هل هى لعبة الاقدار أم قاعدة التكامل الفنى التى أرادت أن يتواجد كل من عبدالحليم حافظ وأحمد زكى فى زمن واحد.. وأن يرحلا معا وفى وقت متزامن عندما أوشك هذا الزمن الجميل على الرحيل. أحمد زكى طاقة فنية تمثيلية من طراز فريد.. استطاع بفضل موهبته العملاقة وحسه الفنى الفطرى أن يحطم القواعد السائدة فى عصره.. عن «شكل» النجم الكبير وحدوده النمطية.. ولن يقلب موازين التمثيل السينمائى رأسا على عقب. لقد استطاع بعفوية وذكاء وموهبة أن يكسر الخط الأحمر للوسامة الذكورية كما كان يفرضها المنتجون السينمائيون.. وأن يفرض شكلا جديدا للممثل لا يعتمد على المظهر الخارجى.. قدر ما يعتمد على الطاقة الداخلية الهائلة التى تكمن فى النفس الانسانية والتى تدفع الممثل لأن «يكون» لا أن «يمثل». اجتاز أحمد زكى دربا شديد الصعوبة، وتوقف أمام جدار صلب مرتفع.. اعتقد الجميع أنه لن يستطيع اختراقه.. ولكن كما تقول الأساطير القديمة.. استطاع أحمد زكى بمزماره السحرى.. أن يسقط جدار «ريحا» وأن ينطلق بالسهل الأخضر الممتد أمامه - فارسا.. وعاشقا.. ومناضلا.. وثائرا ورجل حقيقى من بيننا. فقد استطاع أحمد زكى أن يلفظ أنفاسه.. بعد صدمة ابعاده عن بطولة أولى أمام سعاد حسنى فى اللحظة الأخيرة بحجة أن الجمهور لن يقبل شكله الشعبى الأسمر.. ولأنه لا يحمل سمات الممثل الوسيم المعتادة.. وانه شديد الشبه بالانسان المصرى العادى. كتم أحمد زكى أنفاسه اللاهثة ولجم قليلا براكين الغضب المشتعلة فى نفسه لينطلق بعد ذلك عملاقا ثائرا يثبت للجميع.. أن قوة الممثل الحقيقية لا تكمن فى مظهره.. قدر ما تكمن فى داخله ونجح فى أن يقلب الموازين كلها وأن يصبح فى أقل من عدة سنوات النجم الأول الحقيقى فى ميدان السينما يتنوع فى الأداء وقدرة على تجسيد الشخصية التى يلعبها من الداخل أن يترك بصمة حقيقية فى دائرة الاداء السينمائى.. بل أن يكون مدرسة لكثير من الشباب الناضج الذى ارادوا أن يحذوا حذوه. التحدى نفسه قام به شابا أسمر آخر.. وقف هو أيضا تجاه قوانين الغناء السائدة وكسر الخطوط الحمراء كلها التى اعتماد أمراء الطرب فى مصر أن يضعوها سدا فى وجه كل من يحاول الاقتراب من هذا الميدان. ادار ظهره لكل ما هو شائع ومتبع.. وأمن أن الاحساس الداخلى الحار أهم بكثير من نقاء الصوت وارتفاع مقاماته. ورغم صدمة الظهور الأول فى الاسكندرية ورغم الفشل الجماهير المهين الذى لاقاه.. تماما كما حدث مع زميله أحمد زكى.. قرر التحدى والسير قدما لتحطيم هذا السور العالى من الوهم.. الذى احاط بالغناء العربى. انطلق العندليب الأسمر.. شأن زميله النسر الأسمر فى سماء الفن المصرى ليقلب القواعد القديمة.. وليؤسسا قواعد جديدة وليكونا رمزا لزمن جميل من الفن.. أؤرخ باسميها.. واكنسى بطابعها. وأصبحا سمة مميزة له. لذلك كان من البديهى أن يظهرا معا.. كل فى ميدانه.. وكان من المؤلم أن يرحلا معا.. وفى شهر واحد.. وكأنهما يخيرانا على طريقتها بأن الزمن الجميل الذى صنعاه لنا قد انتهت مرحلته.. واننا مقبلون على زمن جديد آخر.. لم تتحدد معالمه بعد.. ولم يتحدد فرسانه.