أود أن أدخل لهذه المقالة دقيقة الأهمية من باب.. "المخابرات".. وحينئذ يتوجب السؤال المركب عن ماهية وأهمية أجهزة المخابرات سياسياً واستراتيجياً.. وباختصار يفي الإجابة حقها المتاح.. نقول بإذن الله إن المهمة الرئيسية والأولي لتلك الأجهزة هي.. جمع المعلومات وتحقيقها وتأكيدها.. ثم تحليلها والخروج منها بالاستنتاجات والاستنباطات المستورة بين طيات واقعها السياسي.. والمتوقع من توظيفها ثم النصح بأفضل أسلوب وسبيل لردع نتائجها في حال توظيفها سياسياً.. ثم يتم توصيف وتصنيف المعلومات وحفظها والعمل علي كيفية يسر وسرعة استرجاعها بل وتحديث تلك الثروة المعلوماتية وشبكة خطوطها البيانية عن كل مجال ونشاط بما في ذلك الأفراد والشخصيات المؤثرة حياتياً وسياسياً.. وحينئذ وبما أن المعلومات المؤكدة هي عين رؤية المخطط السياسي.. إذن.. أجهزة المخابرات معلوماتياً هي المكون الأساسي للاستراتيجيات. في إطار الواقع السياسي الاستراتيجي السابق ذكره وبيانه.. يعتصرني الاستنكار التعجبي من خيانة نسيان الحق بل وعدم احتسابه سياسياً واستراتيجياً لمصدر معلوماتي معتمد.. فكيف هذا وهو سبحانه وتعالي المصدر الأساسي.. بل الخالق لكل اسم وعلمية ماهيته.. بل والمعلم والمبين والمفصل لكيفية توصيف وتوظيف نوعية وكمية تلك الماهية العلمية المعلوماتية بحق نافع لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.. فكيف يحق هجر ذاك المصدر الرب المالك والإله.. المصدر العليم بكل شيء.. المصدر العلام العالم.. العالم بالغيب والشهادة.. العالم بما نخفي وما نعلن.. إلخ.. كيف هذا وله جل شأنه كل الأسماء الحسني ما علم منها وما لم يعلم.. وكل منا كمصدر معلوماتي معتمد استراتيجياً له اسم واحد وياليته يعلم معناه أو يذكر توصيفه وتوظيفه.. كيف وكل منا ظلوماً جهولاً إلا من رحم ربي الأعلي.. أنا لا أتصور تلك الخيانة خاصة من أهل الكتاب.. يهود ونصاري ومن أسماهم خليل الرحمن بالمسلمين.. نعم لا أتصور ذلك والكتاب السماوي المقدس بين أيديهم فيه بيان حكمة السياسة واستراتيجيتها العلمية الثقافية الأخلاقية.. سياسة الحق والرحمة والصبر.. سياسة العفو وقدرة الردع الدفاعية.. سياسة عمارة الأرض بما ينفع الناس جميعاً.. سياسة حرمة البغي والاعتداء.. وحرمة الفساد!!.. في الأرض وسفك الدماء.. سياسة التعارف والتواد.. سياسة التكامل النمائي دنيا وآخرة. في إطار ما سبق سياسياً.. سأحاول بإذن الله تقريب صورة ما ذكرناه بذكر الله عملياً.. وقد تخيرت لذلك مثالاً من كريمة القرآن.. "مصر".. التي تحيا وكذا تسوس بذكر الله فطرياً.. فهكذا شعبها بأغلبيته وما يفرزه من قياداته خاصة بهذا الزمان.. سواء كان الذكر متعمداً بقصد قام علي يقين علمي أو كان ذكراً بالفطرة والعادة دون عمدية قصد وثبات نية.. "المهم هي وطن يحيا في مهد ذكر الله والحمد لله أنني مصري".. ومثالنا المختار سوف نري ذكر الله سياسياً فيه من خلال قول الله جل شأنه الذي يقول.. "يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثي وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير".. صدق الله العظيم "13/ الحجرات".. وسوف نقف فقط أمام.. "التعارف سياسياً وكرامة تقواه".. فالتعارف السياسي بين المتعارفين هو السعي المشترك بينهم لإمكانية التكامل فيما بين إمكانيتهم بما يعود بالنفع علي كل منهم نمائياً سياسياً أو اقتصادياً أو عسكرياً.. إلخ.. أما كرامة حق التقوي فتأتي علي محورين بأقل تقدير متاح لنا الآن.. والمحور الأول هو أن يقوم التعارف السابق بتكامليته المتفق عليها علي الصدق وحق الصداقة التي لا تقبل كذباً أو خداعاً أو تدليساً.. إلخ.. أما محور التقوي الثاني فهو.. الضمان النسبي لوقاية كل طرف من احتمالات شر عداء الطرف الآخر.. وتلك مساحة نماء أخري بما تمنحه من أمان السلام.. وتتعظم تلك المساحة بسعي كل طرف لوقاية الطرف الآخر من بغي واعتداء معارفه وشركائه الآخرين حماية لما صار بين يديه من نفع.. وذلك أحد سبل دعم وتعظيم وتوسيع دائرة ردع كل طرف.. وليعلمه ويفهم حكمته كل من يعلم ويفهم ويدرك عملياً معني ما بين الدول من صراع تقاطعات وتباينات.. ومع ذلك كله فالحذر واجب.. وحينئذ نسأل.. لماذا قوامة الحذر بعد كل ما ذكرناه.. والإجابة هي.. لأن الإنسان متغير بتأثير ما يحيط به من أغياراً خاصة إن كانت أغيار سياسة مصنعة وبها مطمع نفعي له.. وهذا ما لا يجب علي المؤمن الذاكر لله أن يتأثر به.. فهو يعلم حتمية تمسكه بالعهد والوفاء به لمدته.. ولذا يقول الله.. "إن أكرمكم عند الله أتقاكم".. فهل أدركنا كيف تكون الكرامة السياسية من المنظور الإسلامي.. لله.. وكيف تكون الخيانة إن نسينا ذلك. كما يقال فإن الشيء بالشيء يذكر.. وهنا وبمناسبة ذكر حقيقة أغيار الدنيا وتأثيرها علي مواقف وفكر الإنسان من دون الذاكر لله المنحاز إلي كرامة التقوي.. فإنني أود مناقشة أمرين كلاهما أتاني به الإعلام.. وكلاهما كلم غير منضبط بسند علمي ثابت.. فالأمر الأول كان رمز اجتماعي دبلوماسي سياسي مصري بارز سابق.. وقد راح ينتقض بشدة فكرة تعديل أي من مواد الدستور الحالي وخاصة المادة رقم "140" الخاصة بمدة موقع الرئاسة والمحددة بأربع سنوات "أمريكية" حتي أنني ظننت أن الدستور مقدس ومن صنع الله المحكم وليس من صنع الإنسان المتغير والذي أحياناً يعبد وثنية صنعته وقد اتخذ حينذاك إلهه هواه.. وتساءلت في نفسي قائلاً.. إن كانت الدساتير تعبد وحرام الاقتراب بالتغيير أو التعديل منها.. فلماذا تجرأت أيها الناقض علي تغيير وتبديل دستور عام 1971 والذي كان أكثر إحكاماً من الدستور الحالي.. ومن أحكمه كانوا متخصصين وليسوا هواه.. ثم بالأفق السياسي سؤال أهم.. وهو.. ما حكمة قرار فتح باب تمديد مدد مجالس إدارات الأندية والهيئات الخاصة المليئة بالفساد من بعد أن استطعنا غلقه.. هل ذاك لتأصيل وتجذير الفساد بقواعد الدولة والخوف عليه من الاقتلاع بيد رئاسة الدولة فكان يتحتم تقليل مدتها حتي لا تتاح لها فرصة التطهير والتطهر من أهل الفساد.. أم أن تداول السلطة معنية فقط بموقع رئاسة الدولة.. وأن علي الشعب ومجلس نوابه وهم المنوطون بالتشريع لأنهم مصدره أن يتقيدوا بهوي ذاتية البعض من دون قيد المصلحة العامة..؟؟!! أما الأمر الثاني فقد كان أيضاً رمزاً مصرياً يعيش ويتعيش بالمجتمع الأمريكي.. وقد راح ينتقد بشدة من يري الأعاصير من أمر الله من دون أمر وسنة الطبيعة.. ووصف من يخالفه الرأي والرؤية بالافتئات علي الله والدين.. وأنه مجرد شامت والشماتة ليست من الدين.. وأن الله لم يخلق الناس ليعاقبهم وينتقم منهم.. ولم يجعل الأرض أماكن منحوسة وأماكن آمنة ولا أدري ما الذي دعاه لهذا النقد والنقض وذكره لإعصار.. "إرما".. الذي ضرب فلوريدا وخلف خسائر مادية كثيرة خلفه.. وربط تلك الخسائر بما استحوذ عليه ترامب من مال من السعودية!! إن الذي جذب اهتمامي بصفة عامة لنقد ونقض الرمزين السابقين هو.. عدم إدراكهما لتأثير الحديث الإعلامي المفتون بالخلط والغلط في الوجدان العام.. وكيف ستستغل أجهزة المخابرات المترصدة لمثل تلك الجهالة وذاك المطروح الإعلامي ضد وطني الكريم خاصة الآن.. أما عن حديث الرمز الثاني بصفة خاصة.. فما شد اهتمامي له هو جهالته بفهم القرآن وتشدقه الأعمي بأنه يفهمه.. بل ويفهمه سياسياً كعلاقة بين مصر وأمريكا وكيف الشماتة "كما ذكر" ستؤثر فيها بالسالب وهو لا يدري أنه بحديثه هو من يفعل ذلك بجهالة ذاتية.. "المهم".. هو.. نعم الشماتة ليست من الإسلام لله.. وهي مرفوضة من قبل الدين الذي ارتضاه الله لنا.. وهي مجرد حالة انفعالية إنسانية ذاتية مذمومة.. ونعم أيضاً.. لم يكن سبب خلق الله لنا هو ليعاقبنا وينتقم منا.. ونعم أيضاً.. لم يقدر الله من الأرض أماكن منحوسة وأخري غير منحوسة رغم عدم علمي بمعني.. "منحوسة"!! ولكن.. سبب خلقنا كما قال الله هو العبادة.. "العبادة المطلقة".. التي نأتي حقها أو باطلها اختيارياً من أنفسنا بقدر علمنا الموروث والمكتسب.. وهي في الحالتين اختبار وابتلاء قائم.. إذن.. مادامت اختباراً واختياراً منا.. ومادام الله قد فصل لنا حقها المقبول من باطلها المرفوض.. فمن البديهي أن يقام علي نتيجة اختيارنا حساب.. "هو بالفعل قائم".. ومادام بالأمر حساب فأيضاً من البديهي أن يكون هناك بعده.. "ثواب وعقاب".. وأن يكون من درجات العقاب.. انتقاماً من المنتقم الجبار ممن لم يعترف بحقه الثابت العبودي.. إذن.. العقاب والانتقام من الله قائمان عدلاً بحساب.. "وليس بسبب خلق".. وإنكارهما جهالة كما هي جهالة نسبهما لسبب الخلق.. أما موضوع تكريم أرض من الأرض فهو أيضاً قائم وليس نسباً لأفضلية جزء ذاتي. أرضي.. ولكنه نسباً لما قدره الله عبودياً ابتلائياً أيضاً للناس.. فما حول المسجد الأقصي من مباركة الله ابتلائياً هو نوع التكريم المسبب ممن هو فعال لما يشاء ويريد في ملكه.. وكذا الكعبة.. "بيت الله الحرام".. وحولها تكريماً ابتلائياً أيضاً.. ومصر بنسب رسل الله إليها.. وكرامة كلام القدوس سبحانه وتعالي علي أرضها بالوادي المقدس طوي.. والتي وصفها الله جل شأنه.. "بالمقام الكريم ذات العيون والكنوز".. هو تكريم وتفضيل أرض من الأرض.. كما فضل الله بعض الرسل علي بعض وأمرنا بعدم التفضيل بينهم ابتلاء منه لنا.. كل ذلك قائم ممن يرفع ويخفض.. ويعز ويذل.. وكل شيء عنده بمقدار مقدر وسبباً بعلمه مسبب.. ثم بعد قيام الساعة ستبدل الأرض بأرض أخري.. إلخ. ارتباطاً بما سبق.. أتمني من نفسي وكل نفس تستهدف الاستبصار والفهم السياسي الحق أن تتفكر في قول الحق سبحانه وتعالي الذي يقول.. "وما تدري نفس ماذا تكسب غداً وما تدري نفس بأي أرض تموت إن الله عليم خبير".. صدق الله العظيم "34/ لقمان" فحينما نتفكر في الرباط بين غيبية اكتساب الأرزاق وبين المكان الأرضي الذي سوف يأتينا الموت فيه.. ونتذكر أن الله عليم خبير.. ونتذكر ما نحن فيه من حالة.. "اختيار مستديم القوامة".. ربما نفهم أننا من نختار أرض موتتنا.. بل وسببها الظاهر وكيفيتها النوعية!! أخر ما أود أن أذكر به نفسي وذاك الرمز المصري الأمريكي هو.. نعم الله من يرسل الآيات تخويفاً وإنذاراً وتحذيراً لنا.. وهو يا أخي من يرسل الصواعق والأعاصير.. وهو من يغرق بالماء من السماء والأرض من يشاء.. وهو من يخسف الأرض بمن يشاء.. إلخ.. وليس للطبيعة ورصد مظاهرها في تلك الأمور من يد فاعلة بل هي مجرد مفعول به.. بعدل حق ومقدار مقدور.. وياليتنا نعقل ذلك سياسياً.. ونحن مازلنا قادرين علي الاختيار. وإلي لقاء إن شاء الله .. ملاحظة هامة بأمر الله مر ملك الموت علي سليمان عليه السلام وألقي التحية.. ونظر لجليسه نظرة أخافته.. فلما رحل طلب الجليس من الملك سليمان أن يقصيه بمكان بعيد.. ففعل.. فلما عاد عزرائيل قال للملك سليمان.. أمرت بقبض روحه بمكان بعيد.. فلما رأيته عندك تعجبت.. فلما ذهبت إلي حيث أمرني الله وجدته هناك في انتظاري..!!