كان حلمها مقابلة سائق أو سكرتير لأحد المسئولين في الدولة لمساعدتها في تحقيق حلم العمر بإمتلاك سيارة ميكروباص تعمل عليها لإعالة أبنائها الأربعة بعد هروب زوجها من المسئولية للتوسط لدي أصحاب المعارض للتغاضي عن المقدمات الضخمة التي عجزت عشرات المرات عن توفيرها إلا أن يشاء القدر أن يكافئها علي صبرها بمقابلة الرئيس عبدالفتاح السيسي مصادفة أثناء مرورها أمام موكبه بالعاصمة الإدارية الجديدة لتحقق جميع أحلامها في غمضة عين. "الجمهورية" عاشت لحظات الفرح والسعادة مع نحمده سعيد عبدالرازق وأبنائها بعد استلام سيارة "تويوتا ثربو" أحدث موديل بأوامر شخصية من رئيس الجمهورية مع ترخيصها في نفس اليوم دون تسديد مليم واحد لتصبح أشهر سائقة ميكروباص في مصر. وبوجه يعلوه الفرحة والابتسامة قالت والدموع تسبق الكلام: كان حلم عمري مشاهدة الرئيس فقط لأنني من أشد المعجبين بسياساته الجريئة التي حفظت مصر من الانهيار والفتن في اللحظات الصعبة من حياتها ووفر لنا وطناً آمناً نعيش فيه ويحتوي أحلامنا ويحفظ مستقبل أبناءنا حيث أحرص في كل لحظة أثناء قيادتي الميكروباص علي متابعة أخباره عبر الراديو واختلس دقائق في المنزل لمشاهدة جولاته المكوكية داخل مصر وخارجها.. كما أشعر بالفخر من جملة انجازاته التي يشهد بها القاصي والداني لذا اعتبرته قدوتي في إصراره علي تحقيق المستحيل كما يفعل الآن وينحت في الصخر من أجل حماية الوطن ورفعة أبنائه. ورغم معاناتي وظروفي السيئة لم أفقد الأمل يوماً في أن يكافئني المولي عز وجل علي صبري وتحملي للظروف القاسية التي عشتها في تربية أبنائي حتي قبل طلاقي من زوجي لسنوات طويلة حيث رفضت الجلوس في المنزل ومد يدي للغير لمساعدتي في تربية صغاري فأنتقلت من شبرا الخيمة محل اقامة أسرتي إلي مدينة بدر وأستأجرت شقة "علي قد الحال" وبدأت العمل في فرن خبز حتي استطعت بعد فترة من شراء شقة تمليك واستئجار الفرن لحسابي الخاص وبدأت الحياة تضحك لي من تاني وشعر أطفالي بالأمان لأول مرة منذ ولادتهم حتي جاءت الرياح بما لا تشتهي السفن وسقط ابني الأوسط من البلكونة وأصيب بنزيف بالمخ وكسر بالجمجمة واضطررت لبيع كل ما أملك لانقاذه من الموت حتي كتب الله له الشفاء. وأمام تلك الظروف لم يكن أمامي سوي الامتثال لشقة صغيرة بالايجار مرة أخري ولم يعد لي أي دخل نهائياً وضاقت بي الدنيا ولم يكن لي أي مساعد سوي الله حتي انني لم أكن أجد رغيف العيش أسد به جوع أولادي ومن هنا بدأت حكايتي مع الميكروباص والسواقة علي الطرق. أضافت: طلبت من إحدي السيدات تأجير سيارتها السوزوكي "التمناية" للعمل عليها داخل مدينة الشروق لكن الرزق كان ضيقاً للغاية وأولادي تعبوا كثير معايا من قلة الفلوس فقررت الخروج بالسيارة إلي خارج المدينة والتحميل من موقف العاشر وبدأت مرحلة جديدة من التعامل مع السائقين بالمواقف وجهاً لوجه ورغم كل مخاوفي ورعبي من الاحتكاك بتلك الطائفة إلا أن حاجتي للمال دفعتني لاتخاذ تلك الخطوة. في موقف العاشر كانت البداية صعبة للغاية بعد رفض عدد كبير من السائقين وجودي وسطهم حتي ان معظمهم كان يسخر من قيادتي للسيارة "لكن ربنا وقف لي ولاد الحلال" ورزقني برئيس الموقف اللي وقف جنبي وساعدني علي التحميل بسرعة وإعفائي من الانتظار والأدوار "حتي عندما قررت ترك السيارة التي أعمل عليها وفر لي سيارة أخري حتي لا ينقطع لقمة عيش عيالي". مرت الأيام بحلوها ومرها وأصبحت الاسطي أم محمود التي يحترمها جميع سائقي الموقف بسبب معاملتي الطيبة ووقوفي بينهم كالرجل الذي لا يهاب المواقف ويتعامل معها بكل جرأة رغم أنني لم أحمل رخصة مهنية في حياتي واعتمد فقط علي رخصتي الخاصة. وفي ظل الظروف المتقلبة اضطر أبنائي لترك المدارس والخروج لسوق العمل لمساعدتي بعد ان رصدوا علي وجهي علامات الحزن والتعب والارهاق لأنني كنت أعمل يومياً أكثر من 17 ساعة متواصلة لسداد الايجار اليومي للسيارة الذي يصل إلي 350 جنيهاً بالاضافة لسداد ايجار الشقة التي تؤوينا والمياه والكهرباء ومصروفات أبنائي من مأكل ومشرب وملبس حتي ان أوقات فراغي كنت أقضيها في المطبخ والغسيل وترتيب المنزل. بعد ان استقرت الأحوال ربنا رزقني بصاحب عربية سلمها لي مقابل ايجار يومي كمساعدة بعد معرفته بظروفي وطلب مني إعادة أولادي للمدرسة مرة ثانية وبالفعل عادوا من جديد وبدأت أشعر بالأمان مرة أخري. بين هذا وذاك بدأت المضايقات من بعض السائقين ومسئولي المواقف خاصة بالعاصمة الإدارية الجديدة بعد ان ذهبت هناك لفتح باب رزق أوسع وفي كل مشوار كنت بدعي وأقول "ربنا يبارك فيك يا ريس فتحت لنا أبواب رزق جديدة" وأصبحت من أشهر السائقين رغم الظروف علي خطوط العاصمة بدر أو العاشر. قالت عندما كانت المشاكل تزيد وتحاصرني كنت الجأ إلي الصلاة وأكلم ربنا وأقوله "حترضي عليا امتي وتنقذني من اللي عايشة فيه" يارب أنا مش عايزة غير حد ابن حلال يضمني عند صاحب المعرض ويديني عربية وأنا مستعدة أمضي له علي كل الشيكات والضمانات اللي هو عايزها وأدفع القسط كمان علشان حاجة تستر عيالي لو جرالي أي حاجة". في خضم تلك الأحداث تضاعفت المضايقات من السائقين ومسئولي المواقف وأسودت الدنيا في عيني حتي أنني قررت في نفسي ترك الميكروباص والعمل عليه والبحث عن أي مهنة أخري لكن ضعف الدخول الأخري مقارنة بالعمل كسائق كانت تجعلني أعيد النظر مرة أخري. في اليوم الموعود الذي استجاب الله لدعائي وفتحت لي الدنيا ذراعيها شاهدت أحد المسنين قبل دخولي الموقف لا يستطيع صعود مطلع أحد المناطق بمدينة بدر فعدت بسيارتي وأوصلته لمنزله رغم أنه ليس طريقي ودعا الله لي قائلاً: "روحي يابنتي ربنا يرزقك ويبر بخاطرك زي ما جبرتي بخاطري" وكأن أبواب السماء كانت مفتوحة عندما توجهت لموقف العاصمة قمت بتحميل السيارة بسرعة بعد أن علمت بوجود موكب لأحد المسئولين بالعاصمة الإدارية وهذا شيء اعتدنا عليه. أثناء سيري في طريقي شاهدت في المرآة سيارات مصفحة تسير خلفي فقررت الوقوف في أحد جوانب الطريق وفوجئت بوقوف سيارات الموكب أمامي ونزول لواءات شرطة وحراسات فأصبت بالهلع خاصة أنني لا أحمل رخصة قيادة كما ان رخصة السيارة مسحوبة فقلت في نفسي "روحتي في داهية يا نحمدو" لكنني شاهدت أمامي ما لم أكن أحلم به حيث نزل الرئيس من سيارته مترجلاً واقترب مني فحاولت النزول من سيارتي فقال لي "خليكي مكانك أنا اللي جاي أسلم عليكي انتي فخر وشرف لينا كلنا.. أنا فخور بيكي وبصبرك وشغلك.. مش محتاجة أي حاجة لقيت نفسي بدون تفكير بقوله آه طبعاً محتاجة "نفسي ياريس في حتة عربية تسترني أنا وعيالي ومستعدة أدفع قسطها بس مش معايا المقدم.. قال حاضر هنعملك اللي انتي عايزاه وسألني مرة تانية طيب أنتي عايزة حاجة تاني قلت ربنا يكرمك يار ريس وبجبر بخاطرك زي ماجبرت بخاطري. "بعد شوية لقيت لواء موجود بياخد بياناتي وتليفوني وبعد العصر جالي اتصال من رياسة الجمهورية بيقولي ان الريس قال نحمدو متنامش إلا وعربيتها معاها ولازم تيجي تستلمي الميكروباص بتاعك". "حاولت أصدق نفسي مقدرتش حتي أولادي مصدقوش وقالوا ان السواقين بتوع الموقف بيشتغلوكي إلا ان حضور أحد المسئولين بالرئاسة حول الحلم إلي حقيقة والشكوك إلي واقع ملموس حيث ذهبنا لمعاينة السيارة بأحد المعارض بمدينة نصر وكان أقصي طموحي سيارة صيني لا يزيد سعرها علي 250 ألف جنيه الا ان مندوب الرئاسة قال ان الرئيس أمر بمنحك سيارة تويوتا ياباني تربو أحدث موديل وهي السيارة التي كان أقصي طموحي مجرد قيادتها أو الوقوف بجوارها وليس امتلاكها.