نجحت الولاياتالمتحدةالأمريكية ومعها إسرائيل في تحقيق أهدافهما لفصل جنوب السودان لإضعاف السودان وحرمان مصر من عمقها الاستراتيجي في السودان. وفي وقاحة لا مثيل لها يبعث الرئيس الأمريكي باراك أوباما برسائل إلي الرئيس حسني مبارك والعقيد معمر القذافي وعدد من الزعماء الآخرين في المنطقة مشدداً علي رغبة واشنطن في ضرورة تحقيق انفصال جنوب السودان. كانت هذه الرسائل التي بعث بها أوباما خلال تواجد هؤلاء الرؤساء في الخرطوم تحمل تحذيراً للجميع لكي لا يحاولوا إيقاف قطار الانفصال الذي تحرك والذي تحرص واشنطن علي عدم إيقافه. تكشف هذه الرسائل عن حقيقة المؤامرة الأمريكية الإسرائيلية لفصل جنوب السودان كبداية لفرض سيطرتها علي القارة الأفريقية. فالولاياتالمتحدة ومعها إسرائيل تجدان في فصل جنوب السودان عن شماله فرصة ذهبية وبداية لسلسلة من المؤامرات التي تخطط لها الولاياتالمتحدةالأمريكية للسيطرة علي كل أرجاء القارة الأفريقية. إسرائيل تجند كل طاقاتها وجهودها منذ سنوات طويلة من أجل السيطرة علي منابع النيل وإلحاق الضرر بمصر. والسودان. لقد كشف "آفي ريختر" مسئول الأمن الداخلي الإسرائيلي السابق في محاضرة علنية أن السودان بموارده ومساحته الشاسعة وعدد سكانه يشكل عمقاً استراتيجياً لمصر.. وقد تجلي ذلك بعد حرب 1967 حين تحول السودان إلي قاعدة لتدريب وإيواء السلاح الجوي المصري والقوات البرية المصرية.. ويضيف ريختر.. كان لابد أن نعمل علي إضعاف السودان ومنعه من التحول إلي دولة قوية موحدة.. إن الأيام القادمة تمثل مرحلة حاسمة. ليس بالنسبة للسودان فقط. ولكن لكل الدول المحيطة بالسودان. لأن تداعيات انقسام السودان وانفصال الجزء الجنوبي منه لابد أن يؤثر علي مستقبل كل الدول الأفريقية. الولاياتالمتحدةالأمريكية وإسرائيل لا تريدان إضاعة فرصة الاستغناء عن انفصال الجنوب. والتي خططت لها الولاياتالمتحدةالأمريكية منذ عدة سنوات مما جعلها تجاهر بكل تحركاتها للضغط من أجل تحقيق انفصال الجنوب السوداني. وخلال الأيام الماضية قامت الولاياتالمتحدةالأمريكية بمشاركة إسرائيل إدخال أسلحة ثقيلة إلي جنوب السودان وإلي منطقة "ابيي" المتواجدة بين شمال السودان وجنوبه والمتنازع عليها بين الفريقين. وأكد الناطق باسم القوات المسلحة السودانية أن قوة كبيرة من الجيش الشعبي لتحرير السودان الذي يسيطر علي الجنوب. أدخلت دبابات ثقيلة ومعدات عسكرية إلي منطقة "ابيي" واعتبر المتحدث أن تلك الخطوة تمثل تطوراً خطيراً يمكن أن يشعل حرباً جديدة في المنطقة. ومنطقة "ابيي" الواقعة بين الشمال والجنوب تمثل حساسية شديدة لما تضمه من ثروات بترولية.. والتي مازالت تطالب بها كل من قبيلة "دنكا نقول" الجنوبية والبدو العرب من قبيلة "المسيرية" في شمال السودان. لقد شهدت تلك المنطقة معارك دامية وقعت في شهر مايو عام 2008 بين الشماليين والجنوبيين بما يثير مخاوف اندلاع الحرب الأهلية مجدداً. مؤامرة تقسيم السودان ليست جديدة. وليست هي الحالة الوحيدة في القارة الأفريقية ولكنها ترتبط بالسياسة الاستعمارية البريطانية في كل الدول التي استعمرتها بريطانيا. حدث ذلك في العراق وفي نيجيريا وفي غيرهما من الدول. عبرت هذه السياسة عن الأسلوب البريطاني "فرِّق تَسُد". في العراق طبقت بريطانيا هذه السياسة وفرقت بين الجنوب الشيعي والشمال السني وعملت علي إثارة الخلافات بين السنة والشيعة. اهتمت بريطانيا بتنمية الشمال العراقي في منطقة بغداد وفي نفس الوقت تعمدت إهمال أي تقدم للجنوب العراقي. حيث توجد الأغلبية الشيعية وحرصت الإدارة البريطانية علي أن يكون الحكام المسيطرون من الأقلية السنية لإثارة أحقاد الشيعة ضد السنة.. هذه السياسة مازالت لها آثارها في العراق إلي اليوم. بل إن الولاياتالمتحدةالأمريكية طبقت هذه السياسة بعد احتلال العراق ولكنها بدلت الوضع وتبنت الشيعة لتضرب بهم السنة رغم ما يردده الأمريكان عن عدوانهم لإيران التي تدعم الشيعة العراقيين في هذه الأيام ومنذ غزو أمريكا للعراق. نفس الأسلوب "فرق تسد" استخدمته السياسة البريطانية في نيجيريا عندما قسمت البلاد إلي شمال مسلم وجنوب مسيحي وثني.. وطبقت نفس السياسة في السودان. حيث ملأت الجنوب بالإرساليات المسيحية ومنع تواجد التجار المسلمين الذين كانوا عاملاً هاماً في نشر الإسلام في الجنوب الأفريقي كله. لقد وضعت بريطانيا خط تقسيم الجنوب عن لشمال وهو خط العرض 12 شمالاً ومنذ عام 1908 قررت سلطة الاحتلال البريطاني منع استخدام اللغة العربية في جنوب السودان وأصدرت الأوامر لإغلاق الكتاتيب التي تعلم اللغة العربية والدين الإسلامي. في نفس الوقت أصدرت السلطة البريطانية قانوناً للجوازات لمنع دخول أبناء شمال السودان إلي الجنوب. وفي إطار سياسة فرق تسد البريطانية حرصت بريطانيا علي عزل الدول الأفريقية عن بعضها البعض.. كان من تلك الوسائل تصميم الخطوط الحديدية للقطارات لتكون متعامدة من داخل تلك الدول علي الساحل حتي لا تسهل الاتصال بين الدول الأفريقية المتجاورة.. بل إن الإدارة البريطانية حرصت علي عدم تساوي اتساع الخطوط الحديدية للقطارات حتي لا تستطيع تلك الدول تسيير القطارات من دولة لأخري لتسهيل التقارب بين الشعوب الأفريقية التي تنتشر قبائلها في أكثر من دولة واحدة. الانفصال مؤكد مع اقتراب الاستفتاء علي انفصال الجنوب في التاسع من شهر يناير القادم. تزداد درجة التوتر بين الشعب السوداني. ولا نستطيع أن نخدع أنفسنا بالتفكير في أي احتمال لرفض الانفصال. لأن الدول الكبري وفي مقدمتها الولاياتالمتحدةالأمريكية تسعي بكل ما لديها من وسائل لتحقيق انفصال الجنوب إلي درجة أن يقوم الرئيس الأمريكي باراك أوباما بإرسال وسائل في شكل تحذير لرؤساء الدول الذين تواجدوا في الخرطوم الأسبوع الماضي والضغط عليهم للمساعدة في تسهيل عملية الانفصال. الظروف مهيأة لقبول خيار الانفصال الذي ساعدت علي إنجاحه السياسات السودانية الخاطئة في السنوات الماضية فالانغلاق الذي تعاملت به الحكومة السودانية وتجاهل مطالب الجنوبيين وعدم احترام عاداتهم وتقاليدهم وإجبارهم علي قبول عادات لم يتعودوا عليها. إلي جانب تجاهل الجنوبيين وعدم القيام بمشروعات تنموية في الجنوب مما أدي إلي حتمية الانفصال. رغم التطمينات التي تقدمها الولاياتالمتحدةالأمريكية والدول الأوروبية وإسرائيل فإن الجنوب السوداني سيظل يعاني لفترات طويلة في حالة الانفصال ورغم ما يتردد من جانب الولاياتالمتحدة وإسرائيل عن دعم جنوب السودان في حالة الانفصال. فإن كل المؤشرات تؤكد أن الجنوب لن يشهد استقراراً لفترة طويلة. هناك مشاكل كثيرة لابد أن يواجهها السودان.. هناك عمليات ترسيم الحدود والنزاع القائم بين الشمال والجنوب. حول الثروة البترولية. خاصة في منطقة "ابيي" وغيرها.. إن كثيراً من العائلات السودانية التي تمتلك مشروعات كبيرة بدأت تشعر بالخوف وتحاول الهروب من السودان. وتتحدث المصادر عن رصد إخراج أموال السودان إلي بنوك أجنبية في خارج السودان.. إن مؤامرة تقسيم السودان التي بدأتها بريطانيا ثم تبعتها الولاياتالمتحدةالأمريكية ستظل تؤثر علي عدم استقرار السودان لسنوات طويلة لأن من تحمسوا للانفصال من السودانيين تجاهلوا حقائق التاريخ والجغرافيا والعلاقات الإنسانية التي تربط كل عناصر الشعب السوداني منذ آلاف السنين. [email protected]