عندما تعلن أي دولة انتصارها علي جماعة إرهابية. هناك سيناريو عادة ما يحدث يتكون من ثلاث مراحل, أولا الإعلان عن الانتصار الكامل. يليه شكوك متزايدة بشكل تدريجي. وفي النهاية الاعتراف بأن الأمور قد تكون أكثر تعقيدا من المفترض. فيما يتعلق بتنظيم داعش الإرهابي. أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في المرحلة الأولي الانتصارات التاريخية ضد داعش وقال آنذاك ¢حان الوقت لاحضار شبابنا العظماء¢ في إشارة إلي بدء سحب القوات الامريكية من سوريا التي شاركت ضمن التحالف الدولي للقضاء علي داعش, ثم انتقل سريعا إلي المرحلة الثالثة مبكرا في غضون شهرين. في تحول مفاجئ. أعلنت المتحدثة باسم البيت الأبيض سارة ساندرز الأسبوع الماضي أن مجموعة صغيرة ل ¢حفظ السلام¢ تتألف من حوالي 400 جندي ستبقي في سوريا لبعض الوقت, ورغم أن مهمة تلك القوات مؤقتة لكن تصريح ساندرز كان بعيدا عن الواقع ومناقضا للنصر العظيم الذي نقله ترامب للعالم في ديسمبر العام الماضي. إذاً ما التغير الذي جعل الأمور تختلف عما كانت؟.. ظلت المناطق التي يسيطر عليها التنظيم تتقلص في الأشهر الأخيرة عدا قرية باغوز شرق سوريا التي من المتوقع أن تنهار قريبا أيضا وعلي الرغم من التطورات الإقليمية. فقد أظهر الشهرين الماضيين أن استعادة الأراضي التي كانت تحت سيطرة التنظيم لا يؤدي تلقائيا إلي الانتصار علي الجماعة ككل ولا يزال يُعتقد أن الآلاف من مقاتلي داعش متواجدين في سوريا والعراق. مع التواجد الأمريكي بسوريا كان المقاتلون الأكراد قادرين علي الاعتماد علي حليفتهم واشنطن في الاحتفاظ بأراضيهم ومراقبة المئات من مسلحي داعش الذين تم اعتقالهم عندما فقد التنظيم أماكن سيطرته وفي الوقت الحالي وبعد تخلي واشنطن عنهم, يهدد الأكراد بإطلاق سراح مقاتلي داعش المعتقلين بغرض التركيز علي المعركة المرتقبة لإثبات وجودهم ولا ينبغي أن يكون هذا الرد الكردي مفاجئا لكن لا يبدو أن أوروبا والولاياتالمتحدة لديهما خطة لما سيحدث عقب ذلك. وما أثار استياء الحلفاء الأمريكيين. طلب ترامب من أوروبا استعادة مقاتلي داعش علي الرغم من تدخله شخصيا الأسبوع الماضي في قضية السيدة الأمريكية بولاية ألاباما التي انضمت لداعش ومنعها من العودة إلي الولاياتالمتحدة. تتشابه أسباب خوف الحكومة الأمريكية وحلفائها الأوروبيين حول استعادة مواطنيهم من داعش حيث يخشون من ألا يتمكن القضاة من الحكم علي الإرهابيين العائدين بسبب نقص الأدلة الأمر الذي يسمح لمقاتلي التنظيم السابقين بالتجول في شوارع باريس أو لندن أو نيويورك بدلا من إرسالهم إلي السجن. وأدت تداعيات إعلان ترامب عن الانسحاب الكامل في ديسمبر الماضي إلي مخاوف من احتمال أن يحارب حلفاء واشنطن بعضهما البعض بعد رحيلها حيث تُعتبر أمريكا حليفا رسميا لتركيا وفي الوقت نفسه الداعمة الرئيسية للأكراد السوريين وتعهدت تركيا مرارا وتكرارا بمهاجمة الأكراد بمجرد انسحاب القوات الأمريكية. ولمنع التصعيد التركي. تم اقتراح إنشاء ¢منطقة آمنة¢ بين تركيا والأراضي التي يحتفظ بها الأكراد السوريون, لكن الانسحاب الكامل لواشنطن سيجعل مثل هذه المنطقة الآمنة شبه مستحيلة. وبالنظر إلي أن القوتين الباقيتين بسوريا وهما فرنسا وبريطانيا. فقد حذرتا ترامب من أنهما لن يتواجدا إذا تابع انسحابه. هناك مخاوف أيضا بشأن النفوذ المتزايد لإيران حيث تعد من الدول الأكثر استعدادا لملء الفراغ الذي سيخلقه الانسحاب الأمريكي خاصة كونها حليفا رئيسيا للرئيس السوري بشار الأسد, وعملت القوات العسكرية السورية في السنوات الأخيرة يدا بيد مع الميليشيات بقيادة إيران والقوات الروسية, وستتطلع جميع الدول الثلاث إلي توسيع نفوذها علي الأجزاء الشمالية الشرقية من البلاد التي يسيطر عليها حاليا المقاتلون الأكراد.