عندما تنهار القيم وتهزم الأخلاق. وتخرب الذمم. يضيع كل شيء. ويضيع الناس الأفاضل في مجتمع الذئاب. مجتمع يسوده الجشع. ويعم فيه ظلام النفوس. يلتقي الظالم والمظلوم عند القاضي ليفصل بينهما بالعدل مستلهماً التقرب إلي الله فيما يخطه بيمينه. مبيناً الحق لصاحبه مبعداً يد الظالم عما ليس له. يفحص القاضي أوراق القضية التي عُرضَتْ أمامه ليجد المتهم مرتكباً لجرم يحتار في حبكته العقل. وتذهل الأفكار.. ذلك أن المتهم طمع في عقار استأجره من آخر لمدة معينة. عند انتهاء مدة الإيجار طلب المؤجر من المستأجر المتهم إخلاء العقار وتسليمه إليه خالياً. ماطل المستأجر حتي صدر حكم نهائي بات بطرده من العقار. إلا أن ذهن المتهم المريض وعبقريته الشيطانية تفتق عن حيلة جهنمية. وتصرف لا يطرأ إلا علي عقل الشياطين.. اشترك مع آخر يزعم أنه محضر من المحكمة مدعياً حضوره لتسليمه الأرض محل النزاع. لم يفطن الرجل إلي أن التسليم يتم بإجراءات أولها استخراج صورة رسمية من الحكم مذيلة بالصيغة التنفيذية لكن فرحته الغامرة باستلام العقار أعمته عن ذلك أو الاتصال بمحاميه ليرشده فيما يفعله استسلم الرجل لشريك المتهم وقام بالتوقيع علي ورقة زعم الآخر أنها محضر التسليم. وقام المالك بتسليمه صورة من عقد الملكية ساعدته في نقل الحدود والمساحة ووصف العقار. بعد فترة جاء محضر المحكمة ليسلم المجني عليه المالك الأصلي صورة الصحيفة دعوي صحة توقيع البائع علي عقد بيع صادر إلي المستأجر المحكوم بطرده لقاء مبلغ قدره سبعة ملايين جنيه. انتقل محاميه للاطلاع علي ملف الدعوي ليجد به عقد بيع منسوبا إلي المدعي عليه مزيلا بتوقيع منه. دارت رأس الرجل بحثاً عن مخرج من ورطة لم يرتكبها. ولم يكن أمامه سوي الطعن بالتزوير. أحالت المحكمة المدنية الدعوي إلي خبير أبحاث التزييف والتزوير بمصلحة الطب الشرعي التابعة لوزارة العدل. يحكي الطاعن المجني عليه القصة كاملة أمام الخبير الذي هدته خبرته إلي احتمال استعمال الحبر الذي يزول بالتسخين ولكنه يعاد كما كان بطريقة عكسية وهي التبريد. بالتبريد ظهرت الخطوط السابق محوها بالتسخين والمتضمنة محضر التسليم الذي اصطنعه الرجل شريك المتهم واستوقعه عليه.. تتأكد المحكمة المدنية أن عقد البيع مزور. اختلس من محضر التسليم. وتقضي المحكمة برفض الدعوي استناداً إلي أن عقد البيع زُوِّر علي المدعي عليه. تحرك النيابة العامة الدعوي الجنائية ضد المدعي في الدعوي المدنية ليقف أمام القاضي الذي يتعجب من الأسلوب المستحدث في عمليات التزوير باستخدام ما قدمه العقل البشري من أنواع أحبار تزال بالسخونة ويعاد ظهورها بالتبريد. ليقضي بالعقاب المناسب والرادع.