يبدو أن بدايات هذا العام تتشابه مع العام الماضي الذي بدأ برحيل أربعة من السينمائيين وهم بترتيب الوفاة محمد حسن رمزي المنتج السينمائي ورئيس غرفة صناعة السينما. ثم الفنان يسري مصطفي وبعده سيدة الشاشة فاتن حمامة والممثلة ثريا إبراهيم. وها هو العام الجديد 2016 يبدأ برحيل الفنان الخلوق ممدوح عبدالعليم في الخامس من يناير. وهو لم يكن يشكو من أمراض قد تجعلنا نتوقع رحيله. ولكن قلبه توقف فجأة أثناء ممارسته الرياضة في صالة "الجيم" بنادي الجزيرة. ولذلك كانت الصدمة في وفاته كبيرة لأسرته أولا ولزملائه الفنانين ولمحبيه من المشاهدين ولأسرة مسلسل "ليالي الحلمية" الذي كان سيواصل في جزئه السادس شخصية "علي" التي بدأها منذ الجزء الثاني. وبرحيل ممدوح أصبح مؤلف الحلقات في حاجة إلي أحداث جديدة لتكتمل مسيرة أبناء الحلمية وأرجو ألا يسند هذا الدور لفنان آخر لأن "علي" في قلوب المشاهدين بأداء فقط ممدوح عبدالعليم. وقد نجح ممدوح عبدالعليم في مشواره الفني منذ أن بدأه طفلا في مسلسل "الجنة العذراء" مع ملك الفيديو نور الدمرداش. ثم كانت بدايته الحقيقية كممثل شاب عقب تخرجه في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية مع المخرجة الكبيرة إنعام محمد علي في فيلم "أم مثالية" وقد فضل ممدوح طريق الفن عن الدبلوماسية وإن كان لم يتخل عنها في تعامله الراقي مع زملائه الفنانين ولهذا كانت سيرته عطرة ويتسم بسمو الأحلاق وقد صدقت المخرجة الكبيرة إنعام حين نعته بهذه العبارة: "ممدوح خسارة كبيرة للفن لأن من الصعوبة أن نجد إنسانا بهذا الصدق والأخلاق الراقية المحترمة في عالم الفن".. أما إجادته للأدوار العديدة التي قدمها في الأفلام والمسلسلات فيبرز منها دور الرجل الصعيدي الشهم كبير العائلة الذي يحمي أسرته ويغار علي حرمتها ويحمل في قلبه مع قوة الشخصية فيضا من المشاعر والحنان وجسد هذه الشخصية في دور "رفيع بيه" في مسلسل "الضوء الشادر". كما نجح في الكوميديا في فيلم "بطل من ورق" والأفلام الاستعراضية في "سمع هس" ليثبت انه ممثل متميز في كل الألوان الدرامية. إن رحيل ممدوح عبدالعليم خسارة كبيرة لفن التمثيل ولن نعترض علي أمر الله فكلنا راحلون. ولكن هي الصدمة التي تنتابنا دائما حينما تكون الوفاة مفاجأة بلا مقدمات من مرض عضال أو كبر السن. أما الفنان الكبير حمدي أحمد فقد رحل أيضا بعد منتصف ليل الخميس 7 يناير بشكل مفاجيء عن اثنين وثمانين عاما وشهرين. وهو صاحب تاريخ فني وسياسي طويل منذ أن قام ببطولة فيلم نجيب محفوظ وصلاح أبوسيف "القاهرة 30" وحصل علي الجائزة الأولي من الجامعة العربية عن هذا الدور "محجوب عبدالدايم" الذي تتعارض سلوكياته ومبادئه وتتنافي مع شخصيته الحقيقية كرجل صعيدي من سوهاج يتسم بالرجولة والنخوة. وقد نجح حمدي في التعبير عن تلك الشخصية حتي صارت أهم علامات مشواره الفني الطويل الذي برع بعده في تجسيد نماذج إنسانية عديدة في المسرح والسينما والمسلسلات التليفزيونية. ولأنه رجل صعيدي وشعبي فقد انتخبه أهل بولاق لعضوية مجلس الشعب في 1979. واستطاع أن يمثلهم ويعبر عنهم وتكون له مواقفه السياسية من مشكلات الوطن فيعبر عنها في البرلمان وفي مقالات بجرائد الشعب والأهالي والأحرار والميدان. رحم الله فقيدا الفن الكبير حمدي أحمد والدبلوماسي ممدوح عبدالعليم وألهم أسرتيهما الصبر والسلوان وجعلهما الله من أهل الجنة بقدر ما أسعدا جماهير المشاهدين في مصر والوطن العربي بأعمالهما الفنية الخالدة.. وللحديث بقية إن كان في العمر بقية.