الذكاء الاصطناعي أحد التحديات الرئيسية التي ينعقد عليها مستقبل الأمم. وتسعي الولاياتالمتحدةوالصين إلي التعاون في هذا المجال، لكن التوسع في التطبيقات الذكية أصبح مخيفًا خاصة في المجال الأمني لما يحمله من معضلات أخلاقية كثيرة علي رأسها التمييز العنصري والمراقبة الأمنية وانتهاك قوانين الخصوصية وحقوق الإنسان. كما أن التعاون بين القوتين العظمتين تعاون مصلحة وليس تكافلا، فينبغي ألا ننس أن واشنطنوبكين خصمان تدور بينهما حرب تجارية ضروس وهما أيضًا متنافسان في الذكاء الاصطناعي، لكن لكل طرف ميزة عن الآخر. فالولاياتالمتحدة متفوقة في المجال البحثي ولديها مواهب عديدة وأجهزة حديثة وكثير من شركات الذكاء الاصطناعي تقع علي أراضيها. فيما تتمتع الصين بكميات وفيرة من البيانات اللازمة لتشغيل ماكينة الذكاء الاصطناعي. وهي تسعي لأن تكون رائدًا في هذا المجال وفقًا لرؤية 2030. وتتعالي أصوات باحثين يحذرون من أن التعاون بينهما قد يؤدي إلي استخدامات خبيثة وضارة لثورة الذكاء الاصطناعي حتي داخل كل بلد علي حدة، فقد حذر عشرات من باحثي تلك التقنية من أن شركة أمازون تبيع منتجات غير حيادية للتعرف علي الوجه إلي جهات تطبيق القانون. وتوضح عالمة البيانات في جامعة واشنطن. بيرنيز هيرمان. إن دراسة أجراها معهد ماساتشوستس للأبحاث تقول إن التقنية التي تستخدمها أمازون غير دقيقة في التعرف علي المرأة والأشخاص من ذوي البشرة غير البيضاء ما قد يهدد بإساءة الشرطة استخدامها في انتهاك الحريات المدنية. كما أن الوضع في الصين ليس أحسن حالا، ويقول جيفري دينج الباحث الصيني في مركز حوكمة الذكاء الاصطناعي بمعهد "مستقبل البشرية" التابع لجامعة أكسفورد. إن الصين لا تسمح حتي بمناقشة استخدام الأمن لتقنية التعرف علي الوجه التي تستخدمها في استهداف الأقلية المسلمة في إقليم تركستان. ويوضح دينج أنه علي عكس الحريات الأمريكية التي تسمح بمعارضة الخطط الحكومية ومن ضمنها إساءة استخدام تطبيقات الذكاء الاصطناعي، فالوضع في الصين. وإن كان يبدو هادئًا علي السطح، إلا أن نار المعارضة متأججة في الباطن. ويضرب دينج مثالًا باستخدام المبرمجين في الصين موقع "جيتهاب" المختص بالأكواد البرمجية للاحتجاج ضد نظام العمل 996- أي العمل من التاسعة صباحًا إلي التاسعة مساءً ستة أيام في الأسبوع. وذلك لأن منصات التواصل الاجتماعي مثل فيسبوك محظورة، كما أن منصات التواصل الصينية مثل بايدو خاضعة لمراقبة السلطات . فيما تتردد بكين في مراقبة موقع جيتهاب نظرًا لحيوية الخدمة وضرورتها. وتقول الخبيرة في التقنيات العسكرية الصينية في مركز "أمن أمريكا الجديدة" في واشنطن. أيلزا كانيا، إن الذكاء الاصطناعي يثمر فوائد اقتصادية جمة، لكنه يحمل أيضًا مخاطر عسكرية علي رأسها مراقبة الأشخاص، أي أن تلك الفائدة الاقتصادية تتبعها مخاوف أخلاقية وأمنية قد تترتب علي التعاون البحثي. ويقول الباحث في مركز "السياسات السيبرانية الدولية" بمعهد السياسات الإستراتيجية الأسترالي، أليكس جوسك، إن جامعات وشركات أمريكية تعاونت مع علماء صينيين هم في حقيقتهم ضباط بالجيش أو علي صلة بجامعات عسكرية صينية. دون أن تعلم في بعض الأحيان. ويضيف جوسك أن الصين أرسلت نحو 500 عالم عسكري إلي جامعات أمريكية منذ عام 2007، وفقًا لتقديرات علماء بالجيش الصيني وعلماء آخرين. ووردت تقارير الشهر الماضي توضح أن معمل أبحاث شركة مايكروسوفت في بكين درب المئات من أفضل الصينيين العاملين في تكنولوجيا المعلومات وأبحاثها وأن المعلم خرّج 7 آلاف طالب كثير منهم متخصص في الذكاء الاصطناعي. وأن أكادميين بالمعهد تعاونوا في نشر أوراق علمية مع باحثين علي صلة بالجامعة الوطنية الصينية لتكنولوجيا الدفاع خاصة بأساليب الذكاء الاصطناعي التي يمكن استخدامها في مراقبة الأفراد. ويعرب الباحثون عن مخاوفهم من أن تستهدف الصين بتلك التقنيات الناتجة عن التعاون مع علماء أمريكيين المواطنين بالمراقبة والدعايا المستهدفة، لا سيما وأن للصين باعا حافلا بالتنصت علي مواطنيها وتعقبهم قدمًا بقدم، فعلي سبيل المثال بدأت الصين في تطبيق تقنية التعرف البصري علي الحروف في تطبيقها الشهير "ويشات" -المعادل لواتس آب- لفلترة وحذف الصور التي تحتوي علي كلمات معينة، وكان المواطنون الصينيون لجأوا إلي هذه الطريقة للتهرب من مراقبة الصينيين للنصوص التي يتبادلونها في الفضاء الإلكتروني.