هناك مجموعة من السمات والخصائص التي انفردت بها العملية الانتخابية هذه المرة وليس بالضرورة أن تكون هذه السمات ذات طابع سلبي أو ايجابي لأن ذلك يتوقف في النهاية علي الانطباع الشخصي لمن يقوم بعملية التناول والتقتيم لها والتي يحكمها اعتبارات شخصية وخلفية الانتماءات السياسية والاجتماعية والحزبية ولكن ما يهمنا هنا أن نقوم بمحاولة لرصد هذه السمات في هذه الانتخابات دون محاولة التحليل لها لأن ذلك يحتاج الي فترة من الوقت إذ ان الوقت مازال مبكرا للقيام بأية تحليلات أو رؤية لهذه الانتخابات التي تعتبر مرحلة جديدة في تاريح العمل السياسي والحزبي والحياة النيابية في مصر بصفة خاصة والسياسية علي نحو عام.. لقد خرجت علينا الصحف قبل وبعد اجراء الانتخابات بالعديد من المقالات والتحليلات التي تدور حول كيفية ضمان تحقيق النزاهة في هذه الانتخابات ورأينا ذلك الجدل الذي دار حول الرقابة الدولية علي الانتخابات ومن قبلها مقاطعة هذه الانتخابات من قبل أحزاب المعارضة لتخوفها من عدم نزاهة هذه الانتخابات وقد قرنت ذلك بالرقابة الدولية ولكن موقف الجميع بمن فيها المعارضة قد رفضت ذلك لأنها قد اعتبرته تدخلا في الشئون الداخلية لمصر وهو ما يتعارض مع سيادة الدولة وذلك المبدأ الدستوري المتعلق بسيادة الدولة والقانون ومع ذلك فقد كان ذلك يعد نوعا من التدخل الاستباقي والاسقاط علي عملية الانتخابات تحسبا لما يمكن أن يحدث وهو فشل العديد من الأحزاب السياسية في الحصول علي مقاعد في البرلمان علي غرار ما حدث ومن ثم فإن هذه الارهاصات المبكرة بإمكانية حدوث الفشل قد كانت وراء تلك الدعاوي التي قدمتها بعض الأحزاب وأيضا تلك الائتلافات التي فشلت وذلك بمقاطعة الانتخابات وعلي اعتبار ان ذلك يمكن أن يكون أحد حوائط الصد في مواجهة الحزب الوطني أو الحكومة وتحسبا لعمليات التزوير والتكتل لاخراج هذه الأحزاب من البرلمان وقد رأينا ما حدث بالنسبة لتلك المحاولات الائتلافية ما بين جبهة التغيير وأيضا تلك التي كانت ما بين الوفد والاخوان ولكن نتيجة عدم وجود أرضية ثابتة وموحدة وغياب الوفاق الذي طغت عليه المصالح المتصارعة وأيضا ذات الطابع الشخصي ومن ثم فقد قررت جماعة الاخوان "المحظورة" دخول الانتخابات وقد اسفرت النتائج عما قد فاق التوقع وهو ما كان محل دهشة قد يصعب اجراء سريته وتحليلته لها قد لا تكون علي ذلك النحو من الدقة والتي لا تكفي معها تلك التقارير الصحفية التي هي أقرب الي التعليقات والانطباعات الشخصية التي تغيب عنها الموضوعية والتي قد رصدت بعض الاخفاقات أو المخالفات التي كان يتم متابعتها وعلي الرغم من ان التوقعات بالنسبة لهذه الانتخابات وبناء علي قراءة المقدمات التي كانت في المرحلة السابقة علي الانتخابات مباشرة من انها سوف تتسم بالعنف ومع ذلك فإن معدل العنف قد كان دون المستوي المتوقع. وقد يرجع ذلك لدور الأمن الذي اتسم بالحيادية واليقظة وذلك علي خلاف ما اشيع فيما بعد بأن الأمن قد كان له دورفي التأثيرعلي نتائج هذه الانتخابات لاسيما عندما جاءت علي النحو الذي أخرج المعارضة من السياق وفي الحقيقة انه في كافة الانتخابات السابقة كانت دعوي التزوير أو الادعاء به أحد القواسم المشتركة في كافة العمليات الانتخابية السابقة وكذلك الدور الأمني الذي في كل مرة كانوا يطوحون بالكرة في ملعبه وذلك لتبرير العديد من الاخفاقات وليس في ذلك ايه شك في ان ذلك الدور لا يمكن تبرئة ساحته أو علي الأقل ادعاء الدفاع عنه ولكن من المؤكد انه قد كان ايجابيا ومن ثم فإن البحث عن الاخفاقات بالنسبة للمعارضة في هذه الانتخابات والتي جاءت علي ذلك النحو الملفت للنظر والذي قد يري فيه البعض شبهة المؤامرة من جانب الحزب الوطني والحكومة أو ان ذلك الوضع لا يعبر بالمرة عن نضوج التجربة الديموقراطية في مصر أو غيابها فالتحليلات الأولية لاسيما من جانب بعض الجهات الخارجية قد أكدت علي ان ما حدث في مجمله يؤكد علي عدم نضوج الأحزاب السياسية وعدم وجود حضور سياسي لها في الشارع المصري وان ما اعتمدت عليه الجماعة المحظورة في الانتخابات السابقة لم يعد له نفس الدلالة أو التأثير في الشارع السياسي المصري الذي من المؤكد انه قد لعب الوعي السياسي والخبرة التراكمية لديه من الانتخابات السابقة دورا كبيرا في انحسار الأصوات عنها وذلك بالقطع بغض النظر عن تلك الادعاءات بالتدخل الأمني وترتيبات الوطني لضمان الحصول علي الأغلبية بتلك الدرجة الكبيرة والكيفية التي فاقت حتي توقعات الوطني ولكن من المؤكد ان اية دراسة موضوعية كانت ستصل الي تلك النتيجة وهي التراجع لدور المعارضة وذلك نتيجة عدم وجود رصيد لها في الشارع السياسي المصري منها ذلك التحليل الأولي الذي أجراه ستبني كوك رئيس قسم الدراسات الشرق أوسطية حيث كتب يقول في أعقاب الانتخابات انه ليس هناك شك في ان هناك اكتساحا للحزب الوطني وهو ما يؤكد علي عدم سيادة الديموقراطية وان التدخل الأمني وعدم تأهل المرشحين في تلك الأسابيع القليلة التي سبقت الانتخابات قد اديا الي تلك الانتخابات التي اتسمت بمعدل عنف "8 قتلي" علي حد تعبيره وعلي الرغم من ان ذلك لابد وأن يأخذ في الاعتبار بالنسبة لواشنطن وصانعي السياسة في مصر إلا ان واشنطن مازالت تميل إلي ان النظام السياسي المصري يملك كل مقومات الاستقرار والقدرة علي مواجهة التحديات وان النظام السياسي المصري بمؤسساته العسكرية والأمنية وإدارة الأعمال والبيروقراطية لم يؤد الي سحب التأييد والدعم للقيادة السياسية الحالية ذلك علي الرغم ما قد ينطوي عليه من تمييع للحقيقة إلا انه يدل علي قوة النظام السياسي المصري.