تحتاج الأمة الإسلامية إلي هجرة عظيمة تحاكي ما كان منذ 1431 عاما حيث خرجت الدعوة الإسلامية من الضيق إلي السعة ومن احتمالات الموت إلي عوامل النمو والانتشار والتجذر في كل مكان علي أرض المعمورة. أما الهجرة التي نحتاج إليها وبشكل ملح فهي هجرة الوهن الذي نعيشه باستسلام غريب حيث نعرف أمراضنا ولا نعالجها ونعرف أعداءنا ونسعي إليهم نرجو الرضا والتعاون ونعرف العلاج ووسائل الخروج ولا نسعي إليه.. فنحن لا نجهل مشكلاتنا ولا نجهل وسائل الخروج لكننا لا نفعل شيئا تجاه ما يحدث لأننا فقدنا إرادة الفعل وإرادة النجاح أي فقدنا الإيمان الفاعل الذي يغيّر. ذلك الإيمان الذي جعل من الفقراء المعدمين الذين لا يجد أكثرهم ما يتقوت به في هجرته- قوة تدهش الأمم من حولهم.. إننا في حاجة إلي هذا الإيمان الذي يغيّر الإنسان ويحوّله من السلبية إلي الايجابية ومن الخنوع والرضا بالذلة إلي إصلاح النفس والمجتمع ورفض كل ما هو سلبي حتي تعود الأمة الإسلامية إلي مكانتها ووضعها المنوط بها. إن علاج حالة الوهن هذه أو الهجرة منها أمر سهل لمن أراد وتحرك لتحقيق هذه الإرادة. وصعب لمن تمني وظل في مكانه ينتظر من يأتي إليه لتحقيق أمنيته. إن البدء بالنفس هو أول طريق العلاج وأنجعه والبداية بالنفس يمثل قاعدة ذهبية وضعها لنا رسول الله صلي الله عليه وسلم حين قال: "ابدأ بنفسك وبمن تعول" لأن هذا السلوك يتضمن أمرين مهمين هما إصلاح النفس أولاً. وفي الوقت ذاته تعليم للآخرين بالسلوك ودعوة إلي الخير صامتة لها من الأثر ما يفوق الكلام والكتابة وغيرها من الوسائل. إن الرضا بالوهن الذي تعانيه الأمة الإسلامية هو منطق المستضعفين الذي حذر منه القرآن في قوله تعالي: "إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين في الأرض. قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها" وهو يشبه منطق اليهود أتباع سيدنا موسي حيث قالوا لسيدنا موسي: "اذهب أنت وربك فقاتلا إنا ها هنا قاعدون" وأشبه بمن قال: "إن فيها قوما جبارين وإنا لن ندخلها حتي يخرجوا منها فإن يخرجوا منها فإنا داخلون". كل هذه النماذج قدمها القرآن الكريم لنا حتي تكون عظة فلا نقع فيما وقعوا فيه فيحق علينا ما حق عليهم من العذاب والهلاك والتشتيت. وللأسف نحن نتتبع هؤلاء شبرا بشبر وذراعاً بذراع وندخل جحر الضب الذي سبق أن دخلوا فيه.