لم تكن كلمات أمير الشعراء أحمد شوقي "قم للمعلم وفه التبجيلا.. كاد المعلم أن يكون رسولا" مجرد سطور كتبها للمجاملة أو عفوا للسخرية بل قالها مؤمناً بدور وأهمية المعلم في بناء المجتمع آنذاك.. فهو صاحب رسالة سامية ومقدسة يربي أجيالاً هم عماد الوطن ورجال المستقبل.. هو جندي مجهول.. قدوة حسنة وطيبة.. لا يبحث عن المال والشهرة.. كل ما يشغله التربية والتعليم. ذكرتني تلك الكلمات بالمُعلم زمان.. ظروفه سيئة للغاية ولكن كبرياءه وكرامته فوق كل شيء.. يمسك ب"الطباشير" و"البشاورة".. يكتب علي "السبورة".. يشرح ويسأل من كتاب المدرسة.. ويراجع الواجبات والدروس ويعطي الامتحانات الشهرية.. يعدل من السلوكيات "تربية" ويعلم اللغة العربية والتربية الدينية والرياضيات والعلوم والتاريخ والموسيقي والألعاب الرياضية "تعليم".. وقد تخرج علي يديه أجيال من العلماء والكتاب والأطباء والمهندسين والضباط وغيرهم دون أن يأخذوا درسا خصوصياً.. ولذلك كان حبه وتبجيله واتخاذه المثل الأعلي. واليوم.. تجاهل رسالته بحثا عن الصيت والمال.. باع رقيه في سوق البيزنس لمن يدفع اكثر "مدرس خصوصي".. جمع ملايين الجنيهات وترك المجتمع يعاني من أجيال لا تعرف التربية ولا التعليم.. علق كرامته وقيمه ومبادئه علي أبواب المدرسة.. وأصبح "ملطشة" الطلاب من أجل حفنة جنيهات.. ولا عزاء لأولياء الأمور الذين وقعوا "فريسة" للدروس الخصوصية.. كما فقدت المدرسة دورها وأصبحت "سنتر" لتعارف المعلم والطالب والاتفاق علي ميعاد الدرس و"الفيزيتا". "سبوبة" من الآخر. والله إن القلب ليحزن علي حالك.. والسؤال.. هل أنت راض عن نفسك وحالك ومالك؟.. مبسوط بأدائك الذي تأخذ عليه أجرك كل شهر؟.. هل قدمت ما عليك وتابعت طلابك وتحصيلهم؟.. هل ترضي أن تدخل بيوت الغلابة وتستبيح قوت يومهم دون أن يتقدم ابناؤهم؟.. هل مارست دورك كمربي ومعلم واتممت رسالتك السامية في نهضة المجتمع؟.. وهل تعلم أنك سبب رئيسي فيما آلت إليه سلوكيات الشباب؟.. اتركك لنفسك وضميرك. وحتي لا ندفن رءوسنا في الرمال.. أري أننا في حاجة لإعادة النظر في المنظومة التعليمية بالكامل. المدرسة والمعلم والطالب وولي الأمر.. ونبدأ بتوفير بيئة مناسبة للتلاميذ تضمن لهم تعليما جيدا.. وأخري كريمة للمدرس بزيادة مرتبه لأقصي حد ممكن يعيد له هيبته وكرامته. ويوقف لهثه وراء المال ويعود صاحب رسالة ثم نضع قوانين تعتبر الدروس الخصوصية "جريمة" عقوبتها الفصل والسجن والغرامة يعقبها رقابة مشددة لضبط المخالفين.. علي أن يوازي ذلك مراجعة للمناهج المدرسية وتطويرها لتواكب العصر الحديث.. لا أن تصبح اكثر صعوبة وتعقيدا.. مع إعادة تنشيط المجموعات المدرسية وتوعية أولياء الأمور بدورهم في تربية أبنائهم وتعليمهم.