تعاني معظم دول العالم من مشكلات التنمية، فحتي تلك الدول التي تصنف علي أنها دول متقدمة، فإن نموذجها التنموي تعصف به أزمات ترتبط بطبيعة النظام الرأسمالي، الذي يعتبر التقلبات الاقتصادية جزءا من بنيته وطريقة عمله. فنحن أمام تصنيفات متعددة لدول العالم من حيث وضعها التنموي. دول متقدمة تعاني أزمات مالية، وانعكست نتائج تلك الأزمة علي الأداء التنموي المتمثل في تراجع معدلات النمو، وارتفاع معدلات البطالة، ووجود فجوة تمويلية هي الأكبر في التاريخ الاقتصادي لتلك الدول، وثمة جهود تبذل في إطار السيطرة علي تلك الأزمة وتداعياتها السلبية، ولكن هذه الجهود لم تكلل بعد بالنجاح، ولم تبلور بعد مظاهر معالجة صحيحة لتلك الأزمة والمشكلات الناجمة عنها، غير أن المسلم به منذ وقوع الأزمة المالية العالمية، أن العالم أصبح في حاجة إلي نظام مالي جديد. أما الصنف الثاني من دول العالم علي الصعيد التنموي فهي الدول الصاعدة، والتي تضم دولا من آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية ودولة أوروبية واحدة هي روسيا. إلا أن التصنيف الجامع لهذه الدول أنها دول الجنوب. وقد تحسنت كثيرًا مؤشرات تعافي اقتصاديات هذه الدول من حيث نصيبها من الصادرات العالمية، أو تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر، أو حجم إنفاقها علي البحوث والتطوير، وكذلك تحسن وضع العديد منها علي مؤشرات التنمية البشرية. غير أن هذه الدول لازال أمامها شوط طويل في القضاء علي الفقر في بلدانها، أو القدرة علي النمو خارج منظومة الرأسمالية العالمية، فعلي الرغم من أن تجارب هذه الدول التنموية يمكن اعتبارها تتمتع بجزء كبير من الذاتية، إلا أنها تدور في منظومة الاقتصاد الرأسمالي الذي لايزال يسيطر علي المقدرات الاقتصادية العالمية. أما التصنيف الثالث فهي تلك الدول المتخلفة أو النامية، والتي تنقسم بدورها إلي مجموعتين، دول نامية ودول أقل نموًا، وتعاني هذه الدول من مجموعة من المشكلات التنموية التي تعوق تقدمها، وللأسف الشديد فإن جل دول العالم الإسلامي تندرج تحت تصنيف الدول النامية أو الاقل نموًا، باستثناء ماليزيا وتركيا فيندرجان تحت مظلة الدول الصاعدة. الإسلام والتنمية لم يتم استخدام لفظ التنمية عبر الإسهامات الإسلامية في العلوم الاجتماعية إبان التصنيف والتأصيل للعلوم الإسلامية، ولكن الحديث عن مفردات التنمية ومفاهمها المختلفة أتي عبر استخدام لفظ العمارة أو الاستخلاف أو التمكين، وما يفرضه استخدام المفردات من دلالات شرعية وواجبات علي الفرد والمجتمع. وقد عنيت الأدبيات الخاصة بالاقتصاد الإسلامي بالتركيز علي الإنسان باعتباره المكلف والمنوط بالتنمية، فهو محل تكريم الله، وهومحل التكليف بالاستخلاف والعمارة. وقد تضمن المنهج الإسلامي مجموعة من الضوابط الحاكمة في مجالات الاستثمار والاستهلاك والإنتاج والتوزيع، بما يحقق أداء اقتصاديا متوازنا، في ظل منظومة أخلاقية ضابطة لأداء الأفراد والمجتمع، منها العدل والعمل والقناعة والإيثار. ويعد مصطلح العمارة هو الأقرب والأشمل لمفهوم التنمية، وأتي في إطار التعريف الإسلامي للتنمية الشاملة عمارة الأرض بأنها "عملية مستمرة ومتصلة زمنيًا، فهي ليست فرضًا علي جيل دون آخر، إنما هي عملية متصلة لا تتوقف، تكفل للمجتمع الإسلامي الاستقرار في ظل الظروف الأفضل للحياة الإنسانية، وعلي ذلك فإن واجب العمارة فرض علي كل الأجيال حتي يترك كل جيل للذي يليه وضعًا صالحًا لإقامة حياة طيبة" ولتحقيق التنمية في ظل المنهج الإسلامي شروط ومقومات لابد منها، وهي: الإعداد الإيماني والتربوي والأخلاقي لجعل الإنسان الذي يصنع التنمية، والإنسان الذي يجني ثمارها صالحين قادرين علي الإنتاج والترشيد الاستهلاكي. العمل الصالح، الذي لا ينحصر معناه في الشعائر التعبدية، وإنما في حقيقته وجوهره، أنه كل عمل طيب نافع للإنسان والحيوان والبيئة. الإعداد العلمي والتقني للإنسان في مجتمعنا الإسلامي من خلال التزود بالعلم النافع الشامل لكل علوم الحياة الدنيوية والأخروية، ويدخل فيه تحقيق المهارات والقدرات علي الابتكار، وصناعة التقنيات الجديدة واختراعها. حماية حقوق الإنسان وكرامته وحريته، إذ بدونها لا إبداع ولا قدرة علي تحقيق النافع والمفيد، بل يصبح الإنسان في ظل الاستبداد والديكتاتورية وكبت الحريات كالعبد الذي فقد حريته وإرادته. إشراف الدولة علي التنمية الشاملة لتحقيق الأولويات والموازنات، وذلك من خلال خطة تتسم بالاعتدال والموازنة بين التدخل المطلوب من قبل الدولة، وحرية الأفراد، للترشيد والتوجيه دون التدخل المباشر. اختيار الأكفاء من أبناء الأمة، من أهل الاختصاص في التعمير والإنتاج، وكل مضمون النشاط الاقتصادي، فبدون أهل الاختصاص لايتحقق التطوير والابداع، اللذان هما من أعمدة التنمية. قيام الدولة بإنشاء بيوت الزكاة للجمع والتحصيل، وللتوزيع العادل من خلال هيئة مستقلة متخصصة. التعاون والتكامل الاقتصادي بين الدول الإسلامية، وذلك لوجود تجمع كبير يمكن من خلاله الاستفادة من موارد وسوق كبيرين. فرض ضرائب تتسم بالعدالة علي القادرين لتمويل التنمية، يدفعونها عن طيب خاطر في إطارالصدقات العامة، وقد أجاز الإسلام للدولة فرض ضرائب عند الضرورة أو الحاجة العامة. توفير البيئة المناسبة للاستثمار، والادخار، من خلال توفير البنية التشريعية التي تحمي الحقوق وترسي مبادئ دولة القانون، وكذلك توفير البنية التحتية الملائمة للتوجهات التنموية. كاتب المقال: خبير اقتصادي