جاء في الحديث الصحيح عن النبي صلي الله عليه وسلم "الولد للفراش وللعاهر الحجر" رواه البخاري. وقد قال العلماء والمحدثون في هذا الحديث أنه أصح ما روي عن النبي "[" حيث رواه عنه أكثر من عشرين صحابياً كما قال الإمام ابن حجر في فتح الباري. وهو يدل علي أن الولد ينسب لصاحب الفراش. وأن الذي يدعيه من علاقة تخالف الفراش لا يسمع لقوله. ويستحق أن يلقم حجراً. وكانت العرب تقول فيمن يدحض ادعاؤه. ويرد قوله دون استجابة له: "ألقم حجراً" أي وضع في فمه ما يمنعه من الكلام. ويردُ ادعاؤه خائباً لم ينل به ما طلبه.. حيث لم يخرج منه إلا بذلك الحجر الذي التقمه في فمه. والعاهر هو الزاني الذي يدعي الولد. أو ينافس في طلبه صاحب الفراش. فإنه عند وجود الفراش لا يسمع لقوله. وينسب الولد لصاحب الفراش. وقد اختلف الفقهاء في معني الفراش. فقال بعضهم: إنه الوطء في ظل علاقة الزوجية من جهة أن المرأة يُكنَّي بها عن الفراش عند اللقاء بها. فأطلق لفظ الفراش وأريد به ما يحصل عليه من الوقاع بين الرجل والمرأة. وقالوا: إن معني الفراش هو الوطء باعتبار أنه لا يحدث إلا عليه غالباً. ومفاد قولهم: أن الوطء هو أساس نسبة الولد للواطئ. وقال الإمام أبوحنيفة رحمه الله : إن المراد بالفراش هو عقد الزوجية. فإذا عقد الرجل علي امرأة وأنجبت ولداً في ظل هذا العقد. بأن ولدته لأكثر من ستة أشهر من عقده. هي أقل مدة حمل. فإنه ينسب لزوجها الذي عقد عليها. ولا يلتفت لوقوع الوطء. لأن حصول العلوق منه مظنون. فلا يستطيع أحد أن يجزم بأن حدوث العلوق والتلقيح بين ماء الزوجين قد حدث من مرة جماع معينة. وكل ما يعلمه الزوج أنه جامع زوجته في غرفة مظلمة لم يشعر فيها بشيء إلا بمتعة الجماع. أما توابع الجماع من جريان النطفة في الرحم. والوصول إلي البويضة وتلقيحها وحدوث الحمل وتكوين بدايات الطفل. فذلك كله غيب غير مرئي للزوج الذي جامع. ولا يعلمه إلا الله سبحانه. ولهذا أنيط النسب بالعقد لأنه معلوم محقق وسبب ظاهر محدد. ولم يُنَط بالوطء لأن حدوث العلوق من إحدي نوباته المعينة غير محقق. والعقد هو سبب الوطء الذي هو مظنة حصول الولد. فأضيف النسب إليه وتحدد معني الفراش به.. وما رآه أبوحنيفة هو الصحيح من جميع الوجوه. لأن الفراش لو كان مراداً به الوطء والاستفراش. لكان الواطئ بعيداً عن علاقة الزوجية بالزنا. مستحقاً لنسبة الولد له إذا ادعي أنه من مائه. والزنا لا يثبت به النسب وفقاً لدلالة الحديث الذي يقول: "أن للعاهر الحجر" والعاهر هو الزاني.. فلا يستحق بفعله نسبة الولد إليه. وقد جاءت تلك العبارة في مقابل "الولد للفراش" فدلت تلك المقابلة علي أن النكاح مقابل للسفاح. ومناقض له في الحكم. فإذا تقرر نفس النسب في السفاح لم يبق إلا أن يَثْبت في النكاح. والنكاح أساسه العقد. فيفسر معني الفراش به. وقد استشعر القائلون بأن معني الفراش هو الوطء خطورة ما قالوه فراحوا يخففون منه. ويقولون: إنه ليس أي وطء. ولكنه الوطء من الزوج. وذلك كما قال الإمام القرطبي. وابن دقيق العيد وغيرهما. وما كان هذا الفريق من العلماء إلا آخذين في النهاية برأي أبي حنيفة من خلال هذا التأويل الذي لا يخلو من مكابرة علمية وفقهية جميلة. وليكون رأي الإمام الأعظم في تلك القضية هو القول الراجح الذي يتعين الأخذ به.. وأثبت الواقع صلاحيته لمواجهة حالات الحمل التي ينقل فيها مني الرجل إلي رحم المرأة في آخر الدنيا ليتم الحمل بعيداً عن الوطء. وبعيداً عن الفراش. رحم الله الإمام أبا حنيفة.