الوظيفة الاجتماعية لرأس المال الخاص في مصر .. هل هي فريضة غائبة أم باهته تحتاج إلي إعادة صياغة وتغيير ثقافة حتي يبادر الأغنياء لأدائها طوعًا لأن في فوائض أموالهم تكمن سعادة الفقراء وربما تتعلق عليها مصائرهم.. وإلا ما فرضها الله عليهم وجعل لها نصيبًا معلومًا.. ولذا فإن المقارنة مع رجال أعمال الغرب ربما لا تصب في صالح رجال الأعمال والموسرين عندنا.. فمن منا سمع عن رجل أعمال أو أحد الأثرياء فعل مثلما فعل مارك زوكر بيرج مؤسس فيسبوك موقع التواصل الاجتماعي الأشهر . والذي أعلن فيما يشبه الوصية واجبة النفاذ أنه سوف يتبرع بالجزء الأكبر من ثروته .وهي بالمناسبة تعد بمليارات الدولارات خدمةً للإنسانية ولإسعادها بعد وفاته» خاصة في مجالات الصحة والتعليم والرعاية الاجتماعية وكل ما له صلة بترقية الإنسان والنهوض بحياته وتحسين مستوي معيشته ليحيا كريمًا متحررًا من آفة الفقر وربقة الحرمان والعوز. مارك لم يتجاوز عمره 32 سنة. وجمع ثروة هائلة قدرها البعض بنحو 34 مليار دولار وربما يزيد.. لكنه أبدًا لم يعرف عنه أنه استخدمها للإنفاق علي ملذاته أو أهوائه كما يفعل بعض الأثرياء هنا أو هناك لأنه ببساطة أن السعادة هي عمل شيء نافع للناس.. ولم يكن مارك وحده الذي قدم نموذجًا لرجل الأعمال الصالح في الغرب. أو للوظيفة الاجتماعية لرأس المال لكن هناك نماذج عديدة أمثال الملياردير الأمريكي المشهور وارن بافت الذي بدأ حملة لأعمال الخير بالتعاون مع زميله ¢ بيل جيتس ¢ صاحب شركة مايكروسوفت تحت شعار ¢عندما نعطي نلهم الآخرين علي العطاء¢ لإقناع رجال أعمال أمريكيين آخرين أكثر منه مالاً بالتبرع بجزء من ثرواتهم لصالح الفقراء.. وبالفعل انضم إلي حملتهما عشرات من رجال الأعمال الأمريكان الأكثر ثراء. حتي أن معظمهم تبرع بنصف ثروته وربما أكثر وهي أرقام تفوق عدة مليارات من الدولارات لمشروعات خيرية تجاوز نطاقها حدود أمريكا إلي دول أخري تعاني الفقر. هذه الأفكار النبيلة من أصحاب رءوس الأموال لقيت إقبالاً منقطع النظير هناك. حيث تباري أثريا ورجال أعمال كثر في أمريكا وبينهم مسئولون حكوميون وفنانون مشهورون وإعلاميون وأصحاب فنادق وبنوك وفضائيات في دعم الأعمال الخيرية.. ولا تزال الحملة تجذب كل يوم متبرعين جددًا من أصحاب المليارات .. ليقدموا شكلاً من أشكال التكافل الاجتماعي الذي أري رجال أعمالنا وأثرياءنا أحق به وأولي » التزاماً بروح الدين الذي يوصي أتباعه بإطعام الطعام وإعطاء ذوي القربي واليتامي والمساكين و الفقراء .. وما أظن قول الرسول الكريم ..¢ والله لا يؤمن.. والله لا يؤمن قيل مَنْ يا رسول الله .. قال: من بات شبعان وجاره جائع¢ إلا دعوة صريحة لإعالة الفقراء ومد مظلة التكافل لكل محتاج ويظل الإيمان ناقصًا ما بخل الأغنياء وجاع الفقراء. المهم أن جيتس وبافت اعتمدا في مبادرتهما لحث الأغنياء علي التبرع علي مخاطبة المشاعر الإنسانية لدي أصحاب الثروات باعتبار أن تبرعهم بالمال يمثل مجرد التزام أخلاقي أو كلمة شرف وليس عقدًا قانونياً ملزمًا تحكمه تشريعات الدولة.. وهو التزام يدخل حيز النفاذ فور إعلان صاحبه نيته التبرع في وقت يحدده .. وقد عبر عمدة نيويورك عن سعادته بالمشاركة في تلك الحملة الخيرية بقوله ¢إذا أردت أن تفعل شيئًا لأولادك فليس هناك ما هو أفضل من أن تتركهم في عالم أفضل مما تركتهم فيه¢ وسرعان ما أعلن بول نجل الشريك الأكبر في مايكروسوفت هو الآخر نيته التبرع بنصف ثروته البالغة نحو 13 مليار دولار بعد وفاته.. هكذا يتنافس أثرياء الغرب ورجال أعماله لأداء واجبهم الاجتماعي تجاه مجتمعاتهم.. بخلاف ما يحدث عندنا. فأخبار أثريائنا إلا ما رحم ربي لا تعدو أن تكون تصرفات استفزازية تبلغ حد البذخ والسفه في الإنفاق» حتي أن أحد رؤساء الجمهورية السابقين خاطب رجل أعمال بالغ في إسرافه بقوله: "بلاش تستفزوا الناس بهذا التبذير السفيه ".. ومثل هذه التصرفات وما تقدمه الدراما والسينما من أعمال تعكس أنماط حياة الأغنياء المترفين في قصورهم وإنفاقهم وسياراتهم الفارهة وصراعهم علي تكوين الثروات الحرام وجرائمهم وعنفهم تترك غصة في حلوق الفقراء وتكرس لطبقية جديدة تنتشر كالنار في الهشيم وتجعل الفقراء والمعوزين علي فوهة بركان من الاحتقان والتعصب والحقد الاجتماعي الذي يحذر البعض من تداعياته التي لا تبقي ولا تذر.. فكيف يتصور الأغنياء أن ثورة الفقراء قد تخطئهم أو تدعهم يهنأون بما جمعوا من ثروات علي حساب هذا الوطن. وإذا عدنا لآخر أيام مبارك حيث اختلطت مظاهر الفساد السياسي والمالي والإداري وجري تزاوج الثروة والسلطة علي نحو أشعل غضب الفقراء وكان سببًا رئيسيًا في هبة الشعب وخروجه في 25 يناير .. لكن ذلك لا يمنعنا من القول إن هناك رجال أعمال شرفاء يستحقون التقدير لوطنيتهم وإحساسهم بالوظيفة الاجتماعية لرأس المال الخاص.. وهؤلاء تجاوب بعضهم مع مبادرات الدولة بعد ثورة 30 يونيو ودعموا صندوق تحيا مصر .. لكن هذا الإقبال وهذا ما يدعو للأسي لم يكن علي قدر التحديات بل كان أقل بكثير من التوقعات بما يعني أن الرسالة الاجتماعية لرأس المال الوطني لا تزال فريضة غائبة عند هؤلاء »حيث لم يسهموا في رفع العبء عن الطبقات المقهورة. رغم أن ديننا الحنيف حث عليها .ولم تبعد عنها رأسمالية الغرب المتوحشة بل التزمت بها أخلاقيًا كما رأينا في نماذج مبهرة سلف ذكرها. بينما لا تزال أخبار بعض رجال المال والأعمال عندنا مقرونة بمحاضر الشرطة وقاعات المحاكم بتهم خرق القانون والإثراء الحرام حتي صارت تلك التجاوزات مادة شهية للصحف والفضائيات باستثناءات قليلة تمد يد العون للفقراء لكنها أبدًا لا ترقي لما يفعله رجال أعمال في دول الغرب والذين جمعوا ثرواتهم بطرق مشروعة وفق قوانين بلادهم دون مخالفة لها. جمعوها بالكفاح والعرق والمعاناة والكد وليس تهليبًا أو انتزاعًا بغير حق كما يحدث عندنا في حالات لا تُعد ولا تحصي. أثرياؤنا كثر والحمد لله .وهم لا يقتصرون علي رجال الأعمال المشهورين الذين يتداول الإعلام أسماءهم »فهناك أغنياء بين الفنانين و لاعبي الكرة والمحامين والإعلاميين وغيرهم.. ورغم ذلك فهم يترددون في المشاركة في أعمال الخير إذا ما دعوا إليها أو دعت الحاجة لذلك.. وربما تعد مساهمات الأثرياء في صندوق تحيا مصر خير مثال علي ترددهم وتخليهم عن الدولة والشعب في أيام بالغة الصعوبة اقتصاديًا . لم يفكر هؤلاء الموسرون في التبرع ببعض مما أفاء الله به عليهم من مال هم مستخلفين فيه . متجاهلين ما يفرضه عليهم الواجب أو تقتضيه الضرورة الوطنية تجاه أبناء وطنهم الفقراء والمحتاجين.. ولم يردوا الجميل لوطنهم الذي أعطاهم بسخاء حين جمعوا ثرواتهم بغير عناء ولا تعب وربما اقترفوها من حلال أو من حرام لكنهم لم يكترثوا بمعاناة غيرهم ما داموا هم مترفين منعمين .ناسين أن في أموالهم حقًا معلومًا تهربوا من سداده رغم أن أكثرهم جمع تلالاً من المال وكدسها في البنوك هنا وهناك ولم تطالهم يد العدالة.. لكن عدالة الله دائمًا بالمرصاد وسوف يعلمون. كنا نرجو لو سارع الأغنياء لا أقول بالتبرع بنصف أو بعض ثرواتهم كما فعل مارك.. بل نرجوهم فقط أن يسارعوا بإخراج زكاة أموالهم أو دفع ما عليهم من ضرائب دون تلاعب أو تهرب.. فالرئيس حين دعاهم للتبرع لصندوق تحيا مصر أو لإصلاح العشوائيات كان يريدهم شركاء في نهضة بلدهم.. كان يريدهم أن يضطلعوا بدورهم في محاربة الفقر ورفع المعاناة عن المحرومين أداء لرسالة رأس المال الاجتماعية.. لكنهم تهربوا وماطلوا وتشكك بعضهم وتخوف البعض الآخر في نية الدولة نحوهم.. إنهم لا يمتنعون فقط عن أداء واجبهم الإنساني كما تفرضه الأخلاق السوية وتعاليم الأديان القويمة لكنهم حين أرادوا تحصين المال بالسلطة دفعوا أموالاً طائلة لشراء الأصوات في انتخابات مجلس النواب . اشتروا ناخبين ومرشحين.. وكان يمكنهم توفير ذلك كله واجتذاب الأصوات بصورة طبيعية لو أنهم بادروا ببناء مدارس أو مستشفيات أو تطوير عشوائيات أو إعانة فقراء أو توفير فرص عمل لشباب عاطل في تلك الدوائر. منذ سنوات تطل علينا حملة مستشفي سرطان الأطفال عبر الشاشات والصحف تدعونا للإسهام في علاج هؤلاء المرضي الصغار الذين يعانون أشد حالات المرض والفقر وقد استجاب لهذه الحملة كثير من أبناء الطبقة الوسطي وربما الفقراء ولولاهم ما علا صرح هذا المبني الشاهق لمستشفي 57357وما استطاع علاج هذا العدد الهائل من المترددين عليه يوميًا.. الكل أسهم بما يقدر عليه.. لكننا لم نسمع عن أحد هؤلاء الأثرياء الكبار تبرع بمبلغ يتناسب وحجم ثروته الضخمة وهو حق هؤلاء الفقراء في ماله.. لكن لا آذان سمعت ولا ضمائر استجابت.. نفس الأمر تكرر مع صندوق تحيا مصر لدعم الاقتصاد الوطني. يحدونا الأمل أن تستيقظ ضمائر هؤلاء الأثرياء فيبادروا بمد يد العون للفقراء.. وليس أقل من أن يفعلوا مثلما فعلت الفنانة التونسية المشهورة ¢لطيفة¢ التي أدهشني إعلان نيتها التبرع بعوائد ألبومها الجديد لصالح صندوق تحيا مصر.. وهي لفته طيبة من الأشقاء كنا نتمني لو صدرت عن مطربينا وأغنيائنا الذين لا أدري لماذا يتخاذلون عن أداء هذا الواجب في تلك المرحلة الحرجة ..فإذا لم يقفوا مع مصر في هذه المحنة فمتي يردون لها الجميل.. أما آن الأوان أن يأخذوا هذا الأمر علي محمل الجد .. أليست هي التي منحتهم نعمة الثراء ورغد العيش وجادت عليهم بهذا الخير فصار بعضهم وزراء أو نواب برلمان أو مسئولين كبارًا أو علماء أو فنانين أو لاعبي كرة مشهورين.. وها هو الوطن في حاجة لدعمهم فهل يقفون بجواره أم يديرون له ظهورهم كعادتهم ويبخلون عليه.. وهنا نذكرهم بعبارة بافت وجيتس ¢عندما نعطي نمنح الآخرين القدرة علي العطاء¢. ماذا تنتظرون.. ألا ترون المخاطر من حولنا في دول غير قادرة علي الحياة.. هل تنتظرون حتي تشتعل الأرض تحت أقدام الجميع نتيجة ظروف اقتصادية صعبة ينفخ فيها ويحرض عليها الإخوان وأنصارهم والغرب وذيوله رغبة في إفشال مصر.. أعيدوا النظر فيما يفعله رجال أعمال الغرب حتي تعرفوا الرسالة الاجتماعية لرأس المال الخاص إن كنتم لا تعلمون..