عندما يتحول المسرح للصفوة من جانب ولمن يستطيع دفع قيمة تذكرته من جانب آخر يكون المسرح قد فقد وجوده وتخليه عن مفهوم الحياة بمعناه الشمولي والحقيقي وتخليه عن ماهيته ووظيفته الكونية والأصولية التي تنطلق من المجتمع سياسيا واجتماعيا واقتصاديا . لكنه تخلي عن مقتضيات الحال المجتمعيه ليذهب الي مجتمعات مغايرة ترتاد المنتجعات السياحية والفنادق والأماكن المحرمة عن الأفراد الطبيعيين من الطبقة المحدودة وهنا يتحول المسرح الي النواحي الترفيهية والتخلي عن الرسالة التنويرية بمعناها الواسع ففي مثل هذه النوعية التي تصل فيها اسعار التذكرة الواحدة الي الخمسمائة جنيه وهذا معناه ان هذا المسرح ليس للجميع وليس لمحدودي الدخل وهذا هو الجمهور العريض. وبالعودة الي الوراء نري ان المسرح في مصر بدأ خاصا ويقوم بالانتاج فيه نجوم المسرح أنفسهم من أمثال بديعة مصابني وملك وعلي الكسار ونجيب الريحاني وسلامة حجازي ويوسف وهبي واسماعيل يس والابياري الكبير وبديع خيري وغيرهم الكثير وكانوا يقدمون المسرحيات العالمية والمعربة والممصرة والمؤلف وكانت كلها أعمال كبيرة وذات قيمة بجانب فن الأوبريت والمسرح الغنائي . الي ان قامت ثورة يوليو 52 وتدخلت الدولة بمؤسساتها في الانتاج وحتي حقبة الستينيات وحتي بدايات الألفية الجديدة تحول مسار القطاع الخاص من الرقي والسمو والجدية الي العري مع ظهور مصطلح المسرح السياحي الذي اعتمد علي السياحة العربية وانتشر هذا النوع ومع نهاية حقبة الستينيات لمسرح الدولة بدأ المسرح الحكومي يحاكي عروض المسرح الخاص بكل تفاصيله وظل المسرح علي هذا الوضع عام وخاص وتوحدوا في هدف واحد لجذب الجمهور وتخلي مسرح الدولة عن أهدافه ومع انتهاء السياحة العربية انتهي المسرح الخاص الذي اعتمد علي الجمهور من الأثرياء وبقايا العرب وأصحاب الحرف ممن يربحون من حرفهم الي ان مات المسرح الخاص تماما بعدما أفسده النوعية الغريبة من المنتجين من التجار وتجار الخردة ممن يبحثن عن علاقات خاصة مع بعض الفنانات النجمات الجميلات وبهذا الموت الأكلينيكي للمسرح الخاص تبقيت بعض الفرق التي عملت علي استحياء كفرقة الفن لجلال الشرقاوي وفيصل ندا واحمد الابياري وفي هذه الأثناء ظهر المهرجان التجريبي ليقضي تماما علي هوية وشخصية المسرح المصري . وبعد ثورة 25 يناير انتهي المسرح في مصر ودوره التنويري ولحاقه بالمتغيرات السياسية والمجتمعية ومع وجود قيادات ضعيفه بلا فكر انطلق المسرح الحكومي من منظور فاقد للرؤية والهدف والأستراتيجية وفقدت المنهج وأصبحت كل الفرق وكأنها دمجت في كيان واحد كمسرح شباب مع وجود مسرح المناسبات والموجه والأحتفاليات بعيدا عن الابداع الحر الحقيقي وعلي الجانب الأخر ظهرت كيانات أخري مستهجنة ومهرجانات "بالكوم" وأختلط الكابل بانابل الي ان ظهر الكيان الغريب لما يقدمه أشرف عبدالباقي تحت مسمي مسرح مصر مما دعي الكثير الي تقليده حتي عدل مساره بتقيم عرضين أفضل قليلا ومع هذه المعطيات الغريبة ظهر محمدرمضان الذي حاول تقليد عادل امام ليقدم عرضه أهلا رمضان كبطل مسرحي جديد ولكنه أخفق لأن النرجسية لا تصنع فنانا ذات قيمة وشتان والبون شاسع بين الزعيم عادل امام ورمضان. في ظل هذه الفوضي المسارح تغلق والعروض يتدني مستواها الفكري والجمالي ويزداد سرطان الورش المسرحية ويفقد القدرة علي مواكبة أحداث الواقع بكل تفاصيله ومع هذه الفوضي المنظمة نسمع عن الفخراني الذي يقدم ولأول مرة عرض ورائعة وليم شكسبير "الملك لير"پفي القطاع الخاص وهو الذي قدمها قبل عدة مواسم بالمسرح القومي من اخراج الراحل احمد عبدالحليم ولماذا لير الآن وما الجديد؟.. أسئلة حائرة واتحدي الفخراني ان يقدم عملا مسرحيا سياسيا . ثم نأتي الي نوعية جديدة يقدمها بعض النجوم محمد صبحي يقدم "خيبتنا" علي مسرحه في مدينة سنبلپومحمد هنيدي يقدم 3 في الساحل الشمالي وهلم جرا والسؤال ما جمهور هؤلاء ومن يستطيع دفع قيمة تذكرتهم ولمن يوجه هذا المسرح وما نوعيته وما قيمته وآلياته واهدافه ومن يموله ؟.. اسئلة حائرة وغائرة في ضمائر مغايرة. الحقيقة ان المسرح في مصر مستهدف ويحارب والهدف قتل ثقافة مصر واغتيال ريادة مصر المسرحية.