"طلق صناعي" هو تجربة الاخراج الاولي لكاتب السيناريو المعروف خالد دياب. الذي شاهدنا له مجموعة من الافلام الناجحة خلال السنوات العشر الاخيرة. منها 3 افلام مع النجم احمد حلمي "الف مبروك" و"عسل اسود" و"بلبل حيران" بالاضافة إلي فيلم "الجزيرة" بجرءيه مع المخرج الكبير شريف عرفة. وهذا الاسبوع يشاهد الجمهور احد اهم افلام اجازة نصف العام وهو فيلم "طلق صناعي" اخراج خالد دياب عن سيناريو لمحمد دياب واشقائه شيرين وخالد. انتماء الفيلم إلي النوع الكوميدي لايعني الاتجاه إلي البلاهة والابتعاد عن المنطق. لان الولاياتالمتحدة ليست مستشفي للولادة حتي تذهب هبة "حورية فرغلي" للسفارة الامريكية في القاهرة وهي حامل في الشهر التاسع لتطلب تأشيرة هي وزوجها حسين "ماجد الكدواني" وبسبب رفض السفارة المتكرر لمنحهما التأشيرة. يهتدي الزوج لفكرة مجنونة باقناع زوجته بابتلاع اقراص الطلب الصناعي لتضع مولودها داخل السفارة وهي ارض امريكية في القانون الدولي. وبذلك يحصل المولود علي الجنسية الامريكية. هذه هي الفكرة التي يبني عليها خالد دياب فيلمه. وهي فكرة "مأساوية" لاتثير الضحك بينما الكوميديا كلها تأتي من الشخصيات الاخري للمصريين داخل السفارة الطالبين للتأشيرة. المشاهد التي قدمت الكوميديا بامتياز هي المشاهد التي تكشف كذب الراغبين في التأشيرة الامريكية مثل مندوب المبيعات الذي يحمل "جواز سفر" مزوراً مكتوب فيه المهنة طبيب "مصطفي خاطر". والشابان الذين يدعان انهما من المثليين المضطهدين في مصر ويرغبان في الهجرة "حسني شتا ومحمد علاء" والشاب البدين "جمال قلبظ" الذي يريد التأشيرة لانه قرر التحول إلي المسيحية ويعاني هو الآخر من الاضطهاد وكذلك انفجر الضحك علي المحامي "بيومي قنديل" عديل حسين بسبب التعامل العنيف لاجهزة الامن معه خاصة عندما دخل السفارة لاقناع حسين بتسليم نفسه ورفض الخروج مرة اخري خوفاَ من العقاب. في الفيلم قدر كبير من التشوش وعدم الوضوح. لان زوجات بعض الاثرياء يسافرن لامريكا قبل الشهر السادس من الحمل وهذه شروط الحصول علي تذكرة الطيران. لكن الفيلم اعتمد علي جهل الناس بالقوانين لتمرير رسالته التي بدأت في التاريخ الذي ظهر علي الشاشة في بداية الفيلم وهو 14 فبراير 2013. وان كان هذا التاريخ لايعني شيئاً لان الرغبة في الهجرة وراء الحلم الامريكي قديمة. ومن السذاجة ربطها بالنسبة التي حكم فيها الاخوان مصر. والمنطق الدرامي يقول ان حسين يسعي للحصول علي التأشيرة الامريكية ويسافر ويستقر هناك ويرسل في طلب زوجته واطفاله وهو ما يفعله الآلاف. وما اسهل ان نضحك بعد ذلك ونحن نشاهد فيلما كوميديا يحترم عقلية الناس. لان الاصل في السينما هو اقناع المشاهد بأن ما تراه هو الصدق وبعد ذلك ممكن ان نضحك او نبكي. فالموقف السياسي لصناع الفيلم افسد الكوميديا حتي اصبحنا في الثلث الاخير من الفيلم نتساءل ما الذي يريده حسين؟.. هل يريد تأشيرة لامريكا لتلد زوجته هناك؟.. ام يريد اللجوء السياسي!. وهل المطلوب ان نتعاطف مع مواطن يستخدم العنف ويفعل المستحيل لكي يهاجر من بلده.. ولماذا يفعل ذلك؟ وما نوع المشاكل التي دفعته لذلك؟ ويأتي استهتار الفيلم بعقلية المشاهد إلي اقصي درجة. عند الحديث عن استدعاء المارينز لاقتحام السفارة الامريكية. وكان رد مدير الامن "سيد رجب" قائلا للسفر الامريكي انت فاكر نفسك في العراق؟ كذلك عندما خرج حسين مستسلماً براية بيضاء لم يستقبله احد. فاضطر إلي العودة مرة اخري داخل السفارة. ودخل إلي الغرفة المصفحة بعد ان علم بنية قوات الامن المصرية باقتحام السفارة ووضعت زوجته طفليها داخل تلك الغرفة والسؤال هل الداخلية هي التي حركت الجماهير في مظاهرات في اتجاه السفارة.. ولماذا؟ هل يريدون الضغط علي السفر؟ وما اهمية ذلك في قصة المواطن حسين الراغب في الهجرة؟ يستحق فيلم "طلق صناعي" ان يصبح اسمه "فيلم صناعي" لان الكثير من احداثه مفتعلة. وياليت الافتعال من اجل اثارة الضحك فمن الممكن ان يقبل المشاهد بذلك. ولكنه افتعال للترويج لفكر مختلف لم يعد احد يتعاطف معه. كان من الممكن أن يكون الاداء التمثيلي في الفيلم افضل مما ظهر بكثير لو تحرر المخرج من الرؤية الضيقة عديمة الخيال التي وضع الفيلم والمشاهد في داخلها. لذلك شاهدنا ماجد الكدواني في حالات مختلفة من الاحباط واليأس والثورة وكان يعبر عن الاسي والحزن بشكل عام علي الموقف الذي صنعه بنفسه ومطلوب من المشاهد ان يتعاطف معه. وكذلك حورية فرغلي كانت مثل التي "تاهت" في فيلم لاتفهم ما يريد تقديمه للناس. وتميز عمل مدير التصوير فكتور كريدي بالدقة والاحترافية سواء باللقطات داخل السفارة او خارجها وكذلك مونتاج وائل فرج وموسيقي تامر كروان. لكن للاسف فشل الفيلم في التعبير عن طبيعة الازمة التي يناقشها مما جعل ما يدور خارج الشاشة اكثر اهمية من الذي نشاهده عليها.