ستيفن سودربرج.. مخرج شاب جذب إليه الأضواء العالمية.. عندما فاز فيلمه الأول (فيديو وجنس وأكاذيب) بالجائزة الكبرى فى مهرجان (كان).. ولفت إليه الأنظار بتكنيك خاص به.. يختلف جذرياً عن التكنيك الشائع فى الأفلام الهوليوودية.. ثم هذه الجرأة فى طرح مواضيع لم تكن هوليوود عادة تهتم بطرحها، وتابع سودربرج طريقة الفتى المشع، وألحق فيلمه الأول بمجموعة أخرى من الأفلام أشهرها فيلم عن الكاتب التشيكى (فرانز كافكا).. أثار معظمها انتباه المتفرجين وعشاق السينما فى العالم.. دون أن يجتاز الدائرة التى تفصل بين أفلام الفن، والأفلام التجارية المحضة.. رغم محاولته ذلك فى بعض أفلامه.. واليوم هاهو سودربرج يعود إلينا بفيلم كان ضمن المسابقة الرسمية فى مهرجان برلين الأخير بعنوان (أعراض جانبية) بطولة نجوم كبار أمثال جودلو وكاثرين زيتا جونز. وكعادته اختار سودربرج موضوعاً ديناميتاً يكسر الكثير من الخطوط الحمراء.. إنه موضوع هذه الأدوية التى تطرحها بعض الشركات للتنشيط الجنسى ومقاومة الاكتئاب، وإعطاء بهجة للحياة، هذه المستحضرات الطبية الى يصفها الأطباء لمرضاهم.. وتباع بشكل كثيف وتدر أرباحاً طائلة على الشركات التى أنتجتها والأطباء الذين يصفونها. الفيلم يضعنا منذ البداية.. أمام عدة حالات لمرضى أوعز إليهم أطباءهم باستعمال هذه الأدوية، والمخاطر التى تنتج عنها من تدمير للذات.. ويأس يدعو إلى محاولات الانتحار بل وأحياناً يؤدى إلى جرائم قتل يرتكبها هؤلاء المرضى.. دون أن يستطيعوا التحكم فى إرادتهم وكأنهم تحت تأثير منوم قاسى يجعلهم لا يذكرون شيئاً مما ارتكبوه عند يقظتهم. ومن خلال هذه الحالات التى يقدمها الفيلم بعجالة.. يتوقف أمام حالة فتاة جميلة فى مقتبل العمر.. تستقبل بحماس وحب زوجها الذى خرج من السجن بعد قضاء عقوبة يسيطة، ونعرف سريعاً أن هذه المريضة تستعمل أدوية الاكتئاب هذه التى ينصحها بها طبيبها المعالج.. ولكننا فجأة ناها وقد فقدت توازنها، وقامت بارتطام سيارتها بحائط أسمنتى ثم مرة أخرى حاولت الانتحار تحت عجلات المترو.. وتم إنقاذها فى اللحظة الأخيرة. وأخيراً.. ودون سبب ظاهر.. تقوم بطعن زوجها الذى تحبه طعنة قاتلة تودى بحياته، ويحاول محاميها بمساعدة طبيبها (ويلعب دوره الوسيم جداً جودلو) إثبات أنها كانت فاقدة الوعى عن تصرفاتها، وأنها كانت شبه منومة، وهنا تبدأ الاتهامات تتوجه إلى طبيبها الذى نصحها بتكرار استعمالها لدواء معين.. فأين تقع المسئولية الجنائية الآن؟ على الطبيب أم على المريضة التى تصرفت دون إرادة حقيقية منها؟ وما مسئولية شركات الأدوية التى لا يهمها من الأمر كله إلا ازدياد أرباحها حتى لو كان ذلك على حساب أرواح المرضى المساكين. وتتكشف الأمور شيئاً فشيئاً عن حالات مشابهة وقع فيها الطبيب.. كما تتكشف عن أن مريضته كانت تعالج قبل ذلك برعاية طبية نفسية أخرى (وتلعب دورها كاترين زيتا جونز) وتظهر على السطح خلافات حادة بين الطبيبين وشكوك قاتلة تعلنها الزوجة.. قبل أن نكتشف فى الجزء الثانى من الفيلم الحقيقة المروعة التى لا تتعلق بالدواء قدر ما تتعلق باستغلاله لتحقيق جريمة مدبرة وكاملة.. خططت لها الطبيبة الحسناء التى تربطها بالمتهمة علاقة حب، وفى محاولة لضرب عصفورين بحجر.. قررتا التخلص من الزوج الذى يقف عقبة فى وجه هذه العلاقة، والثأر من الطبيب المنافس، وأن كل ما كانت تفعله (المريضة) كان تخطيطاً مدبراً من قبل.. وهكذا يخرج الفيلم فجأة عن سياقه النقدى والفنى، ليتحول إلى مليودراما بوليسية مضادة، ورغم براعة المخرج والممثلين يخرج المتفرج وقد أحس بشىء من الإحباط.. وأمسك دون أن يدرى بمأساة سودربرج الذى يرقص على الحبل.. فلا هو استطاع الوصول إلى الشاطئ.. ولا استطاع أن يعود أدراجه فترك نفسه ومعه فيلمه.. معلقاً فى الهواء.. يترنح.. دون اتجاه