كل الثورات في تاريخ البشرية اقتصت من خصومها. الثورة الفرنسية كان شعارها »المقصلة« التي قطعت رقاب العديد من أعدائها.. الثورة البلشفية في روسيا أطاحت بخصومها وعلقت لهم المشانق.. الثورة الايرانية انتهجت القصاص كمبدأ في طريق نجاحها بقيادة آية الله الخوميني.. معظم الثورات الكبري سبحت في بحور دماء الخصوم والأعداء. ولكن ثورتنا المجيدة 52 يناير والتي أطلق عليها العالم لقب »الثورة الملهمة« لم تسع الي الانتقام ولا الي فتح »حنفية الدم« للنظام البائد رغم أن فساد هذا النظام يستحق الموت ألف مرة بل والتمثيل بجثث أتباع هذا النظام الفاجر جزاء ما اقترفوه من جرائم في حق مصر وشعبها.. ولن يلومنا أحد. ثورة 52 يناير.. ليست مجرد ثورة بيضاء. وانما ثورة رحيمة.. ورحيمة جدا بخصومها وأعدائها. ثورتنا الملهمة.. فرحت بإبعاد رأس النظام الي منتجع شرم الشيخ أجمل بقاع الدنيا. ثورتنا الملهمة.. كانت علي يقين أن الرئيس المخلوع يجمع فلول نظامه ويدبر ثورة مضادة ولم تتحرك! ثورتنا الرحيمة.. تلقت ضربات الثورة المضادة الواحدة تلو الأخري ولم تحرك ساكنا.. سوي محاولات الدفاع.. تجري هنا لاخماد نار فتنة طائفية.. ثم تجري هناك لنزع فتيل وقيعة مقصودة بينها وبين الجيش حامي الثورة. ثورتنا الرحيمة.. وافقت بسعة صدر علي محاكمة رموز نظام القهر والطغيان أمام المحاكم المدنية وبتهم التربح وغسيل الأموال لا بتهم القتل العمد لشهداء الثورة ولا الفساد السياسي ولا الخيانة العظمي! ثورتنا الطيبة.. اكتفت بالفرجة علي البلطجية وهم يندسون وسط الشعب في ميدان التحرير ليدلي كل واحد منه بدلوه في اشعال النيران وسكب البنزين لحرق البلد وحرق ثقة الناس في رجال المجلس الأعلي العسكري! ثورتنا الطيبة.. بل وشديدة الطيبة وقفت تستمع باهتمام شديد لرسالة صوتية من الرئيس المخلوع عبر قناة العربية يهدد فيها الشعب كله بالملاحقة ويزعم بصوت كاذب بأنه بريء من نهب ثرواتنا هو وأفراد عائلته! هل ثورتنا رحيمة الي هذا الحد؟ هل أخطأ الثوار للدرجة التي شعر معها المواطن العادي بأن ما قام به الشعب المصري لم يكن ثورة حقيقية؟ هل الثورة بيضاء وناصعة البياض لهذه الدرجة؟ الاجابات تحملها طبيعة الشخصية المصرية. الانسان المصري متحضر لدرجة مذهلة.. عاش 7 آلاف سنة الي جوار نهر النيل الهاديء حتي أن صفات هذا النهر العظيم انتقلت اليه دون أن يدري.. هدوء النهر لا يعني الضعف أو الاستكانة.. وانما يعني الحكمة والتمهل في اتخاذ القرار. اذا كنت لا تصدق كلماتي فعليك بالتجربة التالية: اجلس الي جوار النيل والق فيه ما شئت من قاذورات وأوساخ.. وانظر ماذا سيجري بعد دقائق.. ستجد مياه النهر الهاديء تدفع هذه القاذورات والأوساخ بكل سلاسة.. وفي خلال دقائق معدودة ستختفي هذه القاذورات والأوساخ وسيعود النهر نظيفا! هذا هو النيل الهاديء. وهذا هو المصري الرحيم الذي أذهل العالم بثورته ومازال يذهله بتصرفه الحضاري الذي لم يمله عليه أحد سوي جينات الحضارة القديمة التي تسري في عروقه كالدم. ثورتنا الرحيمة قصاصها وانتقامها من خصومها وأعدائها قد يبدو بطيئا للبعض.. بل وقد يري الكثيرون أن الثورة عاجزة عن الانتقام من النظام البائد.. ولكن حقيقة الأمر أن الثورة المصرية تعطي العالم كله درسا في كيفية اذلال خصومها وأعدائها ومحاكمتهم بالقانون وليس بدافع الانتقام والتشفي. المصريون المتحضرون ومعهم جيشهم العظيم لا يتعاملون بمنطق الهمج الذي كان سائدا في عهد مبارك ونظامه القمعي.. نحن لن نكون مثل هؤلاء البغال الذين امتطوا الجمال في موقعة الجمل ليواجهوا »اللاب توب«.. نحن سنحاكم هؤلاء البلطجية الجهلة بالقانون وسنقتص لقتلانا بالقانون وحده. الثوار والجيش لن يحاكموا النظام الفاسد حتي بقانون الطواريء المشبوه الذي زج بآلاف الأبرياء من الشعب المصري في السجون ليتم تعذيبهم بشتي ألوان وصنوف العذاب والقهر. وليثق أبناء الشعب في رجال الجيش وليتأكد الجميع أن هدوءنا في محاكمة هؤلاء الفئران بقتلهم كل لحظة ألف مرة.. فلا يعتقد أحد منا أن أتباع النظام السابق يعيشون في سعادة وهناء وهم ينتظرون القصاص.. انهم الآن مذعورون.. ترتعد فرائصهم خوفا ورعبا.. بل ويستعجلون العقاب والحساب ويقولون لأنفسهم: لماذا لا يعاقبوننا بسرعة؟.. ماذا ينتظرون؟ فوقوع البلاء أهون بكثير من انتظاره. واليوم فقط وبعد صدور قرار النائب العام بحبس الفرعون المخلوع وولديه 51 يوماً علي ذمة التحقيقات نستطيع جميعاً ان نقول لثورتنا العظيمة وجيشنا الباسل.. مبروك. بيني وبينكم احتفلت جريدة أخبار الحوادث يوم السبت الماضي بعيد ميلادها التاسع عشر.. وخلال الحفل الذي أقامه الصحفيون بالجريدة مر شريط ذكريات سريع برأسي منذ كانت جريدتنا الحبيبة مجرد فكرة تداعب رأس الكاتب الكبير ابراهيم سعدة رئيس مجلس ادارة مؤسسة أخبار اليوم الأسبق وكيف سعت مجموعة من 7 صحفيين لتحقيق الفكرة واخراجها الي النور.. والصحفيون السبعة هم: الكاتب الصحفي محمود صلاح رئيس التحرير السابق والفنان مجدي حجازي سكرتير عام تحرير مؤسسة أخبار اليوم و الموهوب محمد رجب مدير التحرير ورفقاء الكفاح الرائع خالد القاضي والعبقري ايهاب فتحي وابن الصعيد الجدع ممدوح الصغير نائب رئيس التحرير.. وأخيرا العبد لله كاتب هذه السطور. قبل 91 عاما.. وبالتحديد يوم 9 ابريل من عام 2991 خطت أخبار الحوادث أولي خطواتها علي بلاط صاحبة الجلالة وحققت معجزة بكل المقاييس حيث قارب توزيعها المليون نسخة لدرجة دفعت عددا كبيرا من باعة الصحف وقتها للهجوم علي مبني أخبار اليوم وحطموا باب التوزيع وهم يطالبون بزيادة عدد نسخ الجريدة الوليدة ومضاعفة الكمية المسلمة لهم بعد أن نفدت الجريدة خلال ساعة واحدة. وتوالت الذكريات علي رأسي.. كيف كبرت الجريدة الوليدة وتألقت يوما بعد يوم في ظل من تولوا رئاسة تحريرها بدءا من الكاتب الصحفي الكبير ابراهيم سعدة ومرورا بالكاتب الراحل سمير توفيق الذي اختلفت معه صحفيا ولكن ظلت صداقتنا وعلاقتنا الانسانية مثار دهشة كل الزملاء.. ومن بعده تولي رئاسة التحرير الكاتب الصحفي الكبير محمد بركات رئيس مجلس ادارة مؤسسة أخبار اليوم الحالي والذي أعاد للجريدة احترامها ومكانتها ومواقفها الوطنية شديدة الرقي.. وأخيرا تولي رئاسة التحرير ملك صحافة الحوادث في مصر النابغة محمود صلاح والذي ترك الجريدة شابة في التاسعة عشرة من عمرها ومعها مجموعة من انبه الصحفيين علي مستوي العالم العربي في مجال الحوادث والجريمة. اليوم ونحن نحتفل بالعيد التاسع عشر لجريدة أخبار الحوادث لابد أن نتذكر كل أساتذتنا الذين رحلوا عن عالمنا وقد أسهموا في وضع حجر أساس هذه المطبوعة الرائدة في مجال الحوادث وأذكر منهم أساتذتي: عبدالفتاح الديب، فاروق ابراهيم، سيد عبدالفتاح، منير نصيف ومؤمن مرسي.. رحمهم الله جميعا.. أما الأحياء فهذه المساحة لا تكفي لذكرهم لأن كل ابن من أبناء مؤسسة أخبار اليوم له بصمة واضحة في نجاح جريدة أخبار الحوادث لا يمكن محوها.