في نفس اللحظة التي افتتح فيها نجوم السينما العالمية مهرجان كان السينمائي الدولي السادس والستين الأربعاء الماضي و في مقدمتهم ليوناردو دي كابريو وكاري مولجن وتوبي ماجواير والمخرج باز لورمان صناع فيلم الافتتاح "جاتسباي العظيم" عرض الفيلم تجاريا في معظم دول العالم ليحتفي عشاق السينما بافتتاح المهرجان العريق وبالفيلم المنتظر الذي سبقته دعاية ضخمة ليس لاختياره لافتتاح أهم مهرجانات السينما في العالم ولكن لثقل الرواية الرائعة التي كتبها ف. سكوت فيتزجرالد في عشرينات القرن الماضي .. وتوقع الجميع تحفة جديدة لباز لورمان مخرج "مولان روچ" الذي افتتح "كان" قبل اثني عشر عاما.. ومثلما كان مدهشا أن أشاهد الفيلم في مصر في نفس توقيت عرضه في "كان" خرجت أكثر اندهاشا لحال الفيلم الذي غابت عنه روح الرواية وافتقد عمقها ومعناها بعدما سقط المخرج الكبير في فخ الإبهار الشكلي واستعرض "عضلاته" في فيلم الدراما فيه سيدة الموقف لا المؤثرات البصرية وحركات الكاميرا "المتفزلكة".. وقد أضرت تقنية الأبعاد الثلاثية أكثر مما أفادت وجعلت المخرج شديد الاهتمام بما يظهر قدرته الفائقة في توظيف التقنية الحديثة في كل لقطة بالفيلم ولو علي حساب الدراما.. وأمام ولع المخرج بالإبهار وجماليات الصورة أهمل توجيه نجومه، فكان أداؤهم مفتعلا مسرحيا في معظم الأحوال، وافتقدت شخصيات الرواية عمقها فكانت باهتة، تصرفاتها لا يحكمها منطق ولا تستند لخلفية واضحة للمشاهد الذي أرهقه لورمان فزاغت عيناه خاصة مع الأبعاد الثلاثية، وفقد التركيز في مضمون الرواية التي رصدت فترة مهمة في حياة المجتمع الأمريكي الذي شهد تحولات كبيرة بعد الأزمة الاقتصادية بعد الحرب العالمية الأولي حين عاش المواطن الأمريكي عصرا صاخبا أطلق عليه فيتزجرالد "عصر الجاز" - وكانت تلك الفترة قد شهدت رواجا لموسيقي الجاز الصاخبة- لما كانت حقبة هوس ومجون و لهو و بذخ لا مثيل لها بعد ثراء فاحش عاشته طبقات ذات أصول عريقة وامتد لآخرين لا أصل لهم استغلوا قانون تجريم تجارة الخمور فاحترفوا التهريب من خلال عصابات منظمة و بعد هذا بعام ظهر قانون يمنح المرأة حق التصويت في الانتخابات لاول مرة بعد كفاح كبير للمرأة البيضاء هناك وحصلت المرأة بعدها علي مزيد من الحقوق والحريات، وتنامت حركات التحرر للسود و تبع ذلك كله حالة من الانفلات الأخلاقي والأمني وصراع طبقي مع ازدياد الهوة بين الأغنياء والفقراء وتفسخ واضح للمجتمع وهذا بعض ما رصدته الرواية وأغفله الفيلم مبتعدا عن مغزاها مكتفيا بالطبقة القشرية للرواية التي تعتمد علي سرد "نيك كاراوي" توبي ماجواير وهو أحد أبطال الحكاية وليس راويها فقط وهو قريب "لديزي" كاري مولجان زوجة "توم "جويل ايد جرتين" الثري سليل إحدي العائلات العريقة وفي الوقت ذاته جار "جاتسباي" ليوناردو دي كابريو المهاجر المغامر أحد محدثي النعمة والثراء الفاحش من تهريب الخمور بعد حياة بائسة وعاشق ديزي المتيم الذي يعود بعد سنوات ليحاول استعادة حبه القديم ويكاد ينجح إلا أن سرعة جنونية لسيارته التي تقودها ديزي وهما معا تنتهي بقتل عشيقة توم وهي عاملة فقيرة فيحمل جاتسباي العاشق النبيل الوزر عن ديزي لتنتهي الأحداث بقتله علي يد زوج القتيلة الذي يقتل نفسه بعدها، بينما تمضي ديزي وزوجها المرفهان في هدوء دون أن يكترث أي منهما بشئ ودون حتي نظرة أسي أو وداع للمغدور بهما عشيقها أو عشيقته! تاهت في الفيلم كل المعاني والشخصيات فلم نعرف لماذا كان جاتسباي عظيما وهو في السيناريو ماجنا يسعي لسرقة زوجة آخر دون أي مبررات درامية تدعونا للتعاطف أو فهم وتقدير سر عظمة مشاعر العاشق "العظيم"، ولم ندرك قيمة لديزي المستهترة الباهتة كما رسمها السيناريو أيضا كما لم نتعاطف مع زوجها الثري جامد المشاعر الخائن بطبعه أو حتي عشيقته البائسة التي قضت الأحداث عليها وزوجها الأكثر منها بؤسا ومعهما جاتسباي البائس رغم ثرائه الفاحش، ليرحل البؤساء جميعا ويبقي فقط أصحاب النفوذ والأصول العريقة دون فهم عميق لمغزي ما حدث لأي منهم في الفيلم!