أصبح البحث عن الثراء السرع هو هم كثير من الناس هذه الأيام.. بغض النظر عن الطريقة أو الوسيلة التي يمكن بها تحقيق هذا الثراء. ودخلت الآثار ضمن أكثر الوسائل والطرق التي يتوهم الناس أنها ستقودهم إلي الثراء الفاحش. وهو بالطبع وهم أدي بالكثيرين إلي الهلاك. ومن نجي منهم ذهب خلف القضبان.. والنتيجة بالطبع خيبة أمل كبيرة! ولا أتفق مع الرأي القائل أن الحالة الاقتصادية وانتشار البطالة بين الشباب هي التي أدت إلي ظاهرة البحث عن الآثار.. فالثابت من محاضر الشرطة أن أكثر من 95% من قضايا البحث عن الآثار كان أصحابها ممن يملكون الوظيفة أو العمل إضافة إلي المال. بل إن بعضهم دفع آلاف الجنيهات إلي سحرة من المغرب أو من مصر وبلاد أخري لمساعدتهم في استخراج الكنوز الوهمية. وكذلك دفعوا آلاف الجنيهات لإحضار معدات الحفر ومواتير شفط المياه. وفي النهاية فقدوا حياتهم داخل الأبيار التي حفروها هم بأيديهم!! ولا أبالغ إذا قلت أنه يصلني كل يوم عشرات الرسائل عن كنوز وآثار وهمية وأناس يحفرون بحثاً عن الآثار ويتضح في النهاية كذب كل هذه الحوادث. فلا توجد آثار أو كنوز وإنما عقول خاوية لا تفكر سوي في الثراء السريع. ومن هنا انتشرت أساليب النصب والاحتيال لاصطياد المغفلين وإقناعهم بوجود كنوز مخبأة.. ومن هذه الأساليب رسائل ترسل عن طريق الموبايل تتحدث عن قرب استخراج الآثار والكنوز ويتم إرسالها عشوائياً كما لو كانت وصلت عن طريق الخطأ حتي تقع الفريسة في الفخ ويبدأ التفاوض معها في المشاركة لاستخراج الآثار وبيعها واقتسام الغنيمة. منذ أيام سمعت قصة عجيبة حكي لي عنها حازم محمد مدرب الرياضة وهو أصلاً من سوهاج.. حيث وجدته ذات يوم وأنا أمارس التمرين اليومي الخاص بي حزيناً. وعندما سألته حكي لي.. أن مجموعة من الشباب نصب عليهم محتال معروف بإحدي قري سوهاج. حيث أقنعهم بأن الجان أخبروه عن وجود كنز في مكان محدد. وأنه ببعض المال يستطيع العثور علي هذا الكنز وبيعه وكسب ملايين الدولارات. واستطاع أن يأخذ منهم تحويشة العمر. بل إن بعضهم باع ما يملك للحصول علي المال. وأعطوه له وهم يحلمون بالثروة الهائلة التي ستقع فوق رءوسهم دون تعب أو كد. بدلاً من البهدلة بحثاً عن لقمة العيش وتربية الأبناء. وذلك علي حد تعبير حازم. الذي استكمل قائلاً: وبعد تحديد موعد استخراج الكنز بدأ الشباب في الحفر في المكان المحدد واستمر العمل ليلاً ونهاراً. وذلك في جبال منطقة الحاجر. واستطاعوا حفر بئر بعمق 12 متراً تحت الأرض. وبدأت المياه الجوفية تظهر لهم. ولم يشاهدوا أي دليل لوجود أي آثار في هذا المكان. وكان معهم ماكينة كهربائية تستعمل للحفر السريع. وكانوا يعملون وهم علي ثقة أن الرجل الذي أقنعهم بوجود الكنز صادق في كلامه. وأن المومياوات والذهب علي وشك الظهور. وفي لحظة سريعة صعقت الكهرباء واحداً منهم كان قريباً من الماكينة ومات في الحال. بينما أصيب آخران نتيجة الصعقة الكهربائية ونقلا إلي المستشفي. وهرب الباقون عندما شاهدوا الحادثة.. وجاءت الشرطة وعاينت الموقع والبئر ولم تجد أي دليل علي وجود آثار بالمكان. وإنما وهم تم بيعه بآلاف الجنيهات وراح ضحيته شباب في مقتبل العمر. لقد عشت في العرابة المدفونة في بداية حياتي العملية مفتشاً للآثار في أهم منطقة أثرية. وهي التي يوجد بها معبد الملك "سيتي الأول". وكذلك معبد رائع للملك "رمسيس الثاني". ودفن في هذه المنطقة ملوك الأسرة الأولي الذين حكموا مصر منذ خمسة آلاف عام. وكان موطنهم الأصلي بلدة تجاور العرابة المدفونة وتسمي "ثني" أو "طيني" وهذه المنطقة مقامة فوق تلال أثرية. وهناك العديد من البعثات التي تعمل وتكتشف آثارا مهمة ترجع إلي كل العصور التاريخية. حيث ظلت هذه المنطقة بمثابة مكان مقدس يحج إليه المصريون القدماء لزيارة الإله "أوزير" رب العالم السفلي عالم الموتي. وفي يوم من الأيام وأنا مستغرق في القراءة باستراحة المفتشين أحضر لي عامل الاستراحة تمثالاً من البرونز للإله "أوزير". وهذا التمثال يأخذ كل المواصفات الأثرية. طوله حوالي 15سم. ومصنوع بصورة تطابق الأصل من تماثيل "أوزير" البرونزية الموجودة في المتاحف العالمية. ويعلوه الصدأ في كل مكان. وسألني عامل الاستراحة هل هذا التمثال أثري؟ فقلت له: 100%. ولن أعيد لك هذا التمثال. ولكن سوف نستولي عليه لصالح هيئة الآثار..! وضحك الرجل وقال: "هذا التمثال مقلد ياسعادة البيه".. وحكي لي ماذا يفعل أهل العرابة المدفونة. يقومون بعمل نسخ من هذه التماثيل ثم يقومون بالتبول عليها ودفنها في الرمال لمدة تقترب من الشهر. وبعد ذلك يقومون ببيعها لمن يريد الشراء.. وقد تعلمت من هذه الحادثة الكثير. وعرفت أنني يجب أن أدقق في فهم الأثر وتمييز الحقيقي من المزيف. ولقد أعطاني الله سبحانه وتعالي هذه الموهبة بعد طول دراسة وعمل وخبرة ولكن في النهاية احذروا الوهم القاتل.