يسأل كثير من المسلمين وغير المسلمين عن الأهداف والمقاصد الشرعية من وراء الأضحية وتغيب هذه المعاني النبيلة عن دعاة حقوق الحيوان في الغرب فيوجهون اتهامات عشوائية للمسلمين في كل عيد أضحي. من هنا كان من المهم أن نوضح للجميع أهداف ومقاصد الأضحية في منظور شريعة الإسلام. يقول العالم الأزهري د.علي جمعة عضو هيئة كبار العلماء ومفتي الجمهورية الأسبق: لم يشرع الإسلام شيئا إلا لحكمة بالغة وهدف نبيل.. فما من عبادة أو شعيرة شرعت في الإسلام إلا وكان الهدف الأسمي منها هو التقرب إلي الله وزيادة درجة التقوي وتحقيق مصلحة الفرد والمجتمع.. وهكذا يجب أن تكون حياة المسلم كلها لله رب العالمين حيث يقول سبحانه: "قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي للهِ رَبِّ العَالَمِينَ* لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ المُسْلِمِينَ". ويضيف د. جمعة: ومن نفحات الله وفضله علي عباده أن جعل لهم مواسم يتقربون إليه فيها بعبادات متنوعة. ليزدادوا قربا وعطاء وأنسا به سبحانه. ومن تلك الأوقات المخصوصة بمزيد رحمة وإحسان العشر الأوائل من ذي الحجة التي أقسم الله تعالي بها: "وَالفَجْرِ وَلَيَالي عَشْري" وقال فيها رسول الله صلي الله عليه وسلم: ¢ما العمل في أيام أفضل منها في هذه قالوا: ولا الجهاد؟ قال: ولا الجهاد إلا رجل خرج يخاطر بنفسه وماله فلم يرجع بشيء¢ ولذا يستحب التقرب إلي الله في هذه الأيام المباركة بجميع الوسائل. والأضحية من هذه الوسائل التي يتقرب بها المسلم إلي الله تعالي في أيام النحر بشرائط مخصوصة. والمقصود بالأضحية شكر الله تعالي علي نعمة الحياة إلي حلول الأيام الفاضلة من ذي الحجة وعلي التوفيق فيها للعمل الصالح. التشبه بالحجاج وتشتمل الأضحية علي معان جليلة وحكم قيمة منها: التشبه بالحجاج حين ينحرون هديهم في فريضة الحج. سواء علي وجه الوجوب للمتمتع والقارن أو علي الاستحباب للمفرد. قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: ¢ما عمل آدمي من عمل يوم النحر أحب إلي الله من إهراق الدم إنها لتأتي يوم القيامة بقرونها وأشعارها وأظلافها. وإن الدم ليقع من الله بمكان قبل أن يقع من الأرض فطيبوا بها نفسا¢. ومن التشبه بالحجاج أيضا في الأضحية أنه يسن لمن أراد الأضحية عدم قص الأظافر وحلق الشعر إلا بعد ذبح أضحيته. كما هو شأن الحجاج. وهو تشبه بهم في كونهم شعثا غبرا. فعن رسول الله صلي الله عليه وسلم أنه قال: ¢من أراد أن يضحي فلا يقلم أظفاره ولا يحلق شيئا من شعره في العشر الأول من ذي الحجة¢. ومن التشبه بالحجاج أيضا في الأضحية التوسعة علي الفقراء والمساكين وإدخال السرور عليهم كما قال تعالي: ¢فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا البَائِسَ الفَقِيرَ¢ ولذلك كان تقسيم الأضحية كما قال الإمام أحمد: نحن نذهب إلي حديث عبد الله: يأكل هو الثلث. ويطعم من أراد الثلث. ويتصدق بالثلث علي المساكين. وقال الشافعي: أحب ألا يتجاوز بالأكل والادخار الثلث. وأن يهدي الثلث. ويتصدق بالثلث. ومن هنا قال تعالي: "لَنْ يَنَالَ اللهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَي مِنْكُمْ" ففي الآية دلالة صريحة علي أن الأضحية لا تطلب لذاتها. ولكن للتوسعة علي الفقير وابتغاء التقوي ومحبة الخير لكل الناس ويؤكد ذلك ما روي عن عائشة رضي الله عنها: ¢أنهم ذبحوا شاة فقال النبي صلي الله عليه وسلم: ما بقي منها؟ قالت: ما بقي منها إلا كتفها. قال: بقي كلها غير كتفها¢. فضيلة التقوي ويوضح د.علي جمعة أن من أبرز الأهداف الشرعية للأضحية تحقيق فضيلة التقوي. وذلك بالإذعان والطاعة والانقياد لأمر الله تعالي حيث قال: "لَنْ يَنَالَ اللهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَي مِنْكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللهَ عَلَي مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ المُحْسِنِينَ".. وتتحقق التقوي كذلك بحسن اتباع رسول الله صلي الله عليه وسلم في هديه وبيانه لشروط الأضحية التي تدور حول سلامتها من العيوب تقوي للمضحي ونفعا للفقير. قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: "أربع لا تجوز في الأضاحي: العوراء بين عورها والمريضة بين مرضها. والعرجاء بين ظلعها- أي عرجها- والكسير التي لا تنقي.. أي الهزيلة" ذلك أن الله طيب لا يقبل إلا طيبا.. قال تعالي: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ".. والإنفاق لا يكون إلا من أطيب ما يملكه الإنسان. وفي الأضحية كذلك نوع إشارة إلي القربان الأول في حياة البشرية حيث قدم كل من ولدي آدم قربانا فقدم هابيل كبشا من أجود الكباش التي يملكها في حين قدم قابيل بعضا من أردأ ثمار الأرض التي يملكها. فتقبل الله قربان هابيل ورد قربان قابيل قال تعالي: "إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ المُتَّقِينَ" فقبول العمل مرتبط بالتقوي. وعلامة ذلك البذل والعطاء مما يحبه الإنسان. قال تعالي: "لَنْ تَنَالُوا البِرَّ حَتَّي تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ". وفي الذبح والأضحية تذكير بسيدنا إبراهيم عليه السلام وإحياء لسنته. إذ ابتلي فصبر. وقدم أمر الله سبحانه ومحبته علي فلذة كبده وولده إسماعيل. حين امتثل لأمر الله وهم بذبحه ففداه الله عز وجل: "وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحي عَظِيمي".