من المصائب الكبري تربية المتطرفين علي "السمع والطاعة" ولو كان السمع والطاعة هنا لله ورسوله وأولي الأمر لكان فضيلة وعلامة إيمان والتزام. عملا بقول الحق سبحانه: "وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم".. لكنها طاعة عمياء لعناصر شاردة عن الدين الحق. ولذلك كانت هذه الطاعة معصية لله ورسوله. وهي- بالتأكيد- تجلب لأصحابها الإثم وتلحق بهم الأذي في الدنيا والآخرة. في البدية يؤكد د.عباس شومان وكيل الأزهر والأمين العام لهيئة كبار العلماء أن طاعة هؤلاء المتطرفين ومبايعة هؤلاء الإرهابيين عصيان لله ورسوله. وتشجيع علي الإجرام ضد الأبرياء. ومعاونة للظالمين الآثمين. وهذا ما ينبغي أن يدركه ضحايا هذه الجماعات من الشباب الذين غيبت عقولهم بأفكار شاذة ومفاهيم مغلوطة. كما أن طاعة شيوخ التطرف والتكفير وقيادات الإرهاب هي طاعة منكرة تجلب لصاحبها غضب الله وعقابه. فليس لهؤلاء علي المسلمين طاعة. فالطاعة الواجبة تكون لله وللرسول ولأولياء أمور المسلمين الشرعيين. تنفيذا لقول الله تعالي: "يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم". فالمسلمون مطالبون شرعا بطاعة الله وطاعة رسوله. وطاعة من يولون أمورهم. وذلك حرصا علي اجتماع كلمة المسلمين.. أما شيوخ التكفير والتطرف وقيادات الإرهاب فمعصيتهم واجبة. ومواجهتهم فرض عين علي كل من يقدر علي ذلك.. وقد قال رسول الله صلي الله عليه وسلم في شأن طاعة الأمير الشرعي: "علي المرء السمع والطاعة فيما أحب وكره. إلا أن يؤمر بمعصية. فإن أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة".. فإذا كان الأمير الشرعي تجب معصيته إذا ما أمر بمعصية لله ورسوله. فما بالنا بعقل خرب وضمير ميت يأمر أنصاره أو أتباعه بتفجير أنفسهم ليزهقوا أرواحهم وأرواح أبرياء معهم. قد يكون من بينهم نساء وأطفال وشيوخ كما نري في جرائم القتل والتفجير التي ينفذها ويهلل لها أناس يرفعون رايات الجهاد والإصلاح الإسلامي؟! ويؤكد وكيل الأزهر علي وجوب معصية هؤلاء الذين يأمرون أنصارهم بالقتل والتخريب والإفساد في الأرض.. ويقول: لقد أنعم الله علينا بالعقل الذي نميز به بين النافع والضار. بين الإصلاح والإفساد. بين الجهاد المشروع والإرهاب المدان والمعاقب عليه شرعا وبأشد ألوان العقاب. وإذا كانت نصوص القرآن والسنة تأمرنا وتحثنا علي طاعة الله ورسوله وأولي الأمر. فإن مجرد الاستماع لشيوخ التطرف والتكفير تمثل معصية لله ورسوله. حيث يجب نبذ هؤلاء وعزلهم وعقابهم لمن يقدر علي ذلك. فهم لا يأمرون بمعروف ولا ينهون عن منكر. بل ما يأمرون به هو المنكر بعينه. والإجرام بذاته. ووجود هؤلاء في صفوف المسلمين عار علي الإسلام. ولذلك لابد من مطاردتهم ومساعدة أجهزة الأمن علي تعقبهم وتقديمهم للعدالة لينالوا جزاء ما صنعوا من إجرام وما نفذوا من تخريب. وما قتلوا من أرواح بريئة. لمن تكون الطاعة؟ يقول د. أحمد عمر هاشم عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر: المسلم مطالب شرعا وبنصوص قرآنية بطاعة الله ورسوله وطاعة أولي الأمر فيما لا يحمل مخالفة لشرع الله. ولو أمر ولي الأمر أحد الرعايا بأمر فيه معصية ما كان له أن يطيعه. فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق. هنا- أي طاعة الله ورسوله وطاعة ولي الأمر فيما ليس فيه معصية- تكون الطاعة مطلوبة ومرغوبة وفضيلة تؤكد صدق إيمان الإنسان وسلامة ضميره الديني وحرصه علي رضا الله ورسوله وعدم الخروج علي ما ارتضاه المجتمع واستقر علي أن فيه المصلحة العامة للجميع. لكن فكرة "السمع والطاعة" التي تطبقها الجماعات والتنظيمات المتطرفة- والتي هي عقيدة راسخة في منهج جماعة الاخوان الذي تشربت منه مختلف التنظيمات التكفيرية- هي في حقيقة الأمر فكرة منحرفة حيث تستهدف إلغاء شخصية الإنسان وقيادته الي حيث تكون تهلكته وسوقه سوقا- دون تعقل ووعي وفهم واختيار- الي حيث يريد صاحب الأمر والنهي في الجماعة. وهو بطبيعة الحال ليس صاحب فكر صحيح ولا سلوك مستقيم. وإلا ما ارتضي لنفسه أن يكون عضوا في جماعة منحرفة تخالف شرع الله قولا وعملا وسلوكا. وتستهدف الجماعات والتنظيمات المتطرفة من خلال عقيدة"السمع والطاعة" كما يوضح د.هاشم إلغاء عقول الشباب وإلغاء شخصيتهم حتي يكونوا أداة في يد أمير الجماعة وبعض عناصرها ليوظفوهم كيفما يشاءون.. ونحن نراهم ينتحرون بتفجير أنفسهم ويزهقون أرواح الأبرياء ويحرقون الأخضر واليابس تنفيذا لتعليمات وأوامر صدرت إليهم من أشخاص منحرفين لا علم لهم ولا بصيرة ولا فقه صحيح. وهم بذلك يهلكون أنفسهم ليس جهادا في سبيل الله كما يتوهمون ولكن يهلكون في سبيل شياطين هذه الجماعات الذين يعيثون في الأرض فسادا. نسيج خيال المتطرفين ويضيف د.هاشم: الجماعات والتنظيمات المتطرفة تنصب شباكها حول شباب مغيب لا يملك قدرا كافيا من العلم والثقافة الدينية لكي يميز أن ما يردده هؤلاء من تحريض علي قتل النفس وقتل الآخرين وحرق الأخضر واليابس في بلاد المسلمين وغير المسلمين ما جاء به قرآن ولا سنة ولا أفتي به أحد من علماء وفقهاء الإسلام الثقات.. بل هو من نسيج خيال المتطرفين الذين لا يستهدفون نصرة دين الله ولكن يستهدفون تحقيق أطماعهم الشخصية وينفذون أجندة أعداء الإسلام هنا وهناك. وهكذا تتحول فضيلة الطاعة إلي رذيلة تؤذي الناس وتتجاوز آداب الإسلام وأحكامه.. وتنشر السلبية والخنوع داخل المجتمع المسلم.. وهذا الخنوع والاستسلام ما قال به شرع ولا عرف ولا عقل سليم. فالإسلام يربي المسلم علي استقلال الشخصية ويرفض أن يكون تابعا لغيره منساقا خلف فكر منحرف. والمسلم الذي يربيه الإسلام علي تعاليمه وآدابه وأخلاقه ينبغي هو المسلم المستقل الذي يعتز بنفسه دون أن يتكبر أو يتعالي علي أحد. وقد جاءت العديد من النصوص القرآنية والتوجيهات النبوية الكريمة لتبني شخصية المسلم علي الاعتزاز بالنفس والدين والوطن. يقول د.هاشم: الإسلام رسم للمسلم صورة مثالية. حيث بني شخصيته علي القوة والاعتزاز بالنفس. وواجه كل مصادر الضعف ومظاهر الذلة والهوان. فالمسلم الحق قوي الشخصية دون أن يرتدي ثوب الكبرياء. ودون أن يهدر حقوق الضعفاء في المجتمع وما أكثرهم.. ودون أن يستذل لأحد فشأن المسلم أن يكون عزيزا في نفسه. لا يذل نفسه ولا يستذل لأحد. كريما في شخصيته فيرفع من قدر نفسه ولا يحتقر الآخرين. معنيا بمظهره ومخبره. ولا يداخله مثقال ذرة من كبر.. يقول صلي الله عليه وسلم: "لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر" فقال له رجل: إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسنا ونعله حسنة؟ فقال صلي الله عليه وسلم: "إن الله جميل يحب الجمال. الكبر بطر الحق أي رده وغمط الناس أي احتقارهم.. وقد بين القرآن الكريم لمن تكون العزة في قول الحق سبحانه: "ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين". استقلال شخصية المسلم ومن الملامح البارزة في شخصية المسلم التي رسم صورتها إسلامنا العظيم "استقلال الشخصية" فالمسلم الحق لا يكون تابعا لأحد. ولكنه صاحب شخصية مستقلة يعتنق الحق ويسير علي ضوئه. ويعمل في دائرته. دون أن يكون هناك أي تأثير خارجي عليه. لأنه وفق تعاليم وأحكام دينه يؤمن بأن جزاءه منوط بعمله. فإحسانه لنفسه. وإساءته لها. وقد غرس القرآن في نفس كل مسلم أصول الحق ليتبعها. وشعاره في ذلك قول الحق سبحانه: "إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم وإن أسأتم فلها". ولذلك لا يجوز لمسلم أن يرتكب الخطيئة ويسندها للآخرين. لأنه يحاسب عن كل ما يفعله بفضل شخصيته المستقلة. فرسول الله صلي الله عليه وسلم قد حذرنا جميعا من الانسياق وراء الآخرين وإلغاء شخصيتنا. وهو القائل في الحديث الصحيح: "ولا تكونوا إمعة تقولون: إن أحسن الناس أحسنا. وإن ظلموا ظلمنا. ولكن وطنوا أنفسكم إن أحسن الناس أن تحسنوا وإن أساءوا فلا تظلموا". يقول د. هاشم: رسول الله صلي الله عليه وسلم من خلال هذا التوجيه الكريم وغيره من التوجيهات التربوية يؤكد حرصه الشديد علي بناء شخصية المسلم القوي. وإعداده إعدادا محكما. فهو الصانع الحقيقي للحياة الطيبة التي ينشدها المجتمع الإسلامي. وهو الباني للحضارة. والذي علي أكتافه تقوم النهضة وتتحقق التنمية. وهنا يبرز الجانب التربوي في هدي رسول الله. حيث يوفر للمسلم كل ما يساعده علي التقدم والاستقرار وحل مشكلاته بنفسه. وفي استقلال شخصية المسلم حماية لمقومات الحق والخير التي أودعها الله في الإنسان. فلا يتأثر بالعوامل الخارجية والمؤثرات المحيطة به. وهو- في كل الأحوال- مطالب شرعا بالحرص علي الحق والالتزام بالأمانة والموضوعية بغض النظر عن أي عامل آخر. أو أي مؤثر خارجي. فإذا قام بالحكم بين الناس. أو طلب منه أداء شهادة. أو فصل في خصومة. فعليه أن يتحري جانب الحق. فلا تؤثر عليه صلة قرابة أو نسب أو غير ذلك. وشعاره في ذلك قول الحق سبحانه: "وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربي". وقوله عز وجل: "يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولا يجرمنكم شنآن قوم علي ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوي. واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون". وهذا يعني أن شخصية المسلم الذي دينه علي مكارم الأخلاق وحميد الصفات لا تقبل الظلم. فالمسلم الذي يسير علي هدي الإسلام يقيم العدل ولو علي نفسه أو أقرب الناس إليه. ويقول الحق ولو علي نفسه. وهو يعدل مع العدو كما يعدل مع القريب والحبيب. لا تحكمه تبعية تهدم شخصية. ولا يجور علي عقيدته الهوي. ولا تتسرب المحاباة إلي داخله. يحيا بين الناس قواما بالقسط شاهدا لله. ولو علي نفسه أو والديه أو أقربائه. واستقلال الشخصية الذي يربي الإسلام أتباعه عليه. يعني المحافظة علي النفس من التأثر بخصائص الغير وأفعاله التي لا تتفق مع روح الإسلام. وتتنافي مع فضائله.. أما الاستبداد بالرأي. أو التمادي في الخطأ. فليس فيه من قوة الشخصية واستقلالها أدني علاقة. بل إن ذلك يتنافي معها تنافيا تاما. فالرجوع للحق فضيلة. ولا يوصف من يرجع للحق بأنه لا شخصية له. بل إنه قوي الشخصية في ضبط النفس وكبح جماحها والاتجاه صوب الحق والعدل.