غدا تعلن نتيجة الانتخابات وتهدأ الأمور وينفض المولد ولو لمدة أسبوع عندما نبدأ معركة الإعادة التى لا تصل إلى حدة الحماس كما حدث خلال الأيام أو الأسابيع الماضية. لأن طاقة المرشحين والناخبين أيضا تكون قد استهلكت فى المرحلة الأولى. خلال السنوات الماضية لاحظنا أن الانتخابات التشريعية فى مصر أخذت شكلا جديدا. نعم كانت الانتخابات التشريعية دائما تتسم بالحماس.. وكانت هناك تجاوزات ومعارك فى عدد من الدوائر ولكنها لم تكن تصل إلى ما حدث فى انتخابات هذا العام. كانت الخلافات العائلية والعشائرية هى سمة الانتخابات فى الماضى.. ولكن معارك الانتخابات اليوم تعتمد على أرقام هائلة من الأموال التى تصرف ببذخ من جانب المرشحين. انتخابات الماضى كانت تسعى بالنسبة للمرشحين للحصول على الوجاهة وتأكيد قيمة الأسر والعشائر بوصول كبارها إلى المجلس النيابى. اليوم الهدف من المشاركة فى الانتخابات النيابية تغيير مستقبل مصر.. الهدف الأساسى، هو السعى منذ اللحظة الأولى من دخول البرلمان هو المكسب المادى وتضخيم الثروات بكل الطرق المشروعة وغير المشروعة من نبت أراضى مصر ومؤسساتها الاقتصادية تحت حماية الحصانة البرلمانية. المرشحون لمجلس الشعب الآن لا علاقة لهم بالسياسة ولا يفكرون فى قضايا مصر القومية بل لا يعرفون لفظ الديمقراطية وان كانوا يتشدقون بها دون فهم معناها. فى الماضى كان كبار الاقطاعيين يتشدقون بعضوية المجلس دون التفكير فى مغانم اقتصادية فقصدهم هو الوجاهة الاجتماعية. اليوم غالبية اعضاء المجلس وليس كلهم بالطبع هدفهم بطاقة مجلس الشعب والحصانة لينطلقوا لجمع الثروات بكل الطرق المشروعة وغير المشروعة. فى الانتخابات الحالية التى تنتهى غدا.. وصلت مصاريف بعض المرشحين أرقاما خيالية وصلت إلى الملايين.. وبالطبع من يدفع هذه الملايين يعرف جيدا كيف يمكن أن يستغل حصانة المجلس ليسترجع تلك الملايين مضروبة فى العشرات بل المئات والآلاف. ونحن جميعا نعرف الكثير من الأمثلة التى حققت أهدافها الاقتصادية غير المشروعة خلال السنوات أو الدورات البرلمانية الماضية. شهدنا عمليات الاستيلاء على أراضى الدولة بدون حق، وشاهدنا عمليات السطو على المؤسسات الاقتصادية والصناعية بدون ثمن يذكر. فالتكالب على عضوية المجالس النيابية ليس من أجل مصر وليس من أجل تحقيق الرفاهية والأمن للمواطنين كما يرددون فى وسائل الإعلام ويكتبون على لافتاتهم التى تكلفهم مئات الآلاف فى كل شوارع المدن والقرى. هدفهم الأساسى هو ابتزاز مصر وسرقتها تحت مظلة الحصانة. تجربة شخصية خضت شخصيا تجربة الترشيح لمجلس الشعب في الدورتين السابقتين فى إحدى دوائر محافظة الجيزة قبل أن تنقسم إلى محافظتين الجيزة و6 أكتوبر. فى المرة الثانية وفى انتخابات 2005 سألنى أحد كبار رجال الأمن فى المحافظة فى حديث ودى.. (لماذا فكرت فى دخول الانتخابات؟ أنا أعرف انك صحفى ولك فرص للكتابة والتعبير عن آرائك بكل صراحة..) قال أيضا أنت تخدم مجتمعك وبلدك والمناداة بتطوير الأمور من خلال مقالك الأسبوعى فلماذا إذا تدخل هذا المستنقع (حسب ما قاله) الذى لا تعرف اسراره ودهاليزه؟ قلت له فى حماس.. أنا اتصور ان دور عضو مجلس الشعب أكتر قدرة على المشاركة فى رسم مستقبل مصر من خلال التشريع والرقابة على الأجهزة التنفيذية. لمحت ابتسامة هادئة على وجهه قائلا: كنت اتصور أنك من خلال خبرتك الصحفية تعرف حقيقة لعبة الانتخابات واسلوب العمل فى المجالس النيابية ولكن للأسف انتم الكتاب تعيشون فى عالم بعيد عن الواقع. بعد تفكير عميق وجدتنى مقتنعا بما قاله ذلك الصديق وبناء على نصيحته تحولت من مشارك فى الانتخابات إلى متفرج على ذلك السيرك الكبير والمسرح الأكبر الذى نعيشه تحت دعوى الديمقراطية. كشف لى الرجل عن ان تلك المعارك الانتخابية والمعارك داخل المجلس ليس هدفها مصلحة الوطن.. ولكن بالنسبة لعدد كبير من الاعضاء هى فرصة للكسب غير المشروع من خلال التعيين كمستشارين لشركات كبيرة ومن خلال استغلال الحصانة لوضع اليد على مئات بل آلاف الأفدنة من الأراضى إلى جانب نوع آخر مثل التهريب والتواجد فى اندية القمار. معارك انتخابية لعبة الديمقراطية فى مصر اصبحت محصورة بين فريقين الفريق الأكبر والأقوى بلا جدال هو الحزب الوطنى والفريق الآخر هم الجماعة السرية غير الشرعية واسمحوا لى أن أعبر عن دهشتى عن اعتراف الدولة والمجتمع بجماعة سرية غير شرعية وان تلك الجماعة تشكل تهديدا للحزب الوطنى الذى يضم الملايين من الاعضاء فى كل انحاء مصر. وأجدنى أظن وبعض الظن إثم.. ان الحزب الوطني هو من يصر على بقاء التنظيم السرى.. وانه يستخدم هذا التنظيم فى اشعال المعركة الانتخابية، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فإن الحزب الوطنى يعيش ويزدهر مع وجود التنظيم السرى غير الشرعى فالنظام المصرى يلوح بوجود المحظورة وخطرها ليس على مصر ولكن على أمن العالم كله لأن وجودها يدفع الدول الكبرى لمساندة النظام فى مواجهة هذا التنظيم وحتى لا يفكر الرأى العام العالمى فى الضغط على مصر من أجل تحقيق الديمقراطية وطلب مراقبة الانتخابات. الحزب الوطنى قادر فى أى وقت بملايينه على الحصول على الاغلبية فى الانتخابات. ولكن تضخيم التنظيم السرى غير الشرعي وخطرها يرفع من سخونة المعركة الانتخابية.. فبدون التنظيم لن تكون للانتخابات تلك الضجة اليومية لذلك فإننا نرى يوما بعد يوم القبض على مجموعات من التنظيم السرى لرفع سخونة المعركة.. ثم اخلاء سبيلهم بعد ذلك للقبض على مجموعة أخرى. الأحزاب الأخري المتعددة لا تخيف الحزب الوطنى ولكن نزولها إلى ساحة الانتخابات هو هزة للحزب الوطنى حتي يمكن الحديث عن التعددية. من أجل ذلك تظل كل الاحزاب الكرتونية المعارضة هى ايضا ديكوراً للعملية الديمقراطية فى مصر.. فتلك الأحزاب قامت بموافقة من لجنة الأحزاب التى يسيطر عليها الحزب الوطنى وهذه الأحزاب تتلقى الدعم العلنى وغير العلنى من الحزب الوطنى. وفى احدى القرى بمحافظة 6 اكتوبر.. واثناء تواجدى فى القرية تعجبت من اعلان الحزب الوطنى وكل الأجهزة التنفيذية عن اقامة مؤتمر لاحد الأحزاب الصغيرة.. تم جمع كل اعضاء الوطنى للمشاركة فى هذا المؤتمر وعلمت انه تم افتتاح فرع لهذا الحزب فى القرية وتم توفير مقر له فى مبنى حكومى.. مع تواجد كل القيادات الأمنية من اجل نجاح هذا المؤتمر. الحكومة والحزب الوطنى يلعبان بذكاء مع الأحزاب فهى تسمح بانتقادات تلك الاحزاب لاستكمال الغطاء الديمقراطى. فى اعتقادى أن أى مرشح من أى حزب واى مرشح من التنظيم السرى غير الشرعى يصل إلى البرلمان فإنه جاء بموافقة من الحزب الوطنى استكمالا للشكل الديمقراطى. ما يجرى من خلافات داخل الحزب الوطنى بسبب التنافس على عضوية مجلس الشعب، يعبر عن ان هذا الحزب الذى يضم الملايين عن قناعة يضم ايضا بعض الأعضاد الذين انضموا للحزب دون قناعة ولكن بحثا عن مساندة حزب الدولة لهم وانتظارا لكى يرشحهم الحزب الوطني على قوائمه. ما حدث من عدد من اعضاء الحزب الوطنى من مظاهرات ضد الحزب واستقالات منه لانه لم يرشحهم، كشف عن ضعف العلاقة بين بعض أعضاء الحزب الوطنى وحزبهم، ففى كل مرة نجد غضبا واستقالات من أعضاء الوطني إذا لم يضمهم إلى قائمة المرشحين باسمه. وللأسف الشديد، فإن الحزب الوطنى يتساهل فى كل مرة مع المعترضين والمستقيلين من الحزب ويضمهم إلى عضويته مرة ثانية . إن كثرة عدد الأعضاء والتساهل معهم من جانب الحزب يساعد الأعضاء على عدم الالتزام بقواعد ومبادئ الحزب الوطنى. الشعب المصرى فى غالبيته يشعر ان الحزب الوطنى هو مصر ومصر هى الحزب الوطنى مما يجعل من هذا الحزب مجرد ائتلاف يضم كل المصريين. المعارك التى قامت بين أعضاء الحزب الوطنى وبعضهم البعض بسبب الترشيح لمجلس الشعب كانت أقوى وأعنف من المعارك بين الأحزاب المعارضة والحزب الوطنى. فى كل انتخابات برلمانية نجد مرشحا للحزب الوطنى ومرشحا مستقلا على مبادئ الحزب الوطنى ومرشحا مستقلا حزب وطنى ضد مبادئ الحزب الوطنى. لابد للحزب الوطنى أن يتخذ موقفا من التزام أعضائه.. كذلك لابد أن يعمل الحزب الوطنى على تنقية قوائمه واستبعاد كل من يكشف سلوكه عن عدم التزام بمبادئ الحزب.. فليست العبرة بكثرة عدد الأعضاء.. ولكن العبرة بفهمهم والتزامهم بمبادئ الحزب، مع استبعاد كل من تثبت عليه تهمة استغلال عضوية الحزب فى التربح والإضرار بالمصلحة العامة.