقت يدعم نظام القائمة فكرة الانتماء للأحزاب ويحد من تأثير سطوة المال.. ويضعف من تأثير القبلية ويحد من النزعة الفردية ويستبدل بها روح الجماعة ويتيح فرصة أكبر لتمثيل الأقباط والمرأة والشباب.. لكن أهم عيوبه أنه يحرم المستقلين من الترشح نهائيا. وأخيرا نأتي إلي النظام المختلط فنجد أهم مزاياه أنه يحقق قدرا من العدالة والديمقراطية لأنه يتيح الفرصة للحزبيين والمستقلين للتمثيل في البرلمان ويأتي للبرلمان بكفاءات قادرة علي مباشرة العمل النيابي بجدية وفاعلية.. لكن أهم عيوبه أنه يصلح فقط للمجتمعات المتقدمة التي يكون فيها الناخب علي قدر المسئولية في اختيار عضو البرلمان ففي تلك المجتمعات -ومن بينها ألمانيا التي يطبق فيها هذا النظام- يرتفع المستوي الثقافي للناخبين ويزداد وعيهم السياسي نتيجة التنشئة السياسية السليمة من خلال أحزاب قوية تفتح باب الحوار والتدريب علي برامجها وايدولوجياتها.. نخلص من هذا إلي أن النظام المختلط لا يتناسب حتي الآن مع طبيعة المجتمعات النامية. ربما يستنتج القارئ مما سبق أن النظام المختلط هو الأفضل بصفة عامة وهذا صحيح من وجهة نظري لكن لكي ينجح هذا النظام لابد أن تكون لدينا أحزاب قوية متواجدة في الشارع وليس أحزابا من ورق لا نري قادتها إلا في المؤتمرات الصحفية يصرخون ويشتكون من كل شيء بينما لا يقدمون لاهم ولا أحزابهم أي شيء للناس. لهذا يمكن القول أننا غير مؤهلين للأخذ بهذا النظام في الوقت الحاضر ونحتاج لفترة تستقر فيها الأحوال وتهدأ الصراعات السياسية لتتفرغ الأحزاب لبناء قواعدها وخلق قيادات شابة تطور وتدعم العمل الحزبي.. فترة يرتفع فيها الوعي السياسي إلي الدرجة التي تجعل الناخب يحسن الاختيار فعلا بين المرشحين ولا يعلي إلا مصلحة الوطن وحتي نصل إلي هذه الدرجة من الوعي وحتي تقوي الأحزاب وتتواجد في الشارع ربما يكون من الأفضل الأخذ بنظام الانتخاب الفردي الذي تعود عليه المصريون ويناسب طبيعتهم وظروفهم الحالية.