** توقفت طويلاً أمام محنة أستاذ جامعي من أصحاب "الهمم العالية" استطاع أن يعبر النفق المظلم الطويل حتي أصبح قاب قوسين أو أدني من تولي منصب العميد بكلية الآداب جامعة بني سويف.. سار الدكتور عصمت نصار علي خطي عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين. واجتاز كل الحواجز بامتداد مسيرته العلمية المشرفة حتي ضُرب به المثل في النبوغ والنزاهة وقوة الإرادة. وذاع صيته في المحافل العلمية. فإذا به يُشرف علي عشرات الرسائل العلمية في الماجستير والدكتوراه. ويضيف إلي المكتبة العربية أكثر من عشرين مؤلفاً في العلوم الفلسفية. ولذا كان طبيعيا أن تختاره اللجنة الخماسية المكلفة بتقييم أعمال الأساتذة الذين تقدموا لشغل منصب عميد كلية الآداب بجامعة بني سويف للفوز بمنصب العميد متقدما علي أقرانه بسبعين درجة. وفي أعقاب صدور قرار اللجنة بفوزه تلقي الدكتور عصمت نصار التهنئة القلبية من تلاميذه وزملائه. ليس بسبب اختياره للمنصب العلمي المرموق فحسب. ولكن لإصراره علي الانتصار للعقل المصري المبدع في ظل أصعب الظروف وأحلكها. وتطلع الجميع لاعتماد قرار اللجنة وصدور القرار الرسمي بتعيينه في المنصب الشاغر. ولكن القرار لم يصدر. فقد كان لرئيس الجامعة الدكتور أمين لطفي رأي آخر حيث تواصل مع وزير التعليم العالي وحصل علي موافقته بتأجيل صدور القرار لبعض الوقت والسبب أن الدكتور عصمت نصار لن يستطيع القيام بمهام منصبه..! ** وفور الاعلان عن تأجيل قرار التعيين تم تسريب معلومة مغرضة بين أعضاء هيئة التدريس مفادها أن اللجنة العلمية التي انتخبته قد تعاطفت مع ظروفه الصحية وجاملته علي حساب زملائه الذين تقدموالنفس المنصب. والجدير بالذكر أن المتقدمين لمنصب عميد كلية الآداب بجامعة بني سويف كانوا أربعة أساتذة هم: الدكتور جودة مبروك. والدكتور محمد فوزي. والدكتور رجب عثمان. وإذا كانت اللجنة قد استبعدت الدكتور رجب عثمان أستاذ اللغة العربية بالكلية بسبب تقرير الرقابة الإدارية الذي أوصي بعدم الصلاحية. ومن ثم عدم جواز تعيينه. فإن بقية المرشحين لا غبار عليهم ويمكن اختيار أحدهما بديلا إذا كان رئيس الجامعة لا يعترف بقرار اللجنة الخماسية. ولكن واقع الحال يؤكد أن هناك نية مبيتة للحيلولة دون وصول أستاذ الفلسفة الكفيف لمنصب العميد. ودعونا نتوافق مع منطق رئيس الجامعة ونقر بعدم صلاحية النابغة الكفيف لعمادة الكلية. ولكن اختياره للدكتور رجب عثمان المستبعد أصلاً من الترشيح يثير الشبهات حول مصداقية رئيس الجامعة. خاصة أن البديل ليس بعيداً عن الشبهات حيث أحيل إلي مجلس تأديب بسبب سرقة أحد مؤلفات الدكتور رمضان عبدالتواب عميد الكلية الأسبق إضافة إلي توجيه اللوم أكثر من مرة له بسبب مخالفته للقرارات الإدارية أثناء قيامه بمهام عميد الكلية قبل انتخاب الدكتور عصمت نصار. ورأيي الشخصي أن القضية الأساسية لا تكمن في حرمان الدكتور عصمت نصار من أحقيته بمنصب عميد كلية الآداب بسبب إعاقته البصرية. بقدر ما تكمن في استمرار مسلسل التهميش والتمييز والإقصاء خلف أسوار الجامعة المصرية وخارجها. ** آخر الكلام : لا يختلف اثنان علي أن الدكتور عصمت نصار جدير بالتكريم وليس بالعقاب. وقرار تعيينه جاء بالانتخاب. وبناءً علي قرار لجنة علمية متخصصة. والبديل غير صالح في الأصل لتولي مناصب قيادية. الأمر الذي يقطع بشبهة فساد. بل هو الفساد بعينه في جامعة بني سويف. ولا أتوقع أن يعيد الدكتور أمين لطفي رئيس جامعة بني سويف الحق إلي أصحابه. ولا أتوقع أيضا أن يعاقب الدكتور أمين لطفي علي قراره المخالف للعُرف والقانون. فالمؤكد أنه محصن ضد العقاب. ودعونا نواسي الدكتور عصمت نصار ونذكره بأن منظومة الفساد التي تنخر في كافة موسسات الدولة تعتمد في الأساس علي اختيار أهل الثقة علي حساب أهل الكفاءة.. ولله الأمر من قبل ومن بعد.