وسقطت مجدداً صخرة من صخور الدويقة. سبق أن سقطت صخرة مشابهة سنة 2009. وقبلها كانت هناك صخرة أخري سقطت. وفي المرتين سقط ضحايا كثر من سكان المنطقة هذه المرة - مساء الثلاثاء الماضي - مر الأمر بسلام - بلا ضحايا من الأفراد. وعلي الفور كانت الدولة مستعدة وجاهزة. وزارة التضامن مدت يد العون للأسر المنكوبة محافظ القاهرة وعدد آخر من كبار المسئولين توجهوا إلي الموقع في منشية ناصر. جميل أن يجد المواطن في لحظة الأزمة الدولة إلي جواره. تمد له يد العون والمساعدة. وذلك وجه مهم من أوجه القوة الناعمة للدولة في تعاملها مع المواطن.. الأرقام تقول إن هناك أربعين أسرة تضررت من جراء سقوط الصخرة. والدولة ترفع عنهم ضرر الصخرة فوراً. هذه الواقعة تؤكد بعد نظر الدولة وتحديداً الرئيسپالسيسي. حين جعل من أولوياته التدخل بحل ناجع للمناطق العشوائية. وهو لا يحب ذلك المصطلح ويفضل استعمال تعبير ¢السكن غير اللائق¢ حتي لا يجرح مشاعر هؤلاء المواطنين. من البداية قرر الرئيس أن تكون اولوياته هي مكافحة الإرهاب وكذلك حل مشاكل تلك المناطق التي تركت لعقود فاستفحلت واتسع نطاقها. الحق أن العشوائيات ظهرت بعد هزيمة 1967 مباشرة لأسباب نعرفها جميعا. وحين كانت الدولة تستعد للحرب مع اسرائيل وإزالة آثار العدوان. لم يكن ممكنا وقتها تحقيق حل جذري لسكان تلك المناطق. ولما تحقق نصر اكتوبر 73 وجاء الانفتاح الاقتصادي وتدفقت الأموال. كان الكل نسي أو تناسي هذا الملف. بل تركه يستفحل ويتسع نطاقه حول القاهرة الكبري. ناهيك عن بقية المدن المصرية. وكانت منطقة منشية ناصر والدويقة هي الأبرز في ذلك الملف. الذي لم يلتفت إليه المسئولون. ولما مررنا بتجربة الإرهاب في أواخر الثمانينيات من القرن الماضي تكشف لنا حجم العشوائيات وخطورتها علي المجتمع. كان الإرهابيون يختفون في تلك المناطق ويصعب الاستدلال عليهم. وتلقينا وعداً رئاسياً وقتها أن هذا الملف سوف يجد حلا فور الانتهاء من مشكلة الإرهاب. وفي أواخر 1997 توقف الإرهاب ولم يعثر حل ملف العشوائيات. صحيح حدث تدخل ولكن كان أقرب إلي طلاء خارجي لا يحل المشكلة. مثل بناء سور ضخم علي الأوتوستراد يفصل ويخفي المنطقة عمن يمر بالطريق مع السماح لسكانها بتركيب عدادات الكهرباء ومواتير المياه. وغير ذلك من ضرورات الحياة الآدمية. وتبين أن ذلك كله كان مسكنات انتخابية لمرشحي الحزب الحاكم في مجلس الشعب. وتركت جماعة الإخوان وهوامشها تلعب في تلك المناطق. وظهرت اكياس السكر وزجاجات الزيت. وبعض الصدقات في شهر رمضان. وكانت كلها صدقات ايديولوجية لضمان أصواتهم في الانتخابات وحشدهم لمساندة الجماعة الإرهابية. لكن لم يكن هناك تدخل لحل جذري إيمانا بأن هؤلاء المواطنون لهم حقوق يجب أن تؤدي إليهم. وفي مقدمتها الحق في السكن الكريم والإنساني. ويجد القول أن الصخرة حين سقطت سنة 2009. سارع خبراء الجيولوجيا ومهندسو المباني إلي التنبيه بأن صخور تلك المنطقة جيرية ومن ثم فهي مهددة بالتفتت مع وجود المياه المالحة من أثر الصرف الصحي لسكان تلك المناطق. وطبقا لتلك الدراسات كان يجب العمل علي نقل هؤلاء السكان إلي مناطق أخري. لكن لم يحدث شيء كبير. تركت دراسات الجيولوجيين علي الأرفف ولم يتم الاستماع إلي أساتذة هندسة المباني وتخطيط المدن . وظللنا علي هذا الحال حتي سنة 2014. واتخذ الرئيس السيسي قراره بأن نواجه الإرهاب ونحل هذه المشكلة بالتزامن. فكان مشروع الأسمرات الذي استوعب معظم سكان الدويقة. ولولا ذلك لتحولت صخرة أول أمس إلي كارثة إنسانية كبري. ومن أسف أن البعض لم يقدروا هذه الخطوة ولم يدركوا أهميتها. سواء فيما يتعلق بالتنمية وارتقاء المواطن وحق الإنسان في العيش الكريم والآمن. ولعل ما أعلنه الرئيس السيسي في المؤتمر الصحفي مع الرئيس الفرنسي ماكرون يوم الاثنين الماضي يكون كاشفا للكثيرين. فقد بنت الدولة خلال هذه الفترة ربع مليون وحدة سكنية لهؤلاء المواطنين. يتسلمها المواطن مفروشة وبالأجهزة الكهربائية أيضا. أي لا يتسلم حوائط وسقف فقط. بل بيت مجهز ومكتمل تماما. ربع مليون وحدة سكنية يعني الانتقال بأكثر من مليون مواطن ومواطنة إلي مستوي الحياة الإنسانية والكريمة. إذا افترضنا أن متوسط أفراد الأسرة أربعة. رغم علمي أن الأسر في تلك المناطق هي من الأسر الممتدة الذي قد يصل عدد افرادها إلي سبعة أو ثمانية أفراد. من قبل حين مات سكان الدويقة سنة 2009. تحت الصخرة. قال نائب المحافظ المسئول وقتها انهم عاشوا هناك علي مسئوليتهم الخاصة. ونفض يديه. اليوم الأمر مختلف تماما. لدينا دولة تمد يدها للمواطن الفقير والمحتاج والضعيف. إيمانا من الدولة بأن هذا حقه كمواطن وكإنسان. وليس مقابل مساندته لمرشح بعينه في انتخابات البرلمان ولا مساندة تيار بذاته» يصل إلي المواطن حقه بلا مزايدة عليه ولا بهدف شراء ضميره وصوته. كما فعل الجميع ذلك من قبل. مع اختلاف المواقع.. هؤلاء المواطنون الذين تمد الدولة يدها لهم. ليسوا من اصحاب الصوت العالي وليسوا من ذوي الحيثية لدي المنظمات الدولية المعنية بحقوق الإنسان. بالإضافة إلي أنهم ليسوا من جماعات الضغط التي تحاول انتزاع أكبر قدر من الاستفادة والمصالح من الدولة والجهات الحكومية. باختصار مواطنون فقراء. وربما يكونوا اعتادون حياتهم تلك وكان غاية ما يطلبون بعض التحسينات فقط. لكن أن تحدث لهم ثورة علي هذا النحو وأن تقوم بها الدولة. فهذا هو الجديد وما يجب أن يحمد للدولة في هذه المرحلة. ويجب أن نساندها فيه.