مازلت اعتقد اعتقاداً جازماً لا يقبل الاهتزاز أن الزعيم أحمد عرابي هو مفجر الوطنية المصرية في العصر الحديث. ورمز الجندية المصرية الخالصة. تصدي للطغيان وحارب التمييز الذي جعل الضباط والجنود غير المصريين في مرتبة أعلي من أمثالهم من الجنود والضباط المصريين بل تعدي التمييز أن يرأس الضابط التركي الأقل رتبة من يعلوه رتبة لو كان مصرياً. وقوفه بميدان عابدين مثار إعجاب وفخر لكل مصري سواء كان جندياً أو فلاحاً أو غيرهما.. وقفة شجاعة لم تحدث من المصريين علي مدي أكثر من عشرين قرناً من الزمان. شد المصريون من أزره وقفوا وراءه ليتحدث بلسانهم موجهاً حديثه إلي الخديوي توفيق المتعسف في حكم البلاد والجاهل المحاط بغير المصريين مقتنعاً بغباء أن البلاد المصرية وما عليها من المصريين ملك له ولأولاده وأسرته ورثها عن أبيه وجده. وكأن المصريين عقار يورث لا يفكر ولا يحس وهو ما رفضه زعيم المصريين أحمد عرابي واستعان الخديوي الخائن بجيوش الإنجليز لتضع قدميها في البلاد متعللة بحماية الطوائف غير المصرية الأجانب. كاد الزعيم عرابي ينتصر عليهم لولا خيانة جندي غير مصري يدعي يوسف خنفس. العجيب أن عرابي المظلوم حياً وميتاً يواجه ظلماً آخر من كاتب أتيحت له فرصة الانتشار والذيوع من أجهزة الإعلام. يحاول أن ينفي عن زعيم الفلاحين وموقظ الأمة في العصر الحديث ينفي عنه صفة البطولة والزعامة وسعيه نحو تحرير المصريين من ربقة التسلط والطغيان علي يد الحكام الأجانب. ما يتعرض وتعرض له عرابي ظلم ما بعده ظلم إذ أن معارضيه أطلقوا عليه قذائف الاتهامات الباطلة وأسموا ثورته بهوجة عرابي فضلاً عن الهتافات ضده بعد عودته من النفي مما اضطره إلي التنكر عند خروجه من منزله. فيتعرف عليه أحد الناس أثناء صلاة فجر أحد الأيام. فيبصق ذلك الشخص الأرعن في وجه الزعيم الذي أصيب بحزن وغم شديدين أفقداه بصره ويموت مهموماً محسورا. فهل تجد الوطنية المصرية من يحيي ذكري هذا الزعيم لتعرف الأجيال الجديدة وطنية هذا الرجل وإخلاصه لمصر وكونه رمز الجندية المصرية. لعل صناع السينما يجدون في حياته ما يصلح لأن يكون فيلماً سينمائياً تشاهده الأجيال علي مر السنين.