في تجسيد واضح لأسمي معاني الإخوة والمحبة والإنسانية والمعدن الأصيل بين نسيج الوطن الواحد نافست موائد الرحمن التي يقيمها الأقباط موائد المسلمين بعد أن أقامت معظم الكنائس ورجال الأعمال الأقباط موائد إفطار للصائمين في الشوارع المحيطة بالكنائس والميادين العامة لمشاركة الصائمين فرحتهم بالشهر الفضيل في رسالة وتحد واضح لقوي الارهاب التي فشلت في تمزيق الوحدة بين قطبي الأمة الذين تصدا لنيران الفتن الطائفية ولقنوا دعاة التقوي والورع درسا في الإنسانية التي نادت بها الشرائع السماوية. تقول هبة رشوان - محاسبة - أهم ما يميز المجتمع المصري هو الترابط والوحدة الوطنية التي تجمع المسلمين والأقباط في نسيج واحد لا يستطيع كائن من كان أن يفرق بينهما وقد اعتاد كلاهما المشاركة في المناسبات الدينية والاجتماعية المختلفة وتبادل التهاني في الأعياد مضيفة أن موائد الافطار القبطية التي تعدها معظم الكنائس المصرية وتستضيف عليها الصائمين المسلمين أبرز مثال علي ترابط هذا النسيج وتتحدي الفتن وتزيد من روح الصفاء والمحبة خلال الشهر الكريم. يشاركها الرأي خالد عبدالخالق - أعمال حرة - قائلا: نشأنا منذ الصغر في وطن يتسع للجميع علي اختلاف الأديان ويعد شهر رمضان عيدا للجميع بمظاهره واحتفالاته والروحانيات التي يتميز بها وقد اعتادت السيدات علي تبادل أطباق الحلوي الرمضانية مع جاراتهن المسيحيات والعكس.. كما لموائد الافطار التي تمتد أمام الكنائس معاني ودلائل عديدة حيث يتجمع عليها المسلمون والأقباط علي حد سواء في مشهد يقف أمامه عاجزا كل من يفكر النيل من وحدة هذا الشعب. وتقول سماح مصطفي - ربة منزل - مع حالة المحبة و التلاحم بين أبناء هذا الوطن أصبح من الصعب أن تفرق بين المسلم والمسيحي في نهار رمضان حيث أنهم يحرصون علي عدم تناول الطعام أو الماء أمام الصائمين ويشترون الفوانيس للصغار يلعبون بها مع أصحابهم المسلمين في الشوارع بعد الافطار. ويشير وديع فهمي - حارس - إلي أن موائد الافطار التي تقوم عليها الكنائس في أغلب المحافظات تعد فرصة يتجمع فيها بعض أهالي المنطقة مسلموها ومسيحيوها وعابرو السبيل لتناول الطعام معا ومد أواصل المحبة والإخاء. ويتابع أمير تادرس - صاحب كشك - قائلاك تعد منطقة شبرا من أشهر التجمعات "الاسلامسيحية" وتربي أبناؤها كنسيج واحد لا يفرقهم معتقد أو ديانة فالمسلم في مسجده والمسيحي في كنيسته بينما الحياة الاجتماعية واحدة نتجمع في الأعياد ونتبادل التهاني وتجمعنا السهرات وفي رمضان نشترك في تعليق اللمبات والفوانيس التي تزين الشوارع ونحرص علي تناول الافطار معا في بعض الأيام سواء علي الموائد القبطية أو موائد الرحمن كنوع من المشاركة في مظاهر شهر رمضان. ويؤكد أيمن بشاي - أعمال حرة - ان مشاعر الإخاء والوحدة الوطنية التي يتميز بها المصريون حائط صد وجدار منيع يصعب علي مثيري الفتن وصانعي الفوضي اختراقه ولن ينال أي حاقد من وحدة هذه الأمة و علي الرغم من إقامة الكنائس لموائد الافطار للمسلمين في رمضان منذ عدة أعوام إلا أنه هذا العام ستعد رسالة واضحة وصارمة أننا سنظل نسيجاً واحداً وذراعين لذات الجسد لن يشتت جمعهم أبدا. ومن جانبه يقول القمص صليب متي ساويرس - كاهن كنيسة مار جرجس بشبرا - ان شهر رمضان يتميز بالخير والبركة وتمتد موائد الرحمن ومثيلتها القبطية علي أرض الوطن بدافع المشاركة في الطعام و"العيش والملحش كما انه يوافق هذا العام صيام "الرسل" عند الأرثوذكس ما يعني أن المسلمين والمسيحيين يصومون معا عدد من الأيام ويتشاركون الموائد ويتبادلون أصناف الطعام. ويشير ساويرس إلي أنه صاحب هذه الفكرة حيث بدأها عام 1969 حيث حرص منذ توليه المسئولية بجمعية السلام في شبرا علي إقامة حفل إفطار رمضاني وكانت أول مأدبة تقيمها جمعية مسيحية للأخوة المسلمين في مصر مضيفا أنه يعود للبابا شنودة الثالث الفضل في نشر الفكرة و تعميمها في كنائس مصر التي تبلغ 300 كنيسة تم نشرها أيضا في عدد من الكنائس بالخارج. وأكد ساويرس أن المصريين مسلمين ومسيحيين سيظلون نسيجا واحدا لن تؤثر فيه الأزمات الطارئة أو المفتعلة بل نشكر تلك الفتن التي زادت من وحدة الشعب إصرارا علي مواجهة التحديات فمصر ظلت قوية علي مدي 14 قرناً وغلبت امبراطوريات ودولاً عديدة وستظل محفوظة وآمنة. ويشير فضيلة الشيخ طه الدسوقي - إمام وخطيب بمديرية الأوقاف بالقاهرة - إلي أن موائد الإفطار التي يقوم بها الأخوة المسيحيون في شهر رمضان مظهر من مظاهر الألفة والمحبة بين نسيج المجتمع الذي لم ولن يفرق بينه أحد. ويضيف أن مشاركتهم الطعام أمر لا بأس به والدليل ما جاء في الأية الخامسة من سورة المائدة فقال تعالي "اليوم أحل لكم الطيبات وطعام الذين أوتو الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم" مما يعني أنه أحل للمسلمين تناول طعام أهل الكتاب كما أن النبي محمد صلي الله عليه وسلم قبل دعوة الطعام من امرأة يهودية في فتح خيبر كما ورد في حديث الشاه الذي أخرجه البخاري ومسلم بن هشام في السيرة. ويضيف الدسوقي أن الموائد التي يعدها الأخوة الأقباط لإفطار الصائمين في رمضان وتلبية دعواتهم تكون علي سبيل المحبة والأخوة وإفشاء السلام من خلال غرز قيم الوحدة الوطنية التي يمارسها الكبار ويتربي عليها الصغار لخلق مجتمع مسالم متآخ لا يتأثر بالأزمات والفتن التي يحاول البعض من خلالها تشتيت شمل الأمة ويقول الله تعالي في سورة الممتحنة "لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين".